فور موافقة البرلمان الروسى على دخول قوات روسية إلى أراضى أوكرانيا، حذر الرئيس الأمريكى باراك أوباما روسيا من أن تدخلها عسكريا فى أوكرانيا سيكون له ثمن. وفى اتصال هاتفى مدته 90 دقيقة، كرر أوباما تحذيره لنظيره الروسى فلاديمير بوتين من مواجهة روسيا لعزلة دولية على الصعيد السياسى والاقتصادى إذا ما واصلت انتهاك القانون الدولى، بحسب بيان البيت الأبيض، مما أثار التساؤلات عن الثمن الذى ستدفعه روسيا، وإذا ما كانت حماية روسيا لمصالحها ومصالح المواطنين الروس فى أوكرانيا تستحق هذا الثمن؟ وهل فعلا ستدفع روسيا ثمنا لتدخلها العسكرى فى أوكرانيا أم إنها مجرد تهديدات شفهية؟ بداية فإن وزير الخارجية جون كيرى وكذلك أعضاء جمهوريين فى الكونجرس أوضحوا أن الولاياتالمتحدة لا تفكر فى التحرك عسكريا لمواجهة ما فعلته روسيا. وقال كيرى فى برنامج “هذا الأسبوع” على قناة “ايه بى سى” الإخبارية الأمريكية إن “الولاياتالمتحدة والعالم كله يأملون ألا يتصاعد الوضع الحالى إلى مواجهة عسكرية”. وأشار كيرى إلى إمكانية فرض عقوبات على روسيا تتضمن تجميد الأصول المالية وتجميد التجارة والأعمال مع روسيا وحظر منح تأشيرات الدخول للولايات المتحدة وسحب الاستثمارات الأمريكية من روسيا. كما أشار إلى إمكانية تعليق عضوية روسيا فى مجموعة الثمانى. وفى أولى الخطوات لمعاقبة روسيا، أعلنت مجموعة الدول السبع تعليق مشاركتها فى الإعداد لقمة مجموعة الثمانى التى من المقرر أن تعقد فى منتجع سوتشى فى روسيا فى يونيو المقبل، بسبب ما اعتبرته انتهاكا لسيادة أوكرانيا من جانب روسيا. تجدر الإشارة إلى أن مجموعة السبع تضم الولاياتالمتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وكندا ولكن منذ أن أصبحت روسيا تشارك فى قمم مجموعة السبع اعتبارا من عام 1998 أصبح اسمها مجموعة الثمانى. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” عن تعليق جميع الصلات العسكرية بين واشنطنوموسكو. وفى برنامج “حالة الاتحاد” على قناة “سى إن إن” الأمريكية، اقترح السيناتور ليندساى جراهام تعليق عضوية روسيا فى مجموعة الثمانى ومجموعة العشرين، لمدة عام على الأقل، وكذلك أن تستأنف الولاياتالمتحدة محادثاتها مع بولندا والتشيك بشأن درع الدفاع الصاروخى، والسماح لجورجيا، التى تعرضت للغزو الروسى فى عام 2008، بالانضمام إلى حلف شمال الأطلنطى. ووافقه فى الرأى كل من السيناتور ديك دوربين والسيناتور الجمهورى ماركو روبيو، مؤكدين على ضرورة تقوية وتوسيع تحالفات الناتو من خلال ضم البلدان المجاورة لأوكرانيا. أما السيناتور الجمهورى جون ماكين، فقد أضاف إلى ما سبق ضرورة توسيع قانون ماجينتسكى الذى تم التوقيع عليه فى عام 2012 والذى يسمح للحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على مسئولين روس متهمين بانتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان، حيث اقترح ماكين أن تتضمن القائمة أسماء المسئولين الروس الكبار الذين اشتركوا فى اتخاذ القرار بإرسال القوات إلى