تقزيم الكبار وتصعيد الصغار من أبرز سمات هذا «الشر» الأوسط أو «الأكبر» الجديد!!.. نعم فنحن أمام مرحلة جديدة ظهر فيها اللاعبون الاحتياطيون على أرض الملعب.. وتوارى اللاعبون الأساسيون خلف مشاكلهم ومشاغلهم الداخلية وأزماتهم المتصاعدة.. ونخشى أن يفيقوا منها بعد فوات الأوان وإعادة صياغة المنطقة وتحديد قواعدها وقواها الأساسية بشكل جذرى. ومن بين الأقزام دويلات وجزر وأشباه جزر تلعب مع القوى العظمى ولها أدوار محددة فى إطار الخطط «الشر» أوسطية الجديدة، هؤلاء الأقزام يرفعون شعارات الدفاع عن الحريات الوهمية والحقوق المسلوبة فى بلادهم.. بينما يطالبون بها فى دول إقليمية راسخة وذات تاريخ وحضارات عريقة. هؤلاء الأقزام لهم أدوار متغيرة.. يقومون بها وينفذونها وفقًا لتعليمات واستراتيجيات «المعلمين» الكبار فى الغرب.. وفى المنطقة أيضًا!.. وينخدع الكثيرون بالغطاء الإعلامى والحرفية المهنية الرفيعة لهؤلاء الأقزام الذين لا يملكون من إرادتهم شيئًا.. بل هم مجرد ممثلين.. ناجحين أحيانًا.. وفاشلين كثيرًا! إذًا فعملية تصعيد الأقزام وتقزيم الكبار متعمدة ومبرمجة وفق خطط طويلة المدى ينفذها أعداء العالم العربى الذى تحول إلى لقمة سائغة فى فم اللئام.. وفريسة سهلة بين أنياب الذئاب. ومن مشاهد «الشر» الأوسط الجديد إشعال نيران النزاعات والحروب المذهبية والعرقية والدينية.. بل غرس بذور الفتنة بين الأقليات داخل كل وطن، وشهدنا هذا كثيرًا وبسرعة فائقة خلال السنوات الماضية.. بدءًا من العراق الذى أصبح نموذجًا يحتذى فى هذا الصدد بالنسبة للعم سام الذى قام بغزوه ليس لاحتلاله والبقاء فيه.. ولكن لوضع أسس الحروب المذهبية والعرقية والدينية أيضًا. وعندما اشتعلت تلك الحروب واطمأن الغزاة إلى أنهم نجحوا فى مهمتهم.. انسحبوا تاركين بلاد الرشيد غارقة فى بحور من الدماء.. ولم يتبق على إعلان تمزيقها سوى بيان رسمى.. بعد أن تحقق هذا الهدف الخطير على أرض الواقع فعلًا. ??? ولعل من أخطر ملامح «الشر» الأوسط الجديد هو تصفية القضية الفلسطينية، فلن تجد إسرائيل فرصة تاريخية ذهبية أفضل من هذا الوضع الهش والمتداعى للعالمين العربى والإسلامى، نعم لقد ساهمت إسرائيل فى صناعة تلك الأزمات فى قلب أغلب الدول العربية.. وأجّلت تأجيجها فى البعض الآخر نظرًا لتحالفات تكتيكية ومصالح وقتية.. ولكن أغلب الدول العربية ساعدتها فى تحقيق هذا المخطط الشيطانى.. من خلال عدم ترتيب البيت العربى من الداخل.. وخلق نزاعات أهلية لا طائل ولا فائدة من ورائها.. فازداد العرب ضعفًا وتهميشًا.. بل وتمزقًا.. وأضاعوا قوتهم وثرواتهم فيما يفيد الأعداء.. ويهين الأصدقاء. وعندما نقول إن القضية الفلسطينية على أبواب «التصفية النهائية» فيجب أن نقرأ خفايا الصراع مع إسرائيل بدقة وفى العمق. فليس هناك طرف فلسطينى واحد.. هكذا تقول إسرائيل مستغلة انقسام الفصائل الفلسطينية وتراجع دور حماس وتضررها بشدة.. رغم محاولاتها لتعويض التحالف السابق بعلاقات متجددة مع إيران.. ولكن لا أحد ولا قوة إقليمية - مهما عظمت - تستطيع تعويض الدور المصرى الاستراتيجى بالنسبة للقضية الفلسطينية.. هذه حقيقة يدركها الفلسطينيون جميعًا.. بما فيهم حماس وعباس. إسرائيل تتأهب من خلال مفاوضات سرية طويلة وشاقة للوصول إلى اتفاق نهائى مع الفلسطينيين بدعم أمريكى غربى.. مستغلة الانكسار العربى.. وهاهى ذى تعلن العزم على ضم منطقة غور الأردن التى احتلتها عام 1967، ثم تتأهب ليتضمن اتفاقها مع الجانب الفلسطينى القضايا المحورية الشائكة بما فيها: اللاجئون وحق العودة وحدود 67.. وحتى «يهودية» دولة إسرائيل!! ونخشى فى ظل هذا التمزق فى العالم العربى أن يتم تمرير هذا الاتفاق.. وسط تعتيم