كأن الحكومة البريطانية استيقظت فجأة من النوم أو كأنها أفاقت من غيبوبة.. فقد اكتشفت الحكومة البريطانية مؤخرًا ومتأخرًا أنها لا تعرف معلومات كافية عن تواجد جماعة الإخوان على أراضيها ولا عن أنشطتها داخل بريطانيا وخارجها.. كما أنها لا تعرف شيئًا عن أفكارها وقيمها وعلاقتها بالتطرف والعنف. الاكتشاف المتأخر دعا ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى إلى اتخاذ قرار بالتحقيق فى تنامى جماعة الإخوان ونشاطها فى بريطانيا ومدى تأثيرها على المصالح البريطانية. قرار رئيس الوزراء البريطانى يعتبر بكل المقاييس زلزالًا اهتزت له جماعة الإخوان.. فهل يكون القرار بداية النهاية للجماعة فى بريطانيا وأوروبا على وجه العموم.. أم أن رئيس الوزراء البريطانى أدخل نفسه وأدخل بريطانيا معه فى حقل ألغام.. على حد تعبير الصحف البريطانية؟! وعلى الرغم من أن قرار رئيس الوزراء البريطانى يمكن أن يفتح على الإخوان أبواب جهنم.. فإنهم كعادتهم يحاولون إنكار الواقع والتقليل من تأثيره. رئيس الوزراء البريطانى قرر تشكيل لجنة خاصة للتحقيق فى حقيقة الإخوان ومدى تواجدهم على الأراضى البريطانية وحقيقة نشاطهم داخل بريطانيا وخارجها.. والأهم معرفة أفكار الجماعة وقيمها وعلاقتها بالعنف والتطرف.. بالإضافة إلى معرفة مدى تورط الجماعة فى التخطيط والتنفيذ لعملية استهداف السياح التى شهدتها طابا مؤخرًا والتى راح ضحيتها ثلاثة سياح إنجليز كانوا من بين ضحايا الحادث.. فإذا عرفنا أن اللجنة يرأسها السير جون جنكينز السفير البريطانى فى المملكة العربية السعودية وتضم فى عضويتها السير جون سويرز رئيس جهاز الاستخبارات الحالى والذى شغل من قبل منصب السفير البريطانى فى مصر.. وأعضاء من جهازى الأمن والمخابرات البريطانيين.. إذا عرفنا ذلك فإنه من السهل أن نتوقع ما يمكن أن تتضمنه نتائج التحقيقات التى ستقوم بها اللجنة.. وليس مستبعدًا أن تقوم اللجنة التى تضم على رأسها سفيرى بريطانيا السابقين فى السعودية ومصر فى تقديم أدلة على فكر الجماعة المتطرف وعن نهج العنف الذى تتبعه الجماعة، وعن علاقاتها بالجماعات المتطرفة والإرهابية والتمويل الذى تقدمه لهذه الجماعات.. ومن الممكن أن تثبت اللجنة تورط الجماعة فى حادث طابا وقتل السياح الإنجليز. كل ذلك يمكن أن يؤدى إلى اعتبار الجماعة جماعة إرهابية يحظر نشاطها داخل بريطانيا.. وفى هذه الحالة ستكون بريطانيا مقدمة لباقى دول أوروبا.. ومن ثم ستصبح الجماعة محاصرة ومطاردة فى باقى دول العالم.. حتى لو لم تصل الأمور إلى هذا الحد.. على الأقل ستصبح الجماعة تحت الأضواء ولن يعود فى إمكانها أن تعمل براحتها كما كانت تعمل من قبل! *** ليس خافيًا أن مكتب الإخوان فى لندن هو المركز الرئيسى للجماعة فى أوروبا.. وقد خصص هذا المكتب لكى تلتقى فيه قيادات التنظيم الدولى مع بعض الساسة فى أوروبا.. كما أنه يعتبر مركزًا إعلاميًا يتردد عليه الصحفيون والإعلاميون فى بريطانيا ويلتقون فيه مع أعضاء جماعة الإخوان.. والأهم من ذلك كله أن مكتب لندن تحول بعد ثورة 30 يونيو إلى مكتب بديل لمكتب الإرشاد فى مصر. وليس هناك شك فى أن الخطوة التى اتخذتها الحكومة البريطانية ببدء التحقيق فى أنشطة الجماعة وعلاقاتها بجماعات العنف والتطرف.. ليس هناك شك فى أن هذا التحقيق يهدد هذا الكيان