يقدّم الفيلم الأمريكى الضخم ذى الأبعاد الثلاثية « 300: rise of an empire» تنويعة جديدة على نفس نغمة فيلم «300» الشهير، حيث يدور الصراع بوضوح، وعلى بلاطة كدة، بين الغرب الحر المؤمن بالديمقراطية، وحامل مشعل الحضارة، وبين الشرق الاستبدادى الذى يحوّل زعماءه إلى آلهة ممثلا فى الإمبراطورية الفارسية القديمة. الجزء الجديد الذى اشترك فى كتابته وإنتاجه زاك سنايدر مخرج فيلم «300» جاء أكثر إبهارا ودموية، هناك وحشية هائلة وغير مسبوقة فى سبيل المجد: أياد مقطوعة، وأحشاء مبقورة، ورؤوس مذبوحة جعلت عرض الفيلم فى الصالات المصرية تحت لا فتة «للكبار فقط»، مع وجود دور أقوى لبطلتى الفيلم، وكلتاهما ( على الطرف الفارسى أوعلى الطرف الإغريقى ) من أصول يونانية ! يتحوّل تحالف أثينا وإسبرطة، وانتصارهما على الفرس فى موقعة سلاميس المعروفة، الى انتصار للحرية عموما، للحضارة الأرقى، وللإنسانية جمعاء. الإسقاط واضح وصريح على ما يحدث أيضا فى عالم اليوم، تماما كما شاهدنا فى فيلم 300»، يقول الفيلم ببساطة إنه عندما يحمل الغرب السلاح سيكون ذلك فقط من أجل الحرية، ودفاعا عن الديمقراطية، وعن الإنسان ضد قوى بربرية وهمجية. لدينا بالفعل عمل شديد الإبهار لايمكن مشاهدته إلا فى دارالعرض، ولكن لا علاقة للفيلم بالتاريخ، وإنما علاقته بالحاضر، وبالسياسة، وبرؤية غربية تربط الإستعمار بحروب الشرق، وتقرن التحرر بمعارك الغرب.. شوف ازاى يا جدع ؟أ المهم ما تنساش تبتسم وانت بتاكل الفيشار !! يبدأ الفيلم وقد انهال سيف ملك الفرس على أحد المقاتلين الإسبرطيين الذى قتلوا فى أثناء دفاعهم الأسطورى عن أنفسهم ووطنهم، وهو ما شاهدناه فى فيلم «300» بالتفصيل، وينتهى الفيلم وبطل اليونان الجديد «ثيمستوكليس» يوجه ضربة سيفه فى اتجاة الكاميرا/ بديل جيوش الفرس المهزومة فى سلاميس، وبين اللقطتين نعود الى ماقبل معركة مجزرة الإسبرطيين، ثم نستكمل ما حدث بعدها، تقود السرد والحكى ملكة إسبرطة وأرملة الملك ليونايدس المقتول فى المعركة وهى الملكة جورجو، إنها تتحدث الى مقاتليها، وتقول إن الوسيطة المتنبئة أكدت أنه لن يبق شئ من اليونان وأثينا سوى بشر على سفن عائمة، وعلى هؤلاء سيتوقف مصير البشرية، ثم تحكى الملكة أصل الحكاية عندما قرر داريوس زعيم الفرس أن «يستعبد» مدن اليونان، غار من مدن الأحرار، فقررغزوها، ولكن ثميستوكليس (يلعب دوره سوليفان ستابلتون)، نجح فى إيقاف الزحف القادم من فارس عند مدينة ماراثون، ليس ذلك فحسب، بل إن القائد اليونانى الشاب والشجاع، استطاع أن يصيب داريوس قائد الفرس بسهم نافذ، مما أطلق شراسة ابنه زيركسيس، ومما جعل ثميستوكليس يشعر بالذنب، لأن الأولى بالقتل الابن الأكثر شراسة وليس الأب العجوز، ولأن اغتيال داريوس سيفتح الباب لغزو أعظم وأخطر. زيركسيس الباكى الحزين، يذهب الى مغارة للنساك، ويخرج منها عملاقا مدعيا الألوهية، ويتحريض من أرتيمسيا (إيفا جرين فى دور جيد) يتخلص زيركسيس من طفولته وبراءته، أما أرتيمسيا فحكايتها غريبة وعجيبة، هى أصلا يونانية قام أهل وطنها بقتل أسرتها واغتصبوها فى صباها ضمن فوضى الحرب، عثر عليها أحد الفرس، فأخذها الى فارس، تربت على القتال والقسوة، واختارها داريوس لتكون من قوّاده العسكريين، نراها وهى تذبح الرجال والجواسيس بلا رحمة، بل إنها تنزع السهم عن داريوس حتى يموت، بعد أن لمست فى كلامه وصية لابنه بعدم غزو بلاد اليونان، لأنها بلاد لا يمكن