حالة الالتباس والغموض التى تحيط بأداء الإعلام المصرى منذ ثورة 25 يناير، ازدات تعقيدًا بعد ثورة 30 يونيو الأمر الذى يطرح عدة تساؤلات ساخنة لعل أبرزها: هل يسير الإعلام المصرى ضد التيار؟ وهل ما يشاهده المصريون على شاشات الفضائيات الخاصة والحكومية يعبّر عما يدور على الأرض بشفافية ومصداقية؟ أم أن لهذه القنوات الفضائية وأصحابها ومذيعيها حسابات أخرى فى خطابهم الإعلامى لا يعلم المشاهدون شيئا عنها؟! وماذا عن تأثير الإعلانات ورأس المال السياسى؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على نخبة من أبرز الإعلاميين وخبراء الإعلام فى مصر.. وفى سياق التحقيق التالى التفاصيل كاملة: وعن دور الإعلام قبل 30 يونيو وبعده، تقول الإعلامية رولا خرسا: أنا مؤمنة بأن الإعلام الخاص تحديدا ومنذ 10 سنوات لعب دورا مهما وكان السبب فى إحداث التغيير بالبلاد وحتى تليفزيون الدولة عندما كنت أعمل به لعب دورا فى هذا الاتجاه عندما كنت اكشف الفساد فى عدد من المؤسسات مثل المستشفيات وحوادث القطارات وكان هذا جزءًا من الأسباب التى أدت إلى التغيير لكن الخطاب الإعلامى بعد ثورة 30 يونيو لم يتغير ويسير فى نفس طريقه. وكان الخطاب الإعلامى أحد الأسباب التى أدت إلى خروج الناس ضد الإخوان المسلمين الذين حكموا عامًا وأساءوا للوطن كنا نحفز الناس للنزول للميادين والشوارع ونبرز أخطاءهم من حوادث الإرهاب فى سيناء ومخطط بيع قناة السويس والتنازل عن حلايب وشلاتين وغيرها من القضايا والتفاصيل منذ اليوم الأول لتولى مرسى الحكم وحنثه باليمين وإصدار الإعلان الدستورى الذى اراد من خلاله وكأنه يقول أنا الإله الأعظم وبعد 30 يونيو الخطاب الإعلامى يستكمل ما بدأ قبل 30 يونيو باظهار كل خطا فى المجتمع ويناقش كل السلبيات بشكل أو بآخر كل فساد سياسى وأخطاء سياسية ولم يعد فى قاموس الخطاب الإعلامى بعد 30 يونيو ومن قبلها أن أحدًا فوق النقد والمحاسبة. الإعلام المتوازن ويرى أسامة هيكل وزير الإعلام الأسبق القضية من زاوية مختلفة قائلا: إنه بعد ثورة 25 يناير حدث تغير فى الخطاب الإعلامى فلم يعد هناك سقف لكن الإعلام المصرى به مشكلة أساسها أن الإعلامى قيمته تكمن فيما يبذل من جهد فى تقديم المعلومة الدقيقة إنما فى مصر هناك عدد من الإعلاميين لا يبذلون جهدا فى الحصول على المعلومة وفى إعلام الدول المتقدمة المعلومة مقدمة على كل شىء عندنا الإعلامى لا يبذل جهدا فى الحصول على المعلومة وهى اشكالية كبيرة وأصبح الصوت العالى هو السمة الغالبة لدرجة الزهق ونفور المشاهد من المتابعة واصبحت القنوات تجرى وراء الاثارة ولا تعرف الصح من الخطأ من الذى يحاسب هؤلاء تجد هناك أشخاصًا يخرجون فى الفضائيات يتحدثون فى ذمم وأعراض الناس دون تدقيق أو فحص ولا أحد يحاسبهم وهذا يجرنا إلى موضوع ضوابط العملية الإعلامية فليس مطلوبًا من الإعلامى أن يخرج ويتحدث فى حق إنسان بدون دليل ومستند وهناك شىء اسمه حق الرد لا يمارس بأن ترد بنفس المساحة الزمنية وإذا لم تذع القناة الرد تأخذ إجراءات تصاعدية ولا يوجد لديك قواعد حاكمة للعمل الإعلامى فى الفضائيات. فحرية الرأى والتعبير لم يعد هناك مجال للرجوع عنها ولم تعد ترفا