الاتفاق الذى يوصف بأنه اتفاق النبلاء بين واشنطن وتل أبيب بألا يتجسس أى منهما على الآخر بدون موافقته اعتادت الحكومات الإسرائيلية منذ نشأتها على التعامل معه وفق مبدئها فى المفاوضات مع الدول العربية بأنه لا اتفاقات ولا مواعيد ولا شىء مقدس. واستمرت فى تجنيد الجواسيس وعلى نطاق واسع فى كافة صناعة القرار السياسى والعسكرى فى أمريكا. فى البيت الأبيض ووزارة الدفاع. وفى كل مرة يضبط الأمريكيون جواسيسها وهم يبعثون بوثائقها التى تحمل صفة سرى للغاية ينتهى الأمر فى كل مرة إلى لا شىء. فمن قضايا التجسس التى كانت سببا فى إنهاء احتكار الولاياتالمتحدة للسلاح النووى قضية الزوجين الأمريكيين اليهوديين «روزنبرج». وتبدأ القصة بإلقاء السلطات الفيدرالية القبض على يوليوس روزنبرج، مهندس الكترونيات ويعمل موظفا مدنيا فى الجيش الأمريكى وزوجته «إثيل» كما ألقى القبض أيضًا على عنصرين فى شبكة التجسس وهما «دايفيد جرانجيلاس» شقيق «إثيل» ويعمل فى البرنامج النووى الأمريكى، و«هارى جولد» كيميائى من فلاديلفيا. وجميع المتهمين فى القضية من يهود أمريكا. وكان لكل واحد منهم دور فى القضية. حيث قام «هارى جولد» باستلام وثائق البرنامج النووى السرية من «دايفيد جراينجلاس»، وسلمها لضابط المخابرات فى القنصلية السوفيتية بنيويورك. وفى التحقيقات اعترف «دايفيد جراينجلاس» بجريمته وأدلى بكل ما عنده من معلومات ومنها أن الزوجين «روزنبرج» هما اللذان دفعاه لارتكاب الجريمة. وبذلك أصبح الشاهد الرئيسى فى القضية. وفى نهاية المحاكمة تم الحكم على جراينجلاس بالسجن لمدة 15 سنة، وهارى جولد بالسجن 40 سنة والزوجين يوليوس وإثيل نفذ فيهما الحكم بالإعدام بالصدمة الكهربائية، وكانا أول مدنيين أمريكيين ينفذ فيهما الحكم بالإعدام. وقضية الجاسوس «جوناثان بولارد» ما نشر عنها حتى الآن ليس إلا قمة جبل الجليد فقط من الأضرار التى سببتها للولايات المتحدة. فحتى اليوم ترفض السلطات الأمريكية جميع الطلبات التى قدمتها إسرائيل للإفراج عنه على أساس اعتبارات أمنية. حيث ترى واشنطن أنه مازال يشكل خطرًا على أمن الولاياتالمتحدة ويقول نائب وزير الخارجية «وانى أيالون» والذى كان سفيرًا لإسرائيل فى الولاياتالمتحدة. وأول سفير يزور «بولارد» فى السجن عام 2005، إن الرفض الأمريكى يرجع إلى الشبهات التى مازالت تحوم حول دور إسرائيل فى قضية «بولارد» وأن الولاياتالمتحدة تشتبه بضلوع أشخاص آخرين فى القضية، دون أن تبدى إسرائيل استعدادا للإفصاح عن هويتهم. فخلال ثلاثة عشر عامًا رفضت إسرائيل الاعتراف رسميًا بأن بولارد عمل لصالحها. فبعد اكتشاف أمره فى أواخر عام 1985 حاول بولارد اللجوء للسفارة الإسرائيلية فى واشنطن. إلا أن المسئولين فى السفارة رفضوا السماح له بدخولها. ثم بعد صدور قرار المحكمة بالسجن المؤبد عام 1987 أقامت إسرائيل لجنتين أسند إليهما تقصى القضية. وقد توصلت اللجنتان إلى الاستنتاج بأن بولارد أخذ يعمل لصالح إسرائيل دون علم وزير الدفاع آنذاك «موشيه آرنس»، ورئيس الحكومة إسحاق رابين، ومع ذلك رأت اللجنتان أن هذه الحقيقة ليس فيها ما يعفى الحكومة الإسرائيلية من مسئوليتها عن نشاط بولارد التجسسى فى الولاياتالمتحدة. وقد حظر الرقيب الإسرائيلى نشر