زمان قالوا «اضحك قبل الضحك ما يغلى» وكنا نسخر من كلامهم. لكن الضحك الآن أصبح أغلى من الذهب. تذكر معى أفلام «لواحظ» و«بنت 17» و«احترسى من الحب» و«شهر عسل وبصل» وإسماعيل يس طرزان» كل هذه الأفلام ظهرت فيها فرقة ضاحكة من طراز خاص هى فرقة «الدراويش» تكونت أوائل الخمسينيات من القرن الماضى من سبعة من شباب جامعة الإسكندرية بقيادة محمد درويش الذى نشأ فى بيت متدين ترتفع فى جنباته أصوات مقرئى القرآن الكريم ومنشدى التواشيح والابتهالات. ساء درويش ما يفعله الدجالون فى ساحة مسجد العارف بالله سيدى المرسى أبو العباس بالإسكندرية فقرر التصدى لهم بعروض هذه الفرقة التى بدأت فى مدارس المدينة ثم على مسرح كلية الحقوق هناك ثم مسارح الكليات الأخرى. فى البداية كان دور أعضاء الفرقة هو الرد على منشدها مثلما ترد الفكاهة على الصييت. ثم اتخذ كل واحد منهم شكلًا خاصًا، فتقمص عبد الرحمن فؤاد شخصية «اللمض» واختار محمد موسى شخصية «القنزوح» أما عبد الله على فقد أعجبته «المتدروش المجذوب» واختار فؤاد سيف شخصية «الدرويش الخبيث المتغابى» وأمسك فؤاد جمعة بالدف ليهتز ويتمايل على طريقة حلقات الذكر وجعل أحمد سويدان نفسه درويشا من فرقة «أبوالغيط» يرقص بالصاجات. وارتفع صوت التصفيق للفرقة أينما كانت عروضها. وأصبح ما تقدمه مادة محببة لأهل إسكندرية مما شجع إذاعة الثغر لكى تفتح استوديوهاتها لها وقد ساعدها نجاحها على الابتكار والتجديد فقدمت تواشيحها الكاريكاتيرية على إيقاع السامبا والروبا والمامبو إلى جانب إيقاعات الموالد وجلسات الزار. واتخذت فرقة الدراويش من لحن أغنية للمطربة العالمية سيلفانا مانجانو لحنا مميزًا لعروضها بكلمات تقول:«ليه الست لما بتعيا بتعمل زار.. وتجيب الكوديا وديك وبخور وطبلة وطار.. وتقول دستور وكلام مسحور.. كل دا ليه؟!». ومن أغانى الفرقة ما تم نسجه على لحن أغنية شهيرة لفيروز هى «يابا لا.. لا» التى بدلوا كلماتها إلى «كذا لا..لا..لا.. بتريد تعدينا أم لا.. يعنى لن تسأل فينا.. لا.. ولا فى بطونا الجعانينا..لا.. تعطينا ما تعطينا.. لا كذلا..لا..لا». وصلت شهرة فرقة الدراويش إلى القاهرة وكانت أول حفلاتها فى العاصمة على مسرح حديقة الأندلس 1955 فى مناسبة اختيار صاحبة أجمل عينين، وفازت بالمركز الأول بلديات أعضاء الفرقة الإسكندرانية زبيدة ثروت. ثم أصبحت فرقة الدراويش القاسم المشترك فى كل حفلات نجوم الغناء. رحبت السينما بالفرقة فشاركت فى الأفلام المذكورة سابقا وأصبحت ظاهرة فنية قلدها كثيرون منهم الفنان نجم «ساعة لقلبك» يوسف عوف الذى كّون فرقة مشابهة ظهرت فى فيلم إسماعيل يس «حماتى ملاك» وأصبحت الدراويش فقرة فكاهية تقدمها فرق المدارس والهواة وتشارك فى أفراح المدينة وتزف العرائس والعرسان وفى عام 1960 توقفت عروض الفرقة الأصل ولم تتوقف الفرق المقلدة لها أما السبب فيرجع إلى انشغال مؤسسها بالعمل كقبطان بحرى. كانت فرقة الدراويش ابتكارا سكندريا، وومضة ضاحكة أعضاؤها من المثقفين الموهوبين فالمؤسس محمد درويش بعد أن ودع البحر كقبطان كان يعمل مديرًا لمؤسسة جمعية خريجى مدارس الرمل وقد توفى فى صيف 2013 أما العضو عبد الرحمن فؤاد فكان محاميًا وكتب على مدى 35 سنة برنامجًا لإذاعة الإسكندرية بعنوان «الجريمة لا تفيد» وكان فؤاد جمعة موجها بوزارة التربية والتعليم وبهاء الدين يوسف محمد كان وكيلا لوزارة الإعلام، وكان محمد موسى مديرًا عاما لمؤسسة المياه بالإسكندرية وأحمد سويدان (ابن اخت الفنانة زينات صدقى) كان كبير مهندسين فى البحر، وكان فؤاد سيف محاميًا وعبد الله على مديرًا عاما للإدارة القانونية بحى وسط الإسكندرية منع الله من بقى حيًا منهم بالصحة والسعادة ورحم الله من مات فقد أسعدونا بفن جميل مبتكر مضاد للاكتئاب، وأضحكونا قبل أن يصبح الضحك غاليًا جدًا.