إنما القاعدة أنه لا يوجد حرية خارج اطار قانون وإلا تصبح المسألة فوضى وفكرة الإعلام المتوازن الذى ينقل كافة الأحداث بسلبياتها وإيجابيتها موجودة بالخارج ولا تطبق لدينا بحجة الإعلانات رغم أن الإعلام المتوازن هناك يحقق إعلانات وليس فقط الإعلام السوداوى ونحن نعمل فى الإعلام ونبحث عن الشىء السخن والشىء السخن قد يكون ممكنًا فى النقد وليس فى الطرح والتناول والأداء الإعلامى وبشكل مطلق. بناء البلد يقول الإعلامى جمال عنايت إن الخطاب الإعلامى خلال العام الماضى وحتى ما قبل ثورة 30 يونيو كان خطابًا واضحًا فى أغلبه وكان خطابًا مشجعًا للجماهير وأحد الأسباب فى تحفيز الناس للنزول فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو والفترة التالية، لذلك كانت هناك قضيتان رئيسيتان هما مكافحة الإرهاب والتعامل مع فلول تنظيم الإخوان واعتقد أن الإعلام قام بدور لا بأس به ولكن تبقى قضية أساسية تحتاج منا جميعا التكاتف حولها ومساندتها وهى قضية المستقبل ليس فقط المتمثلة فى خارطة الطريق وما تقتضيه من مقتضيات أمينة ولكن اعتقد من الآن فصاعدا يجب على الحكومة والإعلام البحث عن إجابة لهذا السؤال كيف نبنى البلد؟ كلنا بالتأكيد نحلم بذلك لكن مش عارفين ازاى الأمر يحتاج إلى تكاتف ووضوح من الحكومة وتعاون من الإعلام وقدرة على اقناع الناس. مشهد فوضوى يرى الإعلامى جمال الشاعر: أن المشهد الإعلامى مازال فوضويًا وفى حالة اضطراب شديد وغياب للمهنية لأنه طوال الوقت يوجد حالة من حالات التحيز والمبالغة وهذا خطر على السلام الاجتماعى إلى جانب عدم الوعى بأولويات الأجندة الوطنية بأن دورك خلق سلام اجتماعى فى الشارع لكن الملاحظ وجود حالة من حالات التشفى والسخرية والانتقام ولا ينكر أحد أن الإعلام قبل 30 يونيو لعب دورا مهما فى تقويض نظام الإخوان من خلال الشارع لكن بعد ذلك انقلب إلى حالة بها غياب للموضوعية إلا قليلا وإعادة إنتاج نفس الموضوعات كل برامج التوك الشو وكأنها استنساخ لكائنات مشوهة والإعلام كما نعرفه مساحته تمتد ما بين المعلومات والأخبار والتسلية والترفية والتنمية وإنارة الوعى وطرح أفكار جديدة والتحفيز والمساهمة فى ايجاد أجندة بديلة للمواطن إنما طوال الوقت البرامج بها تسلية أو تشفى والسر يكمن فى سيطرة الوكالات الإعلانية لها دور كبير فى تحديد ما يطرح من قضايا والمنافسة التى تجعل من الاثارة تقدما وأصبحت الاثارة عينة على معدلات المشاهدة وتطبيق لمبدأ خالف تعرف وقاعدة الرجل الذى عض الكلب والمنافسة بين الفضائيات والوكالات على منطق ولعها ولعها شعللها شعللها لكى تجيب فلوس وتكثر حصيلة الإعلانات والإعلاميون المخلصون يبالغون فى التحيز حتى بجانب ما يرونه صوابا وحقا وطبيعة الإعلامى أنه رمانة ميزان هذا الشعب وهو كلام لا يعجب الناس التى تقول إن الإعلام يجب أن ينقل كل ما يحدث فى الشارع وهو قول مغلوط الشارع به الفحش والدعارة إنجلترا بها محطات هلس وتسلية وتجارية وكلام فاضى وفى ذات الوقت لديها البى بى سى. غسيل أموال أما الخبير الإعلامى د . سامى الشريف رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق يرى أن ثورة يناير اسقطت القيود التى كانت مفروضة