بين إعلام يتهم كل من يختلف معه بالكفر والزندقة، وإعلام ينحاز إلى الليبرالية الديمقراطية ويرى ضرورة إقصاء كل من فشل فى المشهد السياسى يقف المواطن البسيط العادى الذى هو الهدف الأساسى لأية رسالة إعلامية حائرًا، فأية رسالة يصدق وأية وجهة نظر يتبع، كل ذلك بسبب اختفاء الحيادية والموضوعية عن العمل الإعلامى المقدم سواء المرئى أو المكتوب. خبراء الإعلام المتخصصون رأوا من خلال رصد ما ينشر خلال الفترة الماضية سواء عقب ثورة 25 يناير أو بالأخص عقب ثورة 30 يونيه أن الثورة نجحت والإعلام فشل لأنه يحتاج إلى ميثاق يلزمه الموضوعية والحيادية وهذا غير موجود حتى الآن. يقول الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسى إنه كان ولا يزال هناك انقسام فى المشهد الإعلامى وأن المصالح والتوجيهات تحكم الأداء الإعلامى وهذا حدث فى كثير من القنوات. ووصف العالم تغطية أحداث «30 يونيو» بأنها يسيطر عليها تيار واحد سواء فى أسلوب التغطية أو حجم التناول أو نوعية الضيوف، موضحا أنه بينما ضخمت القنوات الإسلامية من مظاهرات رابعة، نجد أن القنوات الليبرالية أبرزت المظاهرات فى التحرير وميادين المحافظات.وقال إن هناك حالة من الفوضى المهنية تتمثل فى الإثارة والتركيز ببعض القنوات الخاصة على استضافة قائمة أسماء معينة من المحللين السياسيين والخبراء، مما يؤكد ضرورة تطبيق ميثاق شرف إعلامى ملزم للجميع.وأضاف أنه خلال ثورة 30 يونيو تم تشويه الحقائق وما تم بثه عبر وسائل الإعلام كان عكس الحقيقة مما أدى إلى موقف عدائى من الغرب وكانت الصورة الذهنية عن عزل مرسى هو انقلاب عسكرى. وأوضح العالم أنه تم نقل صورة المتواجدين فى ميدان التحرير على أنهم المؤيدون لشرعية مرسى. وأشار العالم إلى أن قناة الجزيرة مباشر مصر قناة متحيزة وساهمت بشكل كبير أثناء ثورة 30 يونيو فى الإساءة إلى سمعة قنوات الجزيرة الأخرى، حيث عانت من مشاكل فى تغطيتها للأحداث وتناولها لها خاصة أن تبعات 30 يونيو جميعها قضايا شائكة وبها جدل وتحمل وجهتى نظر لكن الجزيرة قررت أن تتبنى وجهة نظر واحدة دون عرض الأخرى، وأوضح العالم أنه على سبيل المثال فى أحداث الحرس الجمهورى التى كان بها روايتان إحداهما أن الجيش اعتدى على المصلين والأخرى أن المتظاهرين اعتدوا على الحرس فقامت الجزيرة منذ الوهلة الأولى وقبل أى تحقيقات بتبنى وجهه النظر الأولى وذلك عن طريق التركيز على أن الجيش هو الذى هجم على المصلين مما يستهدف خلق حالة من استنهاض الوازع الدينى لدى المشاهدين بالإضافة إلى اللعب على البعد الإنسانى والتركيز على أن القتلى بهم نساء وأطفال وليس ذلك فحسب بل تركيز الكاميرات لمدة طويلة على القتلى الملطخة أجسادهم بالدماء. هذا بالإضافة إلى التواصل مع الجمهور إما من خلال الرسائل القصيرة التى تظهر على شاشة أى قناة وإما من خلال المكالمات التى تستقبلها القناة فهى أيضا كانت متحيزة حيث يتم صبغها جميعها بصبغة دعائية تصب جميعها فى خندق تيار بعينه. وشدد العالم على ضرورة مراجعة وتقويم المحتوى والدور الإعلامى من خلال تقارير المتابعة التى يصدرها الخبراء لضبط الأداء بما يحقق المهنية. دور كبير ويقول الدكتور محمود علم الدين أستاذ الإعلام بكلية الإعلام جامعة