أوكرانيا. وعن تأثير العقوبات الغربية المحتملة على روسيا، يرى محللون وخبراء أن بوتين يغامر ببلاده اقتصاديا بتجاهله للدعوات الدولية لوقف التدخل العسكرى فى أوكرانيا ، إلا أن ذلك قد لا يكون كافيا لمنعه من تصعيد الموقف. وفى هذا السياق، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن الخبيرة ليليت جيفورجيان من مؤسسة “آى اتش اس جلوبال انسايت” قولها إن “روسيا ربما تقول لدينا عضلات، ولكن استخدام تلك العضلات سوف يكلفها غاليا، على الساحة العالمية ومن الناحية الاقتصادية على حد سواء. إن روسيا تعرض نفسها للكثير من المخاطر”. وتشير جيفورجيان إلى مقاطعة دول غربية عدة للاجتماعات التحضيرية لقمة مجموعة الثمانى المقرر عقدها فى سوتشى فى الصيف المقبل، وتقول إن المقاطعة الواسعة النطاق لهذا الحدث من شأنها أن تضعف جهود روسيا لاستخدام المدينة، التى أعيد بناؤها حديثا بتكلفة 52 مليار دولار، للمساعدة فى الترويج للدولة باعتبارها مكانا جاذبا للأعمال التجارية والاستثمارات. وبالرغم من التهديدات التى تواجه روسيا، يرى ديميترى ترينين، مدير مركز كارنيجى فى موسكو، أن “هناك ضغطًا واضحًا داخل الدولة الروسية لإتباع تكتيكات مسلحة قوية واستراتيجية مسلحة قوية وجها لوجه مع أوكرانيا والغرب لأن روسيا تشعر بأنه تم خداعها فى كييف وتشعر بمرارة شديدة من سلوك الولاياتالمتحدة وأوروبا خلال الشهور القليلة الماضية”. ويقول ستيفن بيفر، السفير الأمريكى السابق لدى أوكرانيا والذى يعمل حاليا بمؤسسة” بروكينجز”، ل “وول ستريت جورنال” إن تاريخ روسيا الطويل مع أوكرانيا- خاصة شبه جزيرة القرم، التى كانت جزءا من روسيا حتى عام 1954- ورؤيتها أن الجمهوريات السوفيتية السابقة تنتمى بقوة لمجال نفوذ موسكو من المرجح أن يكون تأثيرهما أقوى من أى مخاوف بشأن رد فعل الغرب”. ويدلل بيفر على رأيه بالإشارة إلى طريقة تصرف روسيا فى أماكن مثل مولدوفا وجورجيا. ومن ناحية أخرى، أشارت “وول ستريت جورنال” إلى قول أوليج بانتيلييف، العضو بالبرلمان الروسى، إن الغرب يتحدثون ويتحدثون وبعد ذلك سيتوقفون، مشيرا إلى تهديدات الغرب التى تحولت إلى لا شىء عندما شنت روسيا حربها فى الشيشان أوائل عام 2000 وجورجيا 2008. وقالت الصحيفة إن هناك أيضا من المسئولين والمحللين الغربيين من يرى أن رد فعل الغرب سيكون رمزى إلى درجة كبيرة. وفى هذا السياق، يقول يوجين رومر، الخبير بالمنطقة والذى استقال من مجلس الاستخبارات القومى الأمريكى فى نهاية يناير، إنه لا يعتقد أن الغرب لديه خيارات كثيرة للضغط على بوتين للتراجع عن حافة الهوية. ويرى أن العقوبات الاقتصادية لا يتم تنفيذها بطريقة فعالة. ويلفت مسئولون غربيون إلى أنه على الجبهة الأمنية من الممكن أن يقوم الناتو بتعليق بعض التعاون مع روسيا إلا أنه ينبغى أن يأخذ فى الاعتبار إمكانية اتخاذ روسيا رد فعل انتقاميًا وقيامها بإغلاق خطوط الإمداد إلى شمال أفغانستان والتى يستخدمها الحلف فى نقل المعدات الثقيلة إلى خارج البلاد مع قرب انتهاء مهمته هناك.