تحتفل مصر هذه الأيام بعيد الشرطة التى منحت ومازالت تضحى من أجل أمن الوطن والمواطنين، وفى أحضان قلعة صلاح الدين الأيوبى يحكى متحف خاص تاريخ الشرطة المصرية منذ العصر الفرعونى وحتى العصر الحديث وطرق مكافحتها للجريمة.. ويكشف المتحف بما يحويه من دروع ورماح وخناجر وبنادق ومسدسات وملابس دور الشرطة الهام فى الحفاظ على الأمن والاستقرار الأمر الذى ساهم دائمًا فى بقاء وإزدهار الحضارة المصرية عبر العصور المختلفة. ومتحف الشرطة من المتاحف التى أعيد افتتاحها منذ أشهر قليلة بعد فترة إغلاق استمرت خمسة سنوات حيث قامت وزارة الآثار بأعمال صيانة وترميم وتأمين محدودة ليفتح المتحف أبوابه ويستقبل زواره مرة أخرى لحين توفر الإمكانيات المادية للبدء فى تنفيذ مشروع التطوير الضخم الذى تأجل لحين ميسرة. ويؤكد أحمد شرف رئيس قطاع المتاحف أن أعمال الصيانة والترميم التى تمت للمتحف تمت بالجهود الذاتية للعاملين بمنطقة آثار القلعة وتضمنت ترميم الجدران والأرضيات وتركيب كاميرات للمراقبة داخل وخارج المتحف وأجهزة إنذار ضد الحريق والسرقة وإضاءة حديثة مناسبة داخلية وخارجية وتركيب بوابات حديدية على المداخل الرئيسية. وفى لقاء مع جمال شعبان مدير عام المتحف قال إن المصريين هم الأكثر زيارة للمكان أما الأفواج الأجنبية فهى محدودة ونأمل عودة السياحة إلى ما كانت عليه لتتوفر الإمكانيات المادية للبدء فى مشروع التطوير الكبير والذى يتضمن إضافة مساحة كبيرة إلى المتحف ستتيح عرض المزيد من المقتنيات. أما أعمال الصيانة والترميم التى تمت مؤخرًا فقد تضمنت عرض المقتنيات الأثرية من خلال سيناريو جديد يشمل إضافة جديدة لدور الشرطة فى محاصرة الجريمة والحد منها من خلال ما زودتهم به وزارة الداخلية من مضبوطات إلى جانب عرض المزيد من المعروضات فى القضايا الشهيرة مع تطوير عرض الأسلحة والأزياء الخاصة بالشرطة على مر العصور و إضافة صور وزراء الداخلية الجدد بالإضافة إلى تطوير المادة العلمية لبطاقات العرض لجميع المقتنيات.. وقد علمنا أنه بسبب قلة الموارد المالية فقد كان العاملون فى المتحف يشترون بعض الأشياء بأموالهم الخاصة لإنجاز العمل وليستمر المتحف فى أداء رسالته بتوضيح أهمية الشرطة فى توفير الأمن والاستقرار فى البلاد مما ساعد على ازدهار الحضارة المصرية فى عصورها المختلفة. ومتحف الشرطة كما يقول جمال شعبان ينقسم إلى ثلاثة متاحف هى متحف الإطفاء ومتحف الشرطة الرئيسى ومتحف القلعة أو الزنازين وقد كان متحف الإطفاء أول مكان نقوم بزيارته وهو يتكون من قاعة واحدة تضم داخلها أربع عربات إطفاء ترجع للعصر العثمانى وعصر محمد على والعصر الحديث بعضها كان يجره حصان وأخرى تدار بالموتور كما يعرض سلم إطفاء من الحديد يعمل يدويًا وأجراس كانت لرجل الإطفاء والأدوات التى كان يستخدمها مثل خوذة من النحاس الأصفر مثبت فى مقدمتها الرنك الخاص بالمطافئ وهو عبارة عن بلطتين متقاطعين يتوسطها الشعلة، وبلطة من الحديد بيد من خشب توضع فى حزام شرطى الإطفاء لاستخدامها فى عملية فتح الأبواب والشبابيك لسرعة الدخول لإنقاذه من الداخل ويوجد على جدران المتحف صور لحريق دار الأوبرا الذى وقع عام 1981م. أما المتحف الثانى فهو متحف