القاهرة إن الإعلام كان له دور كبير فى نجاح ثورة 30 يونيو واستخدم كل أسلحته فى التعبئة والحشد ونجح بالفعل فى هذا الدور. وأشار إلى أنه خلال ثورة 30 يونيو وفى ظل تلك الأحداث التى شهدتها البلاد وحالة الاستقطاب التى تقسم مصر إلى جماعة مؤيدة وجماعة ليبرالية لا يمكن أن ننتظر تغطية محايدة لأن وسائل الإعلام تتبع لأطراف فى الصراع بشكل أو بآخر فكلمة الحيادية لا وجود لها فى قاموس الإعلام، ولكن هناك درجات من الحيادية ودرجات من الموضوعية، وكانت بعض القنوات الخاصة موضوعية إلى حد بعيد فى التغطية حيث نقلت عبر شاشتها أماكن التظاهرات والتجمعات فى الأماكن المختلفة بما فيها مظاهرة المؤيدين واستضافت عددا كبيراً من المؤيدين للرئيس وهو ما يمثل درجة من الحيادية.ووصف تغطية التليفزيون لثورة 30 يونيو بالتغطية غير المرضية خاصة أن انتماء الوزير للجماعة ووضع التليفزيون تحت قبضة الحزب الحاكم لا يعطى أبدا أية قدرة على الحيادية والموضوعية فى التغطية الإعلامية. وأشار إلى أن القنوات الدينية كشفت عن وجهها السيىء فى مهاجمة أى صوت يعارض الرئيس واتهامهم بالكفر والزندقة، حيث كانت تغطية شديدة التحيز والسوء، وكانت مغلقة على نفسها ولا ترى إلا ما يراه قادة الإخوان والجماعة الإسلامية، أما قناة مصر25 فقال إنه لا يعتبرها من الأساس وسيلة إعلامية لأنها كانت تمثل الحزب الحاكم وإذا اعتبرناها إعلاما فهى من الإعلام الردىء . وأكد الدكتور محمود أن تركيبة النظام الإعلامى تحتاج إلى مراجعة لتغطية بها مزيد من الاستقلالية الحقيقية ويفرض عليها قيود مهنية مرتبطة بحق الجمهور فى المعرفة والمشاركة، وأشار علم الدين إلى ضرورة إصدار ميثاق شرف إعلامى يضمن حرية كاملة لوسائل الإعلام وتكون فيه جهة محاسبة واضحة مستقلة هى التى توقع العقوبات على وسائل الإعلام المخالفة ويكون لها سلطة تنفيذ العقوبات كما يجب أن يتم إيجاد كيان نقابى يعبر عن الإعلاميين ويضم الإعلام المرئى والمسموع. سر النجاح أما الإعلامى جابر القرموطى فقال إنه لابد من احترام المشاهد واحترام المهنة وأوضح أن هذا هو ما يتمناه للإعلام المصرى فكل إعلامى تحت يده أداة جيدة لخدمة المواطن لأن المواطن هو سر نجاحه ولولاه ما نجح إعلامى، وأشار إلى أن كل إعلامى يظهر على القنوات الخاصة يكون زعيمًا ولكن هناك نوعان من الزعامة زعامة للتنوير وأخرى لركوب الموجة ويستخدم كل إعلامى أدواته وله شخصيته. وأوضح القرموطى أنه يميل دائما إلى الموضوعية وعرض وجهتى النظر والتكلم بلسان المواطن العادى. وأضاف أنه تجب إعادة النظر فى مجال الإعلام ككل لإعادة مفاصلة المفككة ليحدث تناغم بين القنوات والمذيعين الكثيرين وأن يكون هناك حرية لتداول المعلومات وأن تكون هناك حياة مهنية محترمة بوجود نقابة تجمع الإعلاميين والمذيعين ليتحدوا ويشتركوا فى وضع الرؤى والخروج بميثاق شرف إعلامى حقيقى وليس مجرد كلام على ورق وأن تكون هناك إرادة فعلية لإنجاح الميثاق من الإعلاميين أنفسهم ولا يستثنى من ذلك ماسبيرو، فخروج ماسبيرو من أية معادلة مصيبة كبيرة. حالة انقسام ويقول الدكتور حسن عماد مكاوى إن الإعلام مثلما كان له الدور فى التمهيد لثورة 25 يناير ودعمها فإنه أيضا مهّد لثورة 30 يونيو وساهم فى خلق