كان منوطًا بحكومة د. حازم الببلاوى أن تعالج أخطاء الحكومات السابقة عليها وتحديدًا الحكومات الأربع التى توالت منذ شهر فبراير 2011 حين كلف الرئيس الأسبق مبارك الفريق أحمد شفيق بتشكيل حكومة لم تستمر إلا أسابيع قليلة جدًا قبل أن تقدم استقالتها قبل ساعات من تنظيم مليونية تطالبها بالرحيل.. وحتى حكومة هشام قنديل التى قامت عليها ثورة 30 يونيو لترحل مع رحيل محمد مرسى وتكليف الرئيس المؤقت عدلى منصور للدكتور حازم الببلاوى بتشكيل الحكومة فى 9 يوليو 2013 قبل أن تقال هذه الحكومة أو تتقدم باستقالتها (كما أشيع وأذيع) فى 14 فبراير من هذا العام (2014) ليتم تكليف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل حكومته الأولى التى بدأت عملها الفعلى فى الأول من مارس لتمضى الأيام سريعًا وهاهوذا محلب يشكل حكومته الثانية والجميع فى انتظارها بينما أكتب أنا هذه السطور. (1) ونحن مضطرون لقراءة التقارير الرسمية التى قيّمت أداء الحكومة الخامسة (حكومة الببلاوى) التى جاءت بعد الإطاحة بالرئيس والحكومة الإخوانيين وصحيح أنها تولت مقاليد الأمور فى ظل تهديدات أمنية وإرهاب يوجه ضرباته للداخل المصرى لكن لا يمكن أن يكون هذا عذرا لأدائها الذى وصف بالاهتزاز والأيدى المرتعشة حين تأخرت هذه الحكومة فى اتخاذ قرار فض اعتصامى رابعة والنهضة الإخوانيين وزيادة التهديدات بعد عملية الفض. هذه التهديدات التى كانت موجهة بالأساس للجيش والشرطة وليس للوزراء المدنيين ولا لرئيس الوزراء الذى أصدر رسميًا قرار الفض. وفى شهر فبراير من هذا العام (2014) أصدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء تقريرًا عن 6 أشهر سابقة فى عمر حكومة حازم الببلاوى وركّز التقرير بالطبع على ملف الاقتصاد ومن هذا الملف تم التركيز على التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.. وفى هذا التقرير جاء أن برنامج حكومة الببلاوى تضمن 3 محاور أولها: اتخاذ إجراءات عاجلة تهدف إلى تخفيف عبء المعيشة على المواطنين، والمحور الثانى: تنفيذ خطط مختلفة لتحفيز الاقتصاد وتنشيطه من خلال زيادة الإنفاق الاستثمارى العام لتمويل مشروعات فى المجالات ذات الأولوية على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى وبهدف تخفيز الطلب (زيادة فرص العمل) والتشغيل والإنتاج، أما المحور الثالث: فتمثل فى إصدار مجموعة من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية التى تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والوقاية من الفساد. فماذا تحقق من نتائج هذه الخطة؟ لا شىء إيجابى بل على العكس غادرت هذه الحكومة التى اعتمدت سياسات إنفاق توسعية (على الرغم من ندرة الموارد) لتضيف مزيدًا من الأعباء على اقتصاد مريض ويعانى من سكرات الانهيار وقد أضافت حكومة الببلاوى ما يزيد على 4 مليارات من الدولارات للديون الخارجية لتصل إلى 47 مليارًا نهاية الربع الأول من العام المالى 2013/2014 الذى صادف حكومة الببلاوى، وزادت أعداد العاطلين لتقترب من 12مليونًا بالإضافة إلى إغلاق مزيد من مصانع وشركات الاستثمار الخاص وهروب مزيد من المستثمرين العرب والأجانب، وحتى القرار الذى يتذكره الناس لهذه الحكومة والذى تمثل فى رفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 1200 جنيه وضع هذه الحكومة والحكومات التالية لها فى مأزق توفير المخصصات المالية الكافية لتغطية هذه المبالغ الإضافية على موازنة الدولة التى تعانى بالفعل من أعباء وعجز هائلين. .. وذهب الببلاوى وجاء محلب ليتولى المسئولية فى عهد الرئيس المؤقت عدلى منصور بفكر جديد وعزيمة وإصرار على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال العمل والإنجاز الزمنى القياسى لكل المؤجلات فى الملفات المختلفة الضرورية مثل الأمن والاقتصاد. (2) ومحلب يصف رجال حكومته ب «حكومة المحاربين» والناس يرون الرجل كثيرا فى مواقع العمل ووسط العمال يحثهم على الإنجاز ويرونه فى الشارع يتابع إزالة المخالفات ويستحث المواطن على مساندة الحكومة فى معالجة