على الإعلام لفترات طويلة كانت هناك وصاية على الإعلام بشكل أو بآخر بعد الثورة تحررت من هذه القيود المفروضة وأصبح هناك مجال أكبر من الحرية أدت فى بعض الأحيان إلى فوضى فى الأداء الإعلامى ولم يعد هناك ضابط ولا رابط لضبطه لتلعب الأخبار لصالح القوى السياسية التى ظهرت بعد الثورة وإذا كان هناك من إيجابية فتتمثل فى احترام الرأى والرأى الآخر وحرية الإعلام أما السلبيات فتتمثل فى فوضى الصحف والفضائيات تحديدا. من أين هذه الأموال ؟ بالتأكيد - والإجابة على لسان الشريف – هناك غسيل أموال دخل فى صناعة الإعلام وقوى سياسية تنفق ضد مصر وبعض القوى المدعومة من بعض الدول التى تريد أن يكون لها دور فى تحديد خريطة الحكم فى مصر فالقضية من يمول والتمويل له دور أساسى فى تحديد الخطاب الإعلامى الحالى وكثير من الإعلاميين هم أبواق لقوى سياسية ورؤس الأموال ولهم أهداف معينة ليس من ضمنها استقرار مصر. خطاب واقعى أما الإعلامى جمال الكشكشى فيقول : من المؤكد أن الخطاب الإعلامى بعد ثورة30 يونيو اتخذ مسارًَا يتفق مع مرحلة يونيو ويتفق مع إرادة الشعب بعد رحيل الإخوان المسلمين وحسب ما قرأنا فى التاريخ. فى كل مرحلة ومع كل نظام جديد يكون هناك خطاب إعلامى مختلف يتماشى مع متطلبات الشعوب فى كل أنحاء العالم والخطاب بعد 30 يونيو بدا وكأنه مؤكدا على نتائج الثورة وواضح أن هناك هدفًا أمامه يسعى لتحقيقه ويحتاج إلى إعادة مكيجة سياسية وتلقيح كى يتماشى مع الواقع أكثر من كونه نظريا فالخطاب الإعلامى يجب أن يكون واقعيًا وفى الفترة القادمة يجب على الخطاب الإعلامى أن يساهم فى بناء الدولة ويحدد إن كانت الدولة قادرة أن تعمل على إعادة الإصلاح أم أنها ستعود لما كانت عليه قبل الثورتين. وحول تركيز الإعلام على إبراز السلبيات وإغفال الجوانب المضيئة فى المحروسة علق الكشكشى أنه عقب كل مرحلة لا يمكن الحكم بسرعة على أداء وملامح الخطاب الإعلامى ويجب الانتظار قليلا ويجب على القائمين على الخطاب الإعلامى أن يعيدوا ترتيب أوراقهم لأن مصر اتغيرت ومصر القادمة تختلف عما قبل ثورة يناير مصر الدولة المدنية تختلف عن مصر فى عهد مرسى ومبارك وما قبلهما والخطاب الإعلامى يجب أن يركز على بناء الدولة ولا ينظر للوراء حتى لا يصطدم بالمستقبل. ميثاق شرف الإعلامى حمدى الكنيسى رئيس الإذاعة المصرية الأسبق يرى أن الخطاب الإعلامى تغير كنتيجة مباشرة للثورة وما أحدثته من تداعيات وتغيرات وتطورات بدأت فترة جديدة وقد يكون أيضًا من الطبيعى نتيجة اختلاف الآراء أو ما نراه من منافسات وصراعات بين القوى السياسية المختلفة انعكس ذلك على الخطاب الإعلامى وبالتاكيد ما حدث أيام فترة مرسى كان بمثابة صب الزيت على النار فى الارتباك الإعلامى وأصبح الصراع إعلاميا وحدث شق فى صف المجتمع المصرى وانعكس بدوره على الخطاب الإعلامى وتمثل ذلك غى عدة نقاط ؛ أولا: الإعلام المتمسح بالدين والقنوات الدينية التى اطلقت العديد من الفتاوى التى لا تسىء فقط للمجتمع بل للدين الاسلامى وأصابت عددًا من الشباب بالشقاق والاهتزاز فى عقيدتهم الدينية وصلت فى بعض الأحيان إلى الإلحاد. الأمر الثانى أن الإعلام الرسمى يحاول حاليا استعادة