المتمثل فى مكتب لندن.. والذى تعوِّل عليه الجماعة كثيرًا من أجل مساعدة الإخوان فى مصر.. سواء بالأموال أو من خلال الحملات الإعلامية أو كمقر جديد للجماعة لاجتماعات قيادات الجماعة أو تحريك الدعاوى القضائية ضد مصر. ألا يمثل ذلك كله كابوسًا لجماعة الإخوان؟! ألا يمكن اعتبار ذلك كله بداية النهاية لامبراطورية الجماعة فى انجلترا وفى أوروبا كلها؟.. ثم ما الذى يضمن للجماعة ألا تتغير لندن التى لا تسلِّم المطلوبين من دول أخرى لدولهم.. فتقوم بتسليمهم؟! ما الذى يمنع أن تقوم لندن بتسليم الإخوان المطلوبين فى مصر إذا أثبتت التحقيقات علاقة الإخوان بالإرهاب؟ وأغلب الظن أن قيادات الإخوان الموجودين حاليًا فى قطر والتى طلبت مصر من الحكومة القطرية تسليمهم.. أغلب الظن أنهم لن يسافروا إلى لندن كما طالبتهم قطر، إنما سيبحثون عن وجهة أخرى مثل تركيا!. ورغم ذلك كله يحاول الإخوان إنكار هذا الواقع المخيف بالنسبة لهم والتقليل والتهوين من قرار رئيس الوزراء البريطانى فيقولون إن أبناء الجماعة فى بريطانيا ودول العالم ملتزمون بقوانين البلاد التى يتواجدون فيها ولا ينقضونها.. ويعتبرون التزامهم بهذه القوانين عقدًا شرعيًا (!!!) وقالت الجماعة أيضًا إنها تثق بدرجة كبيرة فى عدالة القانون البريطانى الذى من المؤكد - على حد تعبير بيان لجماعة الإخوان - أنه سينصف الإخوان كضحايا للقمع! وفى كل الأحوال يمكن القول بأن العجلة بدأت تدور وأن العالم بدأ يفيق ويدرك أن جماعة الإخوان لها علاقة بالإرهاب! وليس أدل على ذلك من التحذيرات التى أطلقتها الصحف البريطانية وأكدت من خلالها أن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون أدخل نفسه وأدخل معه بريطانيا فى حقل ألغام بقرار التحقيق مع الإخوان! *** نقلت صحيفة «تليجراف» عن أحد نواب البرلمان قوله إن حظر بريطانيا للإخوان يمكن أن يدعم تنظيم القاعدة.. وقال النائب البريطانى طبقًا لما نشرته الصحيفة إن التضييق على الإخوان فى بريطانيا يمكن أن يدفع أبناء الجماعة إلى الارتماء فى أحضان القاعدة! وقالت صحيفة «الاندبندنت» إنها تشعر بالحيرة للطريقة التى يعالج بها كاميرون الأمور.. فلماذا قام بالإعلان عن فتح تحقيقات تخص جماعة الإخوان فى الصحافة والإعلام.. فى حين أنه كان مفروضًا أن تتم هذه التحقيقات فى سرية تامة؟! ورأت صحيفة «الجارديان» أن قرار رئيس الوزراء البريطانى جاء استجابة لضغوط أمريكية سعودية.. وأن القرار نابع من القلق الواسع فى العواصم الأوروبية الغربية بشأن موجة من التطرف الإسلامى والجهاد الذى تغذيه الفوضى التى تسود منطقة الشرق الأوسط. وقالت صحيفة فاينانشيال تايمز ما هو أكثر.. قالت إن قرار رئيس الوزراء البريطانى يثير التوترات فى البلاد ويحول أنصار منظمة معتدلة إلى التطرف (!!!) هل هناك دليل على أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية أكثر من ذلك؟. فكل ما تقوله الصحف البريطانية يدور حول معنى واحد.. الخوف من أن تنتقم جماعة الإخوان من بريطانيا.. وهل يأتى الانتقام إلا من جماعة تنتهج العنف والتطرف والإرهاب؟! *** طالبت مصر منذ سنوات طويلة ولا تزال بأن تتعاون دول العالم للقضاء على الإرهاب.. فهل يأتى قرار رئيس الوزراء البريطانى فى هذا الاتجاه؟! هل يكون ضربة قوية ومؤثرة للإخوان الإرهابيين؟! نأمل ذلك!