لفترة وجيزة من الوقت فى أوائل عام 1997 عمل كل من مكتب التحقيقات الفيدرالى ووكالة الأمن القومى فى مطاردة محمومة بحثا عن جاسوس إسرائيلى أعتقد أنه يعمل داخل أعلى مستويات المؤسسة الوطنية الأمنية بإدارة الرئيس كلينتون. وفى ذروة عملية المطاردة لما أطلق عليه مجازا الجاسوس «ميجا» سربت صحيفة واشنطن بوست خبرا بأن العملية توقفت فجأة، واختفت القصة فى غضون أيام من وسائل الإعلام الأمريكية. وفقا لما أوردته صحيفة واشنطن بوست فى يناير 1997، اعترضت وكالة الأمن القومى مكالمة هاتفية بين مسئول فى السفارة الإسرائيلية فى واشنطن، و"دانى ياتوم" رئيس جهاز "الموساد". وسعى مسئول السفارة للحصول من "ياتوم" على إذن بالتوجه للجاسوس "ميجا" للحصول على نسخة من رسالة سرية بعثها فى ذلك الوقت وزير الخارجية "وارين كريستوفر" لرئيس السلطة الفلسطينية "ياسر عرفات" بشأن تأكيدات الولاياتالمتحدة على انسحاب قوات الجيش الإسرائيلى من مدينة الخليل فى الضفة الغربية، ورفض ياتوم الطلب ووجه توبيخا شديدا لمسئول فى السفارة قائلا: "هذا شيئا لا نستخدم فيه ميجا". فكرة أن الحكومة الإسرائيلية تدير عملية تجسس داخل المؤسسة الأمنية بالولاياتالمتحدة خلقت ضجة هائلة. وذكرت صحيفة واشنطن بوست فى 7 مايو 1997 أن مسئولا مطلعا فى مكتب التحقيقات الفيدرالى سرب إليها معلومات عن هوية العميل "ميجا". وقال" (إذا اتضح أن مسئولا كبيرا كان يمرر معلومات بالغة السرية إلى السلطات الإسرائيلية فذلك يمكن أن يكون أكثر خطورة مما تنطوى عليه قضية المحلل فى البحرية الأمريكية "جوناثان بولارد" الذى أدين عام 1986 ببيع وثائق المخابرات العسكرية الأمريكية للحكومة الإسرائيلية). وحتى يومنا هذا اعتبرت قضية "بولارد" قضية ساخنة داخل مجتمع الاستخبارات فى الولاياتالمتحدة. وحتى وقت اعتقال "بولارد" فى نوفمبر 1985، كان من المعروف أنه قد كلف للحصول على أسرار المخابرات العسكرية الأمريكية بواسطة شخص أعلى بكثير فى أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ففى عام 1986 كشف موقع "إى. آى. آر" لشئون الاستخبارات ومكافحة التجسس عن وجود حشد من اثنى عشر مسئولا على مستوى عال من وزارة الدفاع الأمريكية ومجلس الأمن القومى يشتبه فى أنهم جزء من شبكة تجسس "بولارد". نظرًا لخطورة الاختراق الأمنى للجاسوس "ميجا"، والتوقف المفاجئ لعملية المطاردة والبحث أصدر المؤلف البريطانى "جوردون توماس" كتاب "جواسيس جدعون"، وكشف فيه عملية ابتزاز الحكومة الإسرائيلية للرئيس كلينتون بالتهديد بكشف المحادثات الهاتفية "غير الأخلاقية" بين الرئيس و"مونيكا لوينسكسى" لاستغلالها لإجبار واشنطن على التخلى عن مطاردة "ميجا". فى الواقع كشفت "مونيكا" فى شهادتها أمام المحامى المستقل "كينيث ستار" أن الرئيس كان قد حذرها فى 29 مارس 1997 فى ذروة مطاردة "ميجا" أنه يشتبه فى تجسس دولة أجنبية - لم يحددها بالاسم - على هواتف البيت الأبيض.. لكن تحقيقات وكالة الأمن القومى والمباحث الفيدرالية استبعدا احتمال أن "ميجا" مصدر التجسس الإلكترونى. وعلى الرغم من وقف عملية مطاردة "ميجا" رسميا إلا أن الجهود استمرت فى بعض أوساط الاستخبارات الأمريكية لكشف خلية التجسس الإسرائيلية. وفقا لما أورده "كيفين داولنج" مراسل الصنداى تايمز البريطانى وصل لإسرائيل فريق من المتخصصين فى مكافحة التجسس فى وكالة الاستخبارات المركزية فى سبتمبر عام 2000، بعد اتهام سفير أمريكا فى إسرائيل "مارتن إنديك" بخرق المعايير الأمنية الموضوعة بواسطة وزارة الخارجية، وأنه حمل معه وثائق حكومية أمريكية بالغة السرية إلى مقر إقامته فى تل أبيب وفى وقت لاحق من تحقيقات المخابرات المركزية تم