تحدثت فى العدد الماضى عن الدور الذى يقوم به «بنات آوى» للتقرب من صاحب السلطان، وأواصل فى هذا العدد الحديث عن مكانة الفيلسوف من الحاكم والدور الذى يجب أن يقوم به، ففى السابق خاصة فى الممالك والإمبراطوريات.. كان من الواجب أن يكون لدى الإمبراطور أو الملك فيلسوف، وكلمة فيلسوف فى اللغة تعنى « مفكِّر يعمل على تحليل الأمور والظَّواهر وتفسيرها تفسيرًا عقليًّا» وذلك بحسب معجم « اللغة العربية المعاصر»،وهناك فارق بين الفيلسوف والمتفلسف فالأول يمتلك الحكمة والثانى مدعى للعلم، وقديما كان للفيلسوف صاحب الحكمة دور مهم فى بلاط السلطان، وقد استطاع هؤلاء الفلاسفة والحكماء تعليم الملوك والسلاطين الحكمة وآداب الحكم، فارشد الفيلسوف الإمبراطور»ميجى» إلى القسم الخماسى الذى كان بمثابة بداية عصر النهضة الحديثة فى اليابان، وتحول القسم إلى دستور لليابان الجديدة، ولم يكن للفيلسوف دور واضح فقط فى اليابان بل فى بقاع كثيرة من العالم، ولم يقتصر فقط على أمور الحكم بل فى الآداب العامة وأدب الحوار مع الشعب، فقد علم « بيدبا» الفيلسوف الهندى الملك « دبشليم» الكثير من الحكمة على لسان الحيوان،فحذره من المنافقين وطالبى السلطان وكيف يسعون إلى التفريق بينه وبين شعبه، وكيف أن ظهورهم فى المشهد كثيرا مضرة للسلطان، فهم محترفو خطابة وممثلون من الدرجة الأولى يتقنون فن التعامل مع الكاميرا لأنهم لا يتوقفون لحظة عن الرقص على المسرح أمام الجمهور، مستغلين أصواتهم لجذب الانتباه، وحيلهم الخبيثة لإبعاد السلطان عن المخلصين، والحكماء وذوى العلم والخبرة . فهل يقرب الرئيس القادم فيلسوفا حكيما إليه ام يقرب فيلسوفا هرما تتغير قناعاته حسب الاقتراب او الابتعاد عن السلطان، او بحسب المصالح . نحن أمام مرحلة فارقة فى عمر هذا الوطن لا تحتاج إلى اجترار الماضى، ولا الحديث عن بطولاته، ولكنها تحتاج إلى العمل الحقيقى على الأرض لكى يشعر المواطن البسيط بقيمته داخل وطنه وخارجه، وهذا لا يحدث بالخطب الرنانة ولا الأحاديث المتلفزة ولا المناظرات، ولكنه يحدث برؤية واقعية لها أدواتها واستراتيجية تنفيذ محددة المعالم. على الرئيس القادم الذى يتحمل أمانة هذا الوطن أن يدرك أن أصوات البسطاء هى التى بلغ بها كرسيه وليست تنظيرات الخبراء «المتفلسفين» الذين يدعون علمهم ببواطن الأمور. [email protected]