أن يغزوها إلا الأبطال، ولأن أرتيمسيا تريد الإنتقام من أهل وطنها السابق، فإنها تفتح المجال لسيطرة زيركسيس، وتبدأ حملة تقودها أرتيميسا شخصيا لغزو بلاد اليونان، تضم حوالى مليون مقاتل. منذ الوهلة الأولى، يقدم الفيلم ثيمستوكليس باعتباره صاحب حلم توحيد مدن اليونان لمواجهة الخطر الفارسى، وهو الذى يضع الصراع فى إطار الشرق الهمجى المستبد الذى يحاول سلب حرية اليونانيين وديمقراطيتهم، ولذلك تتحول المعركة الى دفاع عن الحضارة والإنسانية، والى مناسبة للفوز بالمجد، ويتجاهل الفيلم أن الحرب بين إسبرطة وأثينا كانت لا تقل شراسة وهمجية عن حرب فارس ضد مدن اليونان، هناك ظلال لهذا العداء سنراه فى الفيلم، فالإسبرطيون المقاتلون ومليكتهم جورجو سيرفضون التحالف مع ثيمستوكليس الذى حشد بعض السفن، و بعض المقاتلين الذين هم أصلا مزارعون ومفكرون وفنانون وفلاسفة من أثينا، ستكتفى إسبرطية بإرسال 300مقاتل سيبيدهم الفرس عن آخرهم، أما ثيمستوكليس فيواجه سفن آرتيمسيا التى تسد الأفق بالحيلة، يدور حولها ثم يخترقها من الوسط، أو يدفعها باتجاه الصخور، يرفض إغواء آرتميسيا له، وطلبها أن ينضم إليها ضد قومه، تنجح جيوش فارس فى إحراق سفن أهل أثينا رغم نضالهم الباسل، يتم إحراق أثينا أيضا، تتحقق نبوءة الوسيطة التى قالت إنه لن يبق سوى أشخاص فوق السفن، هنا فقط تتحرك إسبرطة ومليكتها جورجو، التى تريد الانتقام لثلاثمائة قتيل إسبرطى، على رأسهم زوجها الشجاع ليونايدس، تظهر فى الأفق سفن أهل إسبرطة حاملة مقاتليها المحترفين، تواصل آرتيمسيا معركتها حتى النهاية، تنزل بنفسها لتقود الحرب الأخيرة، يبارزها ثيمستوكليس بشراسة، ينجح فى قتلها، ينقض مقاتلو إسبرطة على سفن الفرس، الدماء تغرق الشاشة، يسدد ثيمستوكليس سيفه باتجاه الكاميرا والمتفرجين، لقد حقق أكثر من هدف بضربة واحدة: قام بحماية الحرية والديمقراطية التى ارتوت بدماء الفرس، ونجح فى توحيد كل مدن اليونان ضد الخطر، وتحرر من ذنب التسبب فى تدمير بلاده، بعد أن أصاب فى الماضى الملك الفارسى داريوس بسهم مميت، صحيح أنه تم تدمير أثينا، ولكن البشر حققوا المجد، وكسروا أسطورة ألوهية ملك الفرس، الذى نراه قبل النهاية وقد تراجع عن استكمال المعركة، وكأنه يعترف بأنه لن يستطيع أن يغزو وطنا يحميه أبطال مثل أهل إسبرطة واليونان. نجح نوام مورّو مخرج هذا الجزء الجديد من بطولات الإغريق فى مواجهة الفرس فى تقديم عمل أكثر عنفا وشراسة، سماء رمادية ودماء حمراء طوال الوقت، واحتفال بالحركة وفنيات المبارزة والقتل. هناك تسليم فيما يبدو أبن الحرية لابد أن تكون لها أنياب، فى أحد المشاهد، يرفض ثيمستوكليس تماما فكرة التفاوض مع الفرس المستبدين، بينما يدفع الإسبرطيون ثمنا باهظا لسوء تقدير الموقف، ربما يعطى هذا الجزء مساحة أكبر وأكثر فاعلية للأدوار النسائية، حيث تبدو المعركة فى الواقع بين ثيمستوكليس وأرتيمسيا، وتنتهى بمقتل أرتميسيا، ودون حتى معركة ضخمة. هناك دوما إيقاع متوتر مشدود، موسيقى تستخدم الطبول، وتوظيف ممتاز للبعد الثالث، أحسسنا ونحن فى الصالة أن الدماء تغرقنا، وأن السيوف تتجه إلينا، ولم يكن لذلك إلا معنى واحد، هو أن تشكر الظروف لأن ثيمستوكليس ممثل الحضارة الغربية انتصر على الهمجية والبربرية الشرقية، هذا فيما يبدو هو معنى السلسلة: الاستعمار والعبودية فكرة شرقية تولد مع أصحابها ، والحرية فكرة غربية لا يدافع عنها سوى من يعرف قيمتها!!