الكشف عن أن "مارتن انديك" التقى سرا برئيس جهاز الموساد السابق "إفرايم هاليفى". ولم يبلغ انديك واشنطن بهذا اللقاء مطلقا. ويواصل "داولنج" إذا كان هناك أى شخص فى الهرم السياسى لإدارة كلينتون تحوم حوله الشبهات بأنه جاسوس إسرائيل فهو "إنديك". بريطانى المولد، يهودى العقيدة، استرالى الجنسية، كان نائب مدير المخابرات بمنطقة الشرق الأوسط فى استراليا، وهو ما يعادل مجلس الأمن القومى الأمريكى. لكن فجأة أنهى وظيفته بعد عشرة أشهر للاشتباه فى تجسسه لإسرائيل وعاش فى إسرائيل، وكان ظهوره الثانى وهو يعمل مستشارا إعلاميا لرئيس وزراء حزب "الليكود" مناحم بيجين و"إسحاق شامير". وفى عام 1982 سافر إلى أمريكا للتفرغ ظاهريا لمدة ستة أشهر من مهام عمله فى مكتب رئيس وزراء إسرائيل ليؤسس قسم بحوث اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة، "إيباك" فى جامعة "كورنيل" فى "نيويورك". وفى غضون عام مولت إيباك قسم البحوث بمائة ألف دولار من شخصيات موالية لإسرائيل. ولن ينتهى التفرغ لستة أشهر واستمر إلى أن حصل على الجنسية الاسترالية فى عام 1987 والسماح له بالعمل فى الولاياتالمتحدة رسميا. وحصل على الجنسية الأمريكية فى عام 1993 فى 12 يناير قبل ثمانية أيام من تعيينه فى مجلس الأمن القومى فى إدارة كلينتون، مديرا لشئون الشرق الأدنى وجنوب آسيا، وثم بالفعل عمل "إنديك" مستشارا غير رسمى لسياسات الشرق الأوسط للرئيس جورج بوش، وذلك بدعم من "دينس روس" مساعد وزير الخارجية وسابقا نائب مارتن انديك فى منظمة إيباك. كان على قائمة المشتبه بهم فى شبكة تجسس ميجا داخل جهاز الأمن القومى "ريتشارد كلارك" الذى أقيل من وزارة الخارجية وأعيد فى إدارة بوش عام 1992 بعد اتهامه من قبل المفتش العام للدولة بإخفاء مبيعات إسرائيلية غير قانونية للصين. ومشتبه آخر هو "ليون فويرث" مستشار الأمن القومى لنائب الرئيس "آل جور" لقيامه بنقل معلومات "بنيامين نتنياهو". لكن فى 13 مارس 2001 كشفت وكالة "جويش تلجراف" أن "ميجا" ليس شخصا أو أشخاصا منفردين بل كيانا أقوى وأكبر من "إيباك" يعمل على إخفاء المزيد من النفوذ إلى اللوبى الإسرائيلى لصناعة سياسات الولاياتالمتحدة تجاه إسرائيل والشرق الأوسط. وتضم خمسين مليارديرا يهوديا من أمريكا وكندا يسيطر على كافة فروع المال والأعمال العابرة للمحيطات.. من أشهر الشخصيات فيها "إدجار برونفمان" رئيس المؤتمر اليهودى العالمى، "ليونارد أبرامسون" مؤسس برنامج الرعاية الصحية فى أمريكا، مورتون "كلايد" رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية، "مايكل ستينهاردت" مدير الصناديق الاستثمارية. ويذكر تقرير الوكالة أن "رونالد لاودر" عضو جماعة "ميجا" والداعم المالى الكبير لبنيامين نتنياهو هو من أوعز لشارون اقتحام ساحة الحرم القدسى الشريف، وكذلك ايرفينج مسكوفيتش الذى دفع نتنياهو لشق نفق تحت ساحة حرم المسجد الأقصى. والتقط الكاتب "إسرائيل شامير" تقرير الوكالة وعلق عليه بقوله: "منذ بضع سنوات ظهر فى وسائل الإعلام اسم "ميجا" وكأنها إشارة لشخص جاسوس، لكنه ليس شخصا بل كيانا صقوريا يهوديا، يؤثر علينا فى إسرائيل أكثر مما يؤثر فى الولاياتالمتحدة، لكنهم لا يهتمون بإسرائيل فى حد ذاتها، بل أنفسهم. وهم بحاجة لإسرائيل من أجل الحفاظ على اليهود الأمريكيين تحت سيطرتهم ودعما لهم. خمسون من صقور يهود أمريكا متحدون يسيطرون على الإدارة الأمريكية ويمارسوا الكثير من النفوذ بالكثير من مليارات الدولارات وسفك الكثير من الدماء فى حروب "إقليمية". إذًا فلا عجب أن رئيس "الموساد" ياتوم وبخ تلميذه فى السفارة بواشنطن بالتحذير من أن هذا ليس بالشىء الذى نستخدم "ميجا" فيه.