بالرغم من رحيله، إلا أن ذكراه ستظل خالدة فى التاريخ كمثال ينبغى أن يحتذى به كل الجنود فى العالم ..فى المثابرة وأداء الواجب والانصياع لأوامر قادته .. إنه هيرو أونودا، آخر جندى يابانى استسلم فى الحرب العالمية الثانية حيث رفض وقت انتهاء الحرب تصديق هزيمة اليابان ظنا منه أن الخبر مجرد خدعة من أعدائه وظل لمدة 30 عاما بعدها مختبئا فى أدغال الفلبين مع أسلحته برفقة 3 من زملائه تنفيذا للأوامر التى تلقاها من قائده خلال الحرب وخاض أونودا خلال تلك الفترة حرب عصابات قتل خلالها 30 شخصا اشتبه فى أنهم أعداء لليابان، ولم يقبل بوقف حربه إلا عندما ذهب إليه قائده السابق فى الجيش فى عام 1974 وأخبره بإلغاء الأمر الذى أصدره له وقت الحرب وأمره بإلقاء السلاح. وفى 17 يناير الحالى، رحل أونودا عن عمر يناهز 91 عاما بعد تعرضه لأزمة قلبية حادة فى منزله بولاية واكاياما باليابان .. وكان هذا الجندى اليابانى السابق آخر من تبقوا على قيد الحياة من بين عشرات من الجنود اليابانيين ممن تم نشرهم فى أنحاء آسيا ولم يصدقوا أن الحرب انتهت رغم إعلان اليابان استسلامها فى 15 أغسطس 1945، وظلوا لسنوات بعدها يقاتلون من مواقعهم ضاربين مثالا فى المثابرة والقتال من أجل الإمبراطورية اليابانية، ومن بينهم جندى ألقى القبض عليه فى غابات جوام فى 1972، وكذلك تيربو ناكامورا الذى عثر عليه فى الأدغال الاندونيسية بعد استسلام أونودا بشهور قليلة، وتوفى عام 1979. وأونودا الذى كان جندى استخبارات ومدربا لحرب العصابات إبان الحرب العالمية الثانية بدأت قصته الغريبة فى عام 1944 عندما تم إرساله إلى جزيرة لوبانج بالفلبين كأحد عناصر الاستخبارات الحربية للإمبراطور لجمع المعلومات عن القوات الأمريكية المتمركزة هناك وصدرت له الأوامر بألا يغادر مكانه أبدا حتى تصله الإمدادات. وانصاع أونودا للأوامر مع ثلاثة جنود آخرين، حتى بعد هزيمة اليابان عام 1945، حيث ظلوا يبحثون فى المنطقة عن الإمدادات العسكرية ويهاجمون السكان المحليين وأحيانا يشتبكون مع القوات الفلبينية. ولم يعلم أحد بوجود أونودا ورفاقه فى الفلبين إلا فى عام 1950 عندما عاد أحد الجنود اليابانيين الثلاثة إلى بلاده وأخبر قيادة الجيش بأمرهم، فقامت الطائرات اليابانية بإلقاء منشورات فوق جزيرة لوبانج الفلبينية التى كان يختبئ فيها أونودا ورفيقاه تفيد بأن الحرب انتهت وأن الجيش اليابانى خسر المعركة منذ زمن بعيد. ولكن أونودا وزميلاه لم يصدقوا ذلك وظلوا فى موقعهم القتالى بل واشتبكوا مع الجنود الفلبينيين عدة مرات دون أن يتمكنوا من إلقاء القبض عليهم، لكن أحدهم قتل فى 1954. وبعد تسع سنوات من عمليات البحث التى باءت بالفشل ظنت اليابانوالفلبين أن أونودا ورفيقه توفيا فأوقفتا عمليات البحث عنهما فى عام 1959، بل وتم الإعلان عن وفاتهما رسميا. ولكن فى عام 1972 ظهر أونودا والجندى الآخر الذى ظل على قيد الحياة فى اشتباك مع جنود فلبينيين لقى فيه زميله حتفه بينما تمكن أونودا من الفرار مجددا. بعدها أرسلت اليابان أفرادا من عائلته لإقناعه من خلال مكبرات الصوت بالعودة إلى بلاده غير أنه رفض مجرد مناقشة الفكرة. ولم يقتنع أونودا بالعودة إلى بلاده إلا بعد أن أرسلت طوكيو قائده العسكرى السابق وأمره بترك سلاحه وذخيرته التى كانت لا زالت فى حالة جيدة وأعفاه رسميا من مهمته وكان ذلك عام 1974. وسلم أونودا سيف الساموراى الخاص به وهو لا يزال يرتدى ملابس الخدمة التى تآكلت. وقد حصل أونودا على عفو الرئيس الفلبينى آنذاك فيرديناند ماركوس لقتله جنودا فلبينيين، واستقبل استقبال الأبطال عندما عاد إلى اليابان فى مارس 1974 ولكن نتيجة لعدم تأقلمه مع التغيرات المادية التى حدثت ببلده قرر فى 1975 الهجرة إلى البرازيل وعمل كمزارع هناك وفى العام التالى تزوج من مدرسة يابانية تدعى ماتشى أونوكو وعادا الزوجان إلى اليابان عام 1984 وأسسا مدرسة لتدريب الشباب اليابانيين على قدرات التعايش فى الظروف الصعبة. وكان أونودا قال خلال مؤتمر صحفى بعد عودته لبلاده عام 1974 إن همه الوحيد خلال الثلاثة عقود التى قضاها فى الغابة كان «تنفيذ الأوامر». وبالرغم من أن أونودا استقبل عند عودته إلى طوكيو استقبال الأبطال، إلا أنه كان يشعر بالندم وليس الفخر، حيث كتب فى سيرته الذاتية التى حملت عنوان «لا استسلام- حربى التى استمرت 30 عاما» : «عندما رأيت آلاف السيارات فى طوكيو تتحرك على طول الشوارع والطرق السريعة دون أية إشارة فى أى مكان على استمرار الحرب، لعنت نفسى. لمدة 30 عاما فى لوبانج، كنت أقوم يوميا بتلميع سلاحى، لماذا كنت أفعل ذلك؟ لمدة 30 عاما كنت أظن أننى أفعل شيئا لبلدى، ولكن الآن يبدو الأمر كما لو كنت تسببت فى الكثير من المتاعب للكثير من الناس». وأضاف: «لقد شيدت عالما خياليا يتلاءم مع القسم الذى حلفته». وقد يكون ذلك هو فعلا شعور أونودا بنفسه لكنه لا يمحو شعور الآخرين به فهو بالنسبة لليابانيين مصدر فخر ومثال للمبادئ. وفى هذا السياق، قالت عنه افتتاحية صحيفة «ماينيتشى شيمبون» اليابانية: «بالنسبة لهذا الجندى، كان لأداء الواجب الأولوية على المشاعر الشخصية. لقد أظهر لنا أونودا أنه يوجد فى الحياة ما هو أكثر بكثير من مجرد الترف المادى والسعى وراء الرغبات الشخصية. هناك الجانب الروحى، شئ ربما كنا قد نسيناه».