بعد انفصال شبه جزيرة القرم عنها، تتجه أوكرانيا نحو المزيد من التفتيت والتقسيم، وهو ما قد تؤدى إليه نتيجة الاستفتاء على استقلال مدينتى دونيتسك ولوجانسك شرق أوكرانيا الذى أجرى الأسبوع الماضى والذى قد يزيد من حدة الأزمة بين روسيا والغرب فى الوقت الذى تزداد فيه المواجهات بين الانفصاليين الموالين لروسيا والقوات الأوكرانية مما يهدد بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية. وأظهرت نتيجة الاستفتاء تصويت أغلبية كاسحة من سكان مدينى دونيتسك ولوجانسك لصالح انفصالهما عن أوكرانيا، وأعلن دينيس بوشيلين، أحد قادة ما يسمى «جمهورية دونيتسك الشعبية» أنه بعد إعلان جمهورية دونيتسك دولة ذات سيادة بناء على نتائج استفتاء 11 مايو فإنه سيتم التوجه بطلب إلى موسكو لقبول انضمامها إلى روسيا، فى حين أعلن فاليرى بالوتوف زعيم ما يسمى «جمهورية لوجانسك الشعبية» عن نيته تشكيل ما يسمى دولة «نوفا روسيا» أى روسيا الجديدة وذلك بالاتحاد مع «جمهورية دونتسك الشعبية». وفى حين أكدت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى أن الاستفتاء غير شرعى وأنهما لن يعترفا بنتيجته، سارع الكرملين إلى الإعلان عن احترام روسيا لإرادة أهالى شرق أوكرانيا، مشددًا فى بيان على ضرورة تطبيق نتائج الاستفتاء بشكل متحضر وبدون أى لجوء للعنف وعبر الحوار بين ممثلى كييف ودونيتسك ولوجانسك. ومن جهته اعتبر وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف أن بلاده لا ترى فائدة من إجراء محادثات دولية جديدة حول أوكرانيا بدون ممثلين عن المناطق الانفصالية فى شرق البلاد. وبالإضافة إلى تفتيت أوكرانيا، يرى محللون أن الاستفتاء سيتسبب فى زيادة التوتر بين القوى العظمى. وفى هذا السياق، يقول سيمون جنكينز بمقال بصحيفة «الجارديان» البريطانية إن الاستفتاء أسفر عن أزمتين وليس أزمة واحدة. تتمثل الأزمة الأولى فى ضغط الانفصال من النوع الذى ابتليت به أوروبا منذ فترة طويلة. أما الأزمة الثانية فهى بالنسبة لجنكينز الأكثر خطورة وتظهر عندما تكتسب مثل هذه الصراعات المحلية رعاة خارجيين، أى عندما تنتقل إلى سياسات القوى الكبرى بحيث تصبح آلات لاختبار قوة رؤساء الدول وهذا هو ما يحدث الآن فى أوكرانيا. ويرى جنكينز أن اللاعب الرئيسى فى أوكرانيا هو الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى ذاق طعم المجد فى شبه جزيرة القرم باستجابته بشكل واضح للإرادة الشعبية التى أعقبت الانقلاب ضد الرئيس المنتخب فى كييف. والآن أظهر شرق أوكرانيا من خلال الاستفتاء على استقلال مدينتى دونيتسك ولوجانسك تصاعدا فى النزعة الانفصالية من قبل السكان الموالين لروسيا وهو بالطبع ما يسعد بوتين لاستغلاله. وهكذا أصبحت أوكرانيا اختبارا مباشرا لقوة الغرب فالرئيس الأمريكى يتم ذمه لعدم اتخاذ موقف أكثر صرامة، والاتحاد الأوروبى يتعرض للانتقادات لرد فعله الفاتر، ويتم تشبيه الأزمة فى أوكرانيا بحادث سراييفو 1914 الذى أشعل الحرب العالمية الأولى وأزمة السوديت 1939، إلا أن أوكرانيا – حسبما يؤكد جنكينز - ليست سراييفو أو السوديت. ففى حين يستند سلوك روسيا فى شبه جزيرة القرم على موافقة من قبل الانفصاليين، فإن أوكرانيا ليست شغل واشنطن أو لندن أو بروكسل. وعندما تشعر قوى بعيدة بأن لها مبرراتها للتدخل ضد إرادة شعوب ترفض ذلك التدخل من جانبها، هنا تختل الدوافع وتبدأ حروب خطيرة، حسبما يقول جنكينز. كما يشير جنكينز إلى تناقض مواقف الغرب فيقول إن حق تقرير المصير يعتبر مبدأ أساسيًا من مبادئ السياسة الليبرالية، ولذلك ذهبت بريطانيا إلى الحرب فى جزر فوكلاند وكوسوفو والعراق- حسبما قال تونى بلير فيما بعد. ولذلك السبب أيضا، يؤيد ديفيد كاميرون إجراء استفتاء على استقلال اسكتلندا ويقترح إجراء استفتاء آخر بشأن بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبى، ويلفت جنكينز إلى ضرورة ألا يفقد هذا المبدأ مصداقيته. وبالنسبة لمدى رغبة روسيا فى ضم شرق أوكرانيا، فإن المحللين طالما أكدوا أنه فى حين أن شبه جزيرة القرم كان ينظر إليها على أنها جزء من روسيا، فإن موسكو ليست لديها الرغبة فى تحمل أعباء اقتصادية أخرى بضم الشرق، ناهيك عما سيؤدى إليه ذلك من توسيع العقوبات الاقتصادية من قبل الغرب، إلا أنها قد تدخل عسكريا إذا حاولت كييف إنهاء الحركة الانفصالية بالقوة. وفى هذا الإطار، كتب فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير صحيفة «روسيا فى الشئون الدولية» التى تصدر بالمشاركة مع مجلة «فورن آفيرز» الأمريكية، أن الاستفتاء ينظر إليه فى موسكو ليس كأساس شبه شرعى أو سبب لإثارة التساؤلات حول الانفصال عن أوكرانيا ولكن كأداة لإجبار الأطراف الأخرى فى النزاع على إشراك الانفصاليين فى المفاوضات.