وعى كامل لدى الجماهير بضرورة مراجعة ما يحدث وتصحيح مسيرة 25 يناير، بينما الإعلام الرسمى كان مرتبكا لكونه خاضعًا لشروط مباشرة من وزير الإعلام. وأضاف أنه من الطبيعى أن يعكس الإعلام حالة الانقسام الموجودة فى المجتمع دون أن يساهم فى صنعها أو تعميقها لأنه مرآة تعكس المشهد الواقعى بكل أبعاده وأطيافه ومن المهنية أن يركز على السلبيات لا بقصد تضخيمها، إنما للتنبيه إلى إصلاحها. وأضاف أنه ليس من المهنية إغفال جانب من الصورة أو فصيل من الفصائل لأن هذا تحيز وتجزئة بينما الإعلام يجب أن يقدم معالجة متوازنة. وأشار إلى انه حتى فى الدول الديمقراطية هناك توجهات مختلفة لوسائل الإعلام، ولكنها توجهات معلنة والشعب على درجة من الوعى تسمح له بالتفكير والاختيار وفهم ماوراء الرسالة الإعلامية .وشدد دكتور مكاوى على ضرورة التأكيد على حرية الإعلام لأنه لا أمل فى بناء دولة ديمقراطية بدون ذلك، وإصدار ميثاق شرف إعلامى فيه إتاحة المعلومات للإعلاميين من جانب الدولة لأنه بالتالى سيرتفع الأداء الإعلامى بالتوازى لأنه سيهيىء البيئة الإعلامية لتكون صالحة لنقل المعلومات عن المصادر بصورة صحيحة للمجتمع. لأن الإعلامى على بصيرة بالأمور وتختفى الأخبار نصف الصحيحة المغلوطة التى تنتشر بسبب غموض المعلومات. لذا فمن الضرورى صدور هذا القانون الخاص بحرية تداول المعلومات . التصعيد أما الدكتورة ليلى عبد المجيد عميد كلية الإعلام جامعة الأهرام الكندية فقالت إن تغطية قناة الجزيرة للأحداث فى مصر أثناء ثورة 30 يونيه كانت غير مهنية وتتحيز لفئة صغيرة من فئات الشعب المصرى وتهتم بأخبار الإخوان، وتترك غالبية الشعب الذى يملأ الميادين، وأشارت إلى أن هناك حدودا وسقفا للحرية الإعلامية التى لا تعنى إطلاقا تزييف الحقائق وتناول الأحداث بطريقة غير متوازنة، وليس من المفترض أن تتدخل قناة أجنبية فى شئون دولة أخرى. وترى الدكتورة ليلى أن مثل هذا النوع من التغطية غير النزيهة ساهم فى تضخيم الأحداث والدفع بها فى اتجاه التصعيد بسبب تسرع بعض الإعلاميين والفضائيات فى تبنى مواقف معينة دون التأكد من صحة المعلومات. وأضافت أن بعض الإعلاميين حصلوا على المعلومات الخاصة بالأحداث من خلال ما يتم نشره على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعى التى لا يتحرى المتعاملون عليها الدقة فيما ينشرونه لأن أغلبهم هواة وليسوا محترفين، وبالتالى فقد يتعرض مضمون هذه المواد الإعلامية لقدر كبير من التلاعب بالحذف أو الإضافة وأحيانًا يصل الأمر إلى قلب وتزييف الحقائق وقد تكون بعض المعلومات التى يحصل عليها الصحفى من أى مصدر صحيحة. لكن المسئولية الاجتماعية تحتم عليه عدم نشرها لأنها تتعارض مع المصلحة العامة وهذا ما لم يقم به بعض العاملين فى المجال الإعلامى الذين قدموا الحدث والسبق الإعلامى والصحفى على المصلحة العامة. وأضافت د. ليلى أنه لابد أن يضع الإعلاميون مبادئ أخلاقية يتفقون عليها ويستعينون بالخبراء وبتجارب العالم الليبرالى الحر فى وضع مثل هذه المواثيق دون تدخل من أى سلطة والابتعاد عن البنود الفضفاضة القابلة للتأويل وشددت على ضرورة تدريب الإعلاميين على الممارسة الفعلية والعمل بتلك المعايير والمبادئ الأخلاقية المهنية.