أساس شرعية أى رئيس فى أية دولة، يكمن فى طريقة انتخابه، وأى انتخابات تتم لابد أن يتوافر فيها شروط وضوابط وجهة إشراف مستقلة ومحايدة، وكل ذلك ينظمه القانون فى مراحل محددة ومتتالية، أولها: شروط الترشح، ثم قبول أوراق المرشحين وضوابط الدعاية، ثم عملية الإدلاء بالأصوات، وأخيرا عمليات الفرز وإعلان النتائج، وبالطبع يتضمن القانون عقوبات محددة لكل من يخالف نصوصه التى تنظم العملية الانتخابية بمراحلها المختلفة. هذا ما يجرى به العمل فى كل دول العالم وما يجب أن يتضمنه أى قانون ينظم انتخابات عامة، فماذا عن قانون الانتخابات الرئاسية؟ كالعادة يبدأ القانون بتحديد الجهة المسئولة، وهى «اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية» ووصفها بأنها شخصية اعتبارية عامة تتمتع بالاستقلال الكامل فى عملها، وحدد تشكيلها من القيادات القضائية، ومن ثم فهى لجنة قضائية باختصاصات إدارية، حيث لم يحصّن القانون قراراتها من الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا والتى ألزمها القانون بالفصل فيما يعرض عليها من طعون يتقدم بها المرشحون فى توقيتات زمنية معينة. وهما أول ضمانتين لنزاهة الانتخابات: لجنة قضائية من أعضاء محترمين محايدين، مع جواز الطعن على قراراتها أمام الإدارية العليا. واللجنة سيد قرارها- باستثناء الطعن- فى فتح الترشح وتلقى الطلبات وفحصها وإعلان قائمة المرشحين وتحديد اللجان والإشراف عليها، وتجميع النتائج من اللجان العامة فى المحافظات، ثم إعلان النتيجة بشكل رسمى وإخطار الفائز فى الانتخابات. أما عن شروط الترشيح، فقد حددها القانون فى المرشح أولا بأن يكون مصريا ولا يحمل هو ولا والديه ولا أبناؤه جنسية دولة أخرى، وأن يكون حاصلا على مؤهل عال، وأن يحدد موقفه من الخدمة العسكرية، وأن يتقدم بثلاث بيانات مهمة: شهادة الميلاد، وصحيفة الحالة الجنائية، وإقرار بالذمة المالية. ثم هناك (التزكية) لضمان الجدية.. وهى إما أن تكون من عشرين عضوا من مجلس النواب وإما ألا يقل عن عشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخابات فى خمس عشرة محافظة على الأقل وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها مع عدم جواز تزكية أو تأييد أكثر من مرشح. وهنا تجب الإشارة إلى أن مبدأ تكافؤ الفرص متوافر لجميع المرشحين، بمعنى أن وسائل التزكية أو التأييد متاحة للجميع، وفى غياب البرلمان أصبحت الوسيلة الأخرى- وهى تأييد المواطنين- هى المتاحة أمام الجميع دون استثناء، فلا شبهة لعدم الدستورية، لأن جميع المرشحين فى مراكز قانونية واحدة.. ولا تفرقة بينهم! ولكن لابد من ملاحظة بند مهم فى القانون، وهو أن التزكية أو التأييد من المواطنين لابد أن يتم على «النماذج» التى تعدها لجنة الانتخابات الرئاسية، والنموذج أو الاستثمارة يجب أن تتضمن البيانات المثبتة لشخصية طالب الترشيح ولشخصية المواطن الذى يؤيده، رقم البطاقة، العنوان، إقرار بعدم تأييد مرشح آخر، ثم توثيق هذه الاستمارة فى أى من مكاتب الشهر العقارى بدون رسوم. والمعنى أن حملات جميع التوقيعات على ورق «أبيض» لأى مرشح لن يؤخذ بها.. مع ملاحظة أن كل الأوراق التى سيتقدم بها المرشح، وكذلك استمارات مؤيديه تعد أوراقا رسمية طبقا لقانون العقوبات، فأى تزويد فيها سيعرّض صاحبها للعقاب الجنائى. وعلى المرشح بعد أن يحضر ملفه ويجمع العدد المطلوب من المؤيدين أن يتقدم بأوراقه للجنة، وتقوم الأخيرة بفحص مبدئى للأوراق ثم إخطار المرشح بقرارها وأسبابه إذا رأت عدم قبول طلبه، وهنا يقوم المرشح بالتظلم أمام اللجنة سواء بطلب أو بالحضور الشخصى وبعد أن تستمع لأقواله أو تفحص تظلمه تصدر قرارها. وبعد أن تنتهى اللجنة من تسلم طلبات جميع المرشحين وفحص أوراقهم وتظلماتهم- عليها أن تعلن أسماء جميع المرشحين وأعداد المؤيدين لهم، حيث يجوز لكل مرشح أن يعترض على مرشح آخر وبيان أسباب هذا الاعتراض. وأيضا- فى تلك المرحلة- لكل مرشح أن يسحب طلب ترشيحه، وبعدها تقوم اللجنة بإعلان القائمة النهائية للمرشحين، وهنا أيضا يجوز لأى مرشح أن يتنازل عن الترشيح وبشرط أن يتم ذلك قبل إجراء الانتخابات بخمسة عشر يوما على الأقل. أعلنت الأسماء، وبدأت الدعاية الانتخابية، وهذه لمدة شهر قبل إجراء الانتخابات.. وقد حدد القانون ضوابطها، منها ألا يتجاوز السقف الأعلى للصرف عليها 10 ملايين جنيه، مع عدم تلقى دعم أجنبى أو توزيع هدايا على الناخبين أو استخدام المال العام والمنشآت الحكومية والدينية للدعاية، واحترام الحياة الخاصة للمرشحين المنافسين وعدم استخدام الشعارات الدينية والامتناع عن استخدام العنف، هذا مع التزام وسائل الإعلان المرئية والمسموعة المملوكة للدولة، بتحقيق المساواة بين المرشحين فى استخدامها لأغراض الدعاية الانتخابية. ولست أفهم لماذا سكت المشرّع هنا عن وسائل الإعلام المطبوعة والصحف والمجلات المملوكة للدولة أيضا أى صحف ومجلات المؤسسات الصحفية القومية؟ ثم لماذا لم يلزم وسائل الإعلام الأخرى المملوكة للقطاع الخاص بهذه الضوابط، فهل هى تعمل فى جزر منعزلة؟.. ألم تحصل الصحف الخاصة على ترخيص لإصدارها من المجلس الأعلى للصحافة؟.. وكذلك القنوات الخاصة من هيئة الاستثمار؟. أفهم أن تعفى الصحف الصادرة عن الأحزاب من تلك الضوابط وخاصة الدعاية لمرشح معين، لأن هذا أمر طبيعى أن تدعو الصحيفة للمرشح المنتمى للحزب، ولكن لماذا تعفى الصحف القومية والخاصة (المستقلة)، وكذلك القنوات الفضائية من هذه الضوابط؟ فى رأيى أن الإعلام المصرى بكافة أشكاله يشكل «مجتمعا واحدا» ويجب أن يلتزم الجميع بالضوابط التى تحافظ على سلامة المجتمع ووحداته الوطنية، ومبدأ تكافؤ الفرص للجميع، وبعدها كل شخص حرّ فى الإدلاء بصوته لمرشح معين. أى أن تكون هناك «ضوابط» لحركة المجتمع.. مع حرية الأفراد- المقررة قانونا- فى تأييد أى من المرشحين، فلا نريد أن تتحول القاهرة إلى بيروت أخرى!! ??? ثم بدأت عمليات التصويت.. ولكل ناخب أن يدلى بصوته فى اللجنة التابعة لمحل إقامته مع بعض الاستثناءات للوافدين أو المصريين فى الخارج، وكذلك رؤساء اللجان الانتخابية ومساعديهم. هذا مع ملاحظة نص المادة (35) والتى أوجبت التصويت فى انتخابات الرئاسة حتى ولو لم يكن هناك سوى مرشح واحد.. وهذا أمر وارد حدوثه إذا تنازل باقى المرشحين- والمعنى أنه لا تفويض ولا تزكية، إنما انتخابات حقيقية حرة علنية تتوافر لها كل ضمانات النزاهة. وفى تلك الحالة- إن حدثت- يعلن فوز المرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة لعدد من أدلوا بأصواتهم الصحيحة. وإذا لم يحصل المرشح- الواحد- على هذه الأغلبية المطلوبة، تعلن لجنة الانتخابات الرئاسية فتح باب الترشيح من جديد لانتخابات رئاسية أخرى خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ إعلان النتيجة السابقة.. وتطبق فيها أيضا ذات القواعد والضوابط التى نص عليها قانون الانتخابات. نعود لعملية الانتخاب- والتى يجب أن تتم فى يوم واحد، إلا إذا كانت هناك ضرورة لإجرائها على يومين متتالين.. فبعد انتهاء المواعيد تقوم اللجان الفرعية بالفرز، ثم تقوم اللجنة العامة- فى كل محافظة- بتجميع هذه الكشوف وإثبات ما حصل عليه كل مرشح من كافة اللجان التابعة لها فى محضر من ثلاث نسخ، ثم تقوم بإعلان النتيجة بشكل مبدئى، وبشرط أن يتم كل ذلك أمام مندوبى المرشحين ووسائل الإعلام، وأن يسلّم رئيس اللجنة العامة كل مرشح أو وكيله صورة من المحضر مختومة بخاتم اللجنة العامة وبتوقيع رئيسها. ثم ترسل اللجان العامة- فى المحافظات أو فى السفارات- تلك المحاضر إلى اللجنة العليا للانتخابات، وهى دون غيرها المسئولة عن إعلان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية خلال خمسة أيام من ورود محاضر اللجان العامة إليها، على أن تنشر النتيجة فى الجريدة الرسمية. وبالطبع إذا لم يحصل أى من المرشحين على الأغلبية المطلوبة، تعاد الانتخابات- بعد سبعة أيام على الأقل- بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات أو من تساوى معهما فى الأصوات. والملاحظ هنا- فى عمليات الفرز- وجود أكثر من ضمانة، فالانتخابات أولا تجرى تحت إشراف قضائى كامل، ثم يتم الفرز فى اللجان الفرعية فى حضور وكلاء المرشحين أو مندوبيهم، ثم تعلن اللجان العامة نتائجها بشكل مبدئى وتسلم محاضر جلساتها لمن يريد من المرشحين.. وأمام وسائل الإعلام ومنظمات المراقبة المصرح لها بذلك. وأخيرا تعلن اللجنة العليا النتيجة الرسمية والتى جمعتها من كشوف اللجان العامة.. والمعنى أنه لم يكن هناك مجال للتدليس أو التزوير.. فكل شىء على عينك يا تاجر!! كما يقول المثل الشعبى..