وتبرير إعلامى مريب!! ??? وإذا استعرضنا مراحل بناء الشرق الأوسط الجديد فسوف نلاحظ أنها تسير على النحو التالى مع اختلاف ومرونة فى تنفيذها.. ? أولا: الفوضى الهدامة وليست الخلاقة.. كما ادعت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق التى أضافت كلمة «خلاقة» لمحاولة تلميع وتجميل الصورة المشوهة أصلًا، فلا يمكن للفوضى أن تتناغم مع الإبداع أو ال «Creativity» بل إنهما نقيضان.. حتى ولو احتوى الإبداع خروجًا عن المألوف. إذًا فالمطلوب هو إشاعة الفوضى فى أرجاء المنطقة عامة.. والعالم العربى خاصة.. فتنشأ حالة من التوهان لدى صُنّاع القرار والشعوب والإعلام بل وحتى الزعماء السياسيين والحزبيين والدينيين، هذه الفوضى العارمة تنعكس مباشرة على البسطاء الذين كانوا يعتبرون هؤلاء الزعماء قدوة ونبراسًا لهم.. وفجأة يتم إسقاط هذه الرموز عمدًا وبصورة غريبة ومريبة.. فيتحول الناس مثل السابحين فى الفضاء.. أو الهائمين على وجوههم فى الصحراء! ? ثانيًا: تفكيك وتسييل دول المنطقة لإسقاط أنظمة كثيرة.. وتبديل الأوضاع بصورة جذرية.. رغم أن هذه الأنظمة كانت موالية للغرب وتعمل فى إطار استراتيجيته.. وتسبح بنعمته! ولكن صُنّاع (الشر) الأوسط الجديد رأوا أن دورهم قد انتهى وأنه يجب بدء المرحلة الجديدة لتفكيك هذه الدول ثم بعد التفكيك يجرى التسييل مثل صهر المعادن، ولعل عملية صهر حضارات وثقافات وعقائد الشعوب هى أخطر ما فى هذا المخطط الشيطانى، فالمطلوب فى هذه المرحلة إبعاد شعوب المنطقة عن جذورها العقائدية والأيديولوجية.. والاتفاق على «قيم أخلاقية عالمية»!! مثل الحب والسلام والوئام وعدم الخصام! وهذا يسمح بدمج دولة مثل إسرائيل فى هذا المحيط الرافض لوجودها.. لأنها جسم غريب عليه.. بل خنجر فى قلبه ومعول فوق رأسه، وزرع إسرائيل فى هذا الموقع الاستراتيجى مقصود ومدبر بعناية فائقة. ? ثالثًا: التمزيق والتفتيت.. بعد التفكيك والتسييل.. وقد بدأ فعلا تحقيقه على أرض الواقع فى كثير من الدول العربية والإسلامية.. وهاهى ذى ليبيا المجاورة نموذج آخر.. والسودان الشقيق يخشى التمزيق.. سواء فى الجنوب أو الشمال والشرق والغرب، وبعد فصل الجنوب عن الشمال.. تجرى محاولة لفصل جزء من الجنوب عن الجنوب!! وكأن المقصود هو تمزيق الممزق وتشتيت المُشتت، ويبدو أن الأعداء يسارعون الخطى لتنفيذ هذا المخطط فى ليبيا واليمن.. تساعدهم دول إقليمية وأطراف داخلية.. للأسف الشديد، وهم لا يدركون أنهم قد يفسدوا مخططهم الشر أوسطى الجديد.. بأيديهم.. وبالتسرع فى جنى ثمار الشيطان!! ? رابعًا: إعادة البناء.. وهى المرحلة النهائية التى لم نصل إليها بعد.. وقد لا نصل إليها مطلقًا، لسبب بسيط هو أن إرادة التنفيذ لا يحتكرها هؤلاء الشياطين وصُنّاع الشر الأوسط الجديد.. فهناك أولًا إرادة الله التى يمكن أن تقلب حساباتهم رأسًا على عقب فى لحظة واحدة.. وقد نسى الكثيرون هذه الحقيقة المطلقة.. (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) صدق الله العظيم. كما أن هناك إرادة الشعوب.. وهى نابعة من إرادة الله.. وتدعمها قوة الإيمان، ولعلنا نتذكر ما حدث للغزاة والمستعمرين عبر تاريخ العالم بأسره.. وخلال تاريخ أرض الكنانة تحديدًا، فقد جاءنا هؤلاء الغزاة من كل حدب وصوب.. جلسوا واحتلوا بلادنا ثم انفضوا عنها.. واستطاعت مصر بحكمة التاريخ وبفضل الله أولًا وأخيرًا.. أن تستوعب كل هؤلاء.. دون استثناء.. وظلت حقيقة شامخة.. وسوف تظل كذلك بمشيئة الله. بمعنىآخر.. فإن إعادة بناء المنطقة لن يتم وفق أهواء صُنّاع الشر.. وقد يتم دمج هذه المراحل الأربع أو تغيير ترتيبها.. وربما حرقها معًا.. فدعونا نحلل الموقف بشكل أعمق وأدق لكل الأطراف