الشرطة الرئيسى الذى نصل إليه بعد صعودنا عددًا قليلًا من الدرجات لنرى فى البهو صور وزراء الداخلية منذ بداية النظام الوزارى فى مصر عام 1878م وقد كان مصطفى رياض باشا أول من يحمل هذا اللقب ولأهمية هذا المنصب فقد كان بعض وزراء الداخلية يشغلون أيضًا منصب رئيس الوزراء ومنهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى شغل المنصبين لمدة ثلاثة أشهر ونصف عندما كان محمد نجيب رئيسًا للجمهورية. ويتوسط البهو قاعدة خشبية يرتكز عليها أربعة تماثيل تمثل تطور زى الشرطة فى العصور الإسلامية المختلفة وداخل إحدى قاعات المتحف يعرض صور لأشهر حوادث الاغتيالات السياسية وبعض الأسلحة التى استخدمت فيها ومنها إغتيال أحمد ماهر ومحاولة إغتيال الرئيس جمال عبد الناصر وهو يلقى خطابًا بالإسكندرية فى ميدان المنشية عام 1954م حيث تعرض الطبنجة التى استخدمت فى الحادث. جرائم وتضحيات! أما بالنسبة لأشهر قضايا الإجرام فقد تم عرض المزيد من الصور خاصة فى قضية ريا وسكينة وقضية خُط الصعيد وأدهم الشرقاوى كما يعرض فى المتحف أيضًا الطرق التى تستخدمها الشرطة فى مكافحة المخدرات كذلك تعرض بعض المقتنيات الأثرية التى تم ضبطها ومنها تمائم من العصر الفرعونى ودنانير ذهبية من العصر العباسى. إلى جانب كل هذا فإن متحف الشرطة يحكى عن التضحيات التى تقدمها الشرطة المصرية منذ زمن بعيد وحتى الآن وذلك للحفاظ على أمن الوطن حيث يعرض نموذجًا مجسمًا يمثل كفاح الشرطة منذ الاستعمار فى معركة الإسماعيلية، ففى 25 يناير 1952م دارت معركة بين قوات الاحتلال البريطانى والشرطة المصرية التى كانت بداخل مبنى مديرية الأمن بمحافظة الإسماعيلية وبالرغم من أن المعركة كانت غير متكافئة إلا أن الشرطة المصرية صمدت حتى انتهت الذخيرة فخرجت لتسلم نفسها فقام القائد البريطانى برفع العلم المصرى والانحناء للشرطى المصرى لشجاعته ومنذ ذلك الحين أصبح ذلك اليوم عيدًا للشرطة. ويُعرض على جدران هذه القاعة عدد من الصور لجنود الإحتلال أثناء تواجدهم أمام مبنى مديرية الأمن ولوحة للشهداء المصريين والذى بلغ عددهم تسعة وعشرين شهيدًا وصور أخرى تضم عددًا من قادة الشرطة فى هذه المعركة وكان من بينهم الضابط "صلاح ذو الفقار" قبل أن يكون فنانًا. أما متحف سجن القلعة فيضم صفين من الزنازين، القسم الشرقى منها يرجع لعصر الخديو إسماعيل أما القسم الغربى فيرجع لعصر إبنة الخديو توفيق ويبلغ عددهم 44 زنزانة كانت تستخدم قديمًا كسجن للمحاكم المختلطة وعندما قامت ثورة 1952م كانت تستخدم كمعتقل ولكن ليس بصفة رسمية وفى عام 1968م صدر قرار باستخدامها سجنًا سياسيًا للمتحفظ عليهم على ذمة قضايا خاصة بأمن الدولة وفى عام 1984 صدر قرار بإخلاء المكان من المساجين ليتحول إلى متحف تم افتتاحه عام 1986م وقد تم تخصيص 5 زنازين لعرض نماذج لسجناء من العصر المملوكى وحتى العصر الحديث بالإضافة إلى نموذج مجسم لعملية العقاب بالجلد وفى نهاية الجولة أشار جمال شعبان إلى زنزانة مهدمة فى الطابق الثانى قائلًا إن الرئيس السادات كان معتقلًا فى هذه الزنزانة عندما كان متهمًا فى قضية أمين عثمان وعندما تولى حكم البلاد أصدر قرارًا بهدم المعتقلات وتم هدم هذه الزنزانة.