المشاكل المستعصية مثل مشاكل التخلص من القمامة ونظافة الشوارع، ورأوه أيضًا فى رحلة إلى قلب أفريقيا قريبًا من الموقع الجغرافى لسد النهضة ليحاصر أزمته التى مثلت قلقًا واضحًا للمصريين خلال السنوات الثلاث الأخيرة فهى تهدر نصيب مصر فى مياه نهر النيل الشريان الذى يغذى الحياة فى الوادى منذ آلاف السنين وإلى ما شاء الله، وهذا الملف (أزمة سد النهضة) وطريقة التعامل معه كانت سببًا رئيسيًا فى سخط المصريين على الحكومات التى سبقت حكومة محلب. وقبل أن تغادر حكومة محلب حققت ما وعدت به على الأقل فى الجانب التشريعى المتعلق بالاقتصاد حيث نجحت فى استصدار عدد من التشريعات التى يرى البعض أنها ضرورية ومطلوبة لإصلاح بعض التشوهات المتعلقة بالاستثمار والضرائب والمالية ومعظم هذه التشريعات كانت موجودة بالفعل لكن فقط أدخلت عليها تعديلات أو كانت مؤجلة وتم إصدارها من خلال الرئيس المؤقت عدلى منصور. فى المجال الاقتصادى تم تعديل وإصدار قوانين الأرباح الاقتصادية (أرباح البورصة) وتعديل قانون الضريبة العقارية وإعادة إصداره وكذا إصدار قانون الضرائب على الدخل وفى شأن التشريعات المالية صدرت قوانين التأجير التمويلى والتمويل متناهى الصغر وقانون الشركات العاملة فى الرعاية الطبية وقانون الإسكان الاجتماعى وهو مهم ومطلوب لتحفيز الدولة والقطاع الخاص على الاهتمام بهذا النوع من مشاريع الإسكان لتلبية حاجات الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة من هذا النوع من الإسكان، ولعل هذا النشاط تجاه الملف الاقتصادى هو الذى شجع أصحاب القرار على دعوة محلب لتشكيل الحكومة لمرة ثانية ومنح الثقة للمجموعة الاقتصادية فى حكومته الأولى واستمرارها وخروجها من بورصة تكهنات الاستبعاد. (3) وفيما يخص الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى فى هذا الملف هناك الكثير الذى يمكن أن يقال خاصة أن الرجل أصبح على رأس السلطة التنفيذية بالفعل ويمارس مهامه منذ يوم التاسع من شهر يونيو الحالى، اليوم التالى على استلامه للسلطة.. وقد حرص الرئيس على نقل رسالة اطمئنان للخارج عبر من جاءه يهنئه بمكانه الجديد من مسئولين وسفراء ودبلوماسيين أجانب.. وكان الرد الدائم على هذه التهانى حرص السيسى على أن ينوه إلى أن مكافحة الإرهاب ليست تحديًا مصريًا فقط ولكنه تحد إقليمى ودولى وطالب الجميع بتحمل مسئولياته فى مكافحة الإرهاب ومشاركة مصر فى مواجهة هذا التحدى.. أما الملف التالى مباشرة فكان توضيح الرئيس للخارج أن مصر بصدد تصويب منظومتها الخاصة بالاستثمار لتشجيع المستثمرين العرب والأجانب على القدوم إلى مصر والاستثمار فى الاقتصاد المصرى، وتطمين هذا الخارج على قدرة مصر على الوفاء بديوانها تجاه هذا الخارج. (4) ليس هذا فقط ما يتعلق برؤية الرئيس السيسى لأزمة الاقتصاد المصرى ولكن هناك رؤية أعمق وتحتوى على تفصيلات أكثر تتعلق بمشاريع تصب فى رفع معدلات التنمية المطلوبة ورفع الناتج المحلى وباقى الخطوات المهمة المطلوبة ليتجاوز الاقتصاد عثرته بشكل سريع، لكن أهم من كل ما سبق أن تكون للرئيس رؤية أخرى تتعلق بمشروع نهضوى شامل يحاكى المشاريع العالمية الرائدة التى تجاوزت فيها بلاد مثل بلادنا أزماتها وأنا هنا أتحدث مثلا عن تجربة ماليزيا، وتجربة النمور الآسيوية، وتجربة كوريا وتجربة ميجى فى الصين.. وحتى تجربة محمد على الذى بدأها بالتخلص من التبعية وخطط لنهضة اقتصادية تعتمد على الداخل وكان مدخله الأساسى الموازى بناء جيش مصرى قوى وصب المشروعين (الجيش والنهضة الاقتصادية) فى مجرى واحد تأسست من خلاله دولة مصر الحديثة قبل أن يضرب الغرب هذه النهضة ويخدع خلفاء محمد على بمشاريع نهضة شكلية أثقلت الدولة بالديون وانتهت باحتلال مصر. وإذا ما وضعنا هذه التجربة إلى جوار تجربة جمال عبدالناصر فسوف نفهم درس التاريخ وسوف نتجاوز أخطاءنا التى وقعنا فيها من قبل.. هذا ما يتعشمه المصريون وما يرجونه من رئيسهم الحالى ومن رجال الحكومات التى سوف تنفذ رؤاه وسياساته وتبدع هى الأخرى من لدنها رؤى وسياسات أخرى تنهض بمصر.