أى معلومات أخرى حول أعمال اللجنتين. وفى أوائل عام 1996، وبعد تقديم بولارد التماسًا لمحكمة العدل العليا فى إسرائيل منحته إسرائيل جنسيتها واعترفت عام 1998 رسميا بأنه كان جاسوسا إسرائيليا. وتعهدت بتحمل المسئولية عن ذلك. وعلى الرغم من أن أشد عقوبة فرضتها أمريكا على جواسيس صديقتها إسرائيل كانت السجن أربعة عشر عاما إلا أن موقف الإدارة الأمريكية حول قضية بولارد لم يتغير. وبولارد الذى يقضى عقوبة السجن مدى الحياة لإدانته بالتجسس لإسرائيل كان يعمل محللا لشئون الاستخبارات فى البحرية الأمريكية. وسرب وثائق بالغة السرية إلى إسرائيل، بادعاء أنها تحتوى على أهمية حيوية بالنسبة لقرارات إسرائيل الدفاعية. بما فى ذلك الوثائق السرية الخاصة بالطائرات بدون طيار السورية، والدفاعات الجوية السوفيتية، وبرامج الصواريخ المصرية. وقضية أخرى مرتبطة بقضية بولارد يطلق عليها «السيد ميجا» ففى عام 2008 اكتشفت المباحث الفيدرالية شبكة جواسيس إسرائيلية تضم «بن عامى قاديش» إسرائيلى الجنسية وضابط سابق فى الجيش الأمريكى، «ويوسف باجور» الذى كان يعمل تحت إشرافه جوناثان بولارد. ومسئولا رفيع المستوى فى جهاز الموساد كان يشغل منصب الملحق العلمى فى السفارة الإسرائيلية بواشنطن. ورصدت وكالة الأمن القومى مكالمة هاتفية من السفارة الإسرائيلية إلى إسرائيل وكان الطرف الآخر فى الاتصال «دانى ياتوم» رئيس جهاز الموساد وطلب «باجور» من ياتوم أن يطلب من «السيد ميجا» الجاسوس الإسرائيلى الذى يعمل بين أعلى مستويات صناعة القرار فى إدارة بيل كلينتون. أن يحصل منه على صورة من الوثيقة بالغة السرية أعدت فى مكتب وزير الخارجية «وارين كريستوفر» وسيبعث بها إلى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بشأن موقف أمريكا من إعادة انتشار القوات الإسرائيلية فى مدينة الخليل بالضفة الغربية. ورد ياتوم على ياجور قائلا: مستر ميجا لا يقوم بتلك المهام. فور اكتشاف قضية تجسس بولارد هرب ياجور إلى إسرائيل فى عام 1985. وألقت السلطات الفيدرالية القبض على بن عامى قاديش واتهامه بالتجسس لإسرائيل ونقل وثائق عسكرية نووية، وصاروخية للمسئولين فى السفارة الإسرائيلية بنيويورك. وقضية لارى فرانكلين، كان يعمل فى مكتب شئون الشرق الأوسط وجنوب أسيا فى وزارة الدفاع الأمريكية. وتخصص فى الشئون الإيرانية. وله تأثير كبير فى بلورة وصياغة الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة. والحرب على العراق. قام بنقل وثائق رئاسية سرية تتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه إيرانوالعراق وذلك عن طريق تسليمها لمنظمة «إيباك» وهى أقوى جماعة ضغط إسرائيلية فى أمريكا. هذا الجاسوس الإسرائيلى ارتبط بعلاقات وثيقة مع اثنين من مخططى الحرب على العراق وهما «بول وولفوويتز» مساعد وزير الدفاع الأمريكى. و«دوجلاس فيت» وكيل وزارة الدفاع الأمريكية . وظلت منظمة إيباك تنفى علمها بالقضية إلى أن وصل المحققون الفيدراليون إليها. وبعد محاكمة فرانكلين بتهمة التجسس لإسرائيل والحكم عليه بالسجن 12 عامًا تراجعت وزارتا الدفاع والعدل الأمريكيتان أمام ضغط اللوبى اليهودى وحكم على فرانكلين بالإقامة فى منزله عشرة أشهر فقط يقضيها فى خدمة المجتمع.