توازنه مما يمثل إضافة للجهود التى تسعى لتحقيق أهداف الثورة وخريطة الطريق الأمر الثالث أن القنوات الخاصة بعضها وخاصة بعض برامج التوك شو مدفوعة بالرغبة فى الإثارة بكل أشكالها أحيانا لا تدقق فى المعلومات التى تصلها وعندما تكون المعلومات غير صحيحة فإن الحوارات التى تدور حول هذه المعلومات تكون من أسباب ارتباك الصورة والمواطن. طقس يومى تقول المذيعة رانيا هاشم بالتلفزيون المصرى إن هناك دراسات أجريت مؤخرا أكدت أن هناك تركيزًا كبيرًا من وسائل الإعلام فى تغطيتها على مظاهرات الإخوان وأصبح هو الطقس اليومى لبرامج التوك شو وباقى وسائل الإعلام المختلفة مما أدى إلى نفور المشاهدين عن متابعة وسائل الإعلام والسؤال هل هذا صحيح أم لا؟ وهل ما ينقله الإعلام هو نتيجة للأحداث التى تخلقها مظاهرات الإخوان ويجب على الإعلام تغطيتها؟ هل هذه الصورة أصبحت حياتنا اليومية كمواطنين؟ الثواب والعقاب أما الإعلامية القديرة آمال فهمى فترى أن الخطاب الإعلامى، كما هو لأن الشعب اكتفى بأن نزل يوم 30 يونيو ومشى ولا يوجد جديد فهو نزل ولم يطرأ أى جديد على حياتنا إنما بالعكس أصبح هناك إرهاب وقلق ورعب والناس متوقعة أى سوء فى الشارع بسبب ما يبثه الإعلام فإلاعلام غير قادر على ان يعكس الحالة النفسية للمواطن بل يساهم فى تدميرها بما يبث من سواد فأصبحت الكآبة سمة الجميع والإعلام عليه دور فى أن يعطى للمواطن جرعة أمل فى بكره بدلا من الصورة القاتمة أشعر أن الإعلام يسير فى طريق والبلد كلها تسير فى طريق آخر الإعلام للآسف لا يعكس حال البلد بشكل صحيح ومتوازن وأنا ادعو الإعلام أن عليه واجبًا فى دعوة الدولة إلى تطبيق القانون على المخالفين حتى تنتهى أشكال العنف الحادثة الآن وأن يبرز الجوانب الإيجابية الموجودة فى مصر وأن مصر ليست القاهرة والإسكندرية فقط ويشجع ويمهد للمواطن بضرورة تطبيق مبدأ الثواب والعقاب. الخطاب الانتقامى أما الإعلامى أحمد موسى فيقول: ليست كل البرامج شغالة على نفس خط الإخوان والتظاهرات فأنا عن نفسى وفى برنامجى الخطاب الإعلامى يتعلق بأن نبحث عن بناء الدولة والتركيز على القضايا التى تهم المواطن مثل الأسعار والمواد التموينية والبوتجاز ومشاكل الناس وفى نفس الوقت نطالب بالمحاكمات لمن عرض حياة الناس للخطر لا يغيب عنا البحث عن العدالة وليس الانتقام مثلما جرى بعد 25 يناير كان هناك خطاب إعلامى انتقامى ضد فصيل سياسى هو الحزب الوطنى أجج مشاعر الناس وتحدث عن قضايا ثبت انها لم تكن موجودة الخاصة برموز نظام مبارك واستخدمت جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم خطابًا لابعاد شبهات جرائم ارتكبوها أثناء ثورة 25 يناير من اقتحام السجون ومذبحة ماسبيرو ومحمد محمود وما سمى بموقعة الجمل ثبت أنها ليست شبهات بل هى جرائم ارتكبوها فعلا، وبالتالى لا نريد تكرار نفس الخطاب الانتقامى. ونفى موسى أن يكون رأس المال له دور فى توجيه الخطاب الإعلامى قائلا: لا علاقة لرأس المال بذلك لأنه انتهى زمن التوجيه وإعطاء التعليمات لكن الفكرة فى معالجة القضايا فكل إعلامى يعالجها من وجهة نظره المختلفة عن الزميل الآخر ونحن لا نقبل كإعلاميين التوجيه فقد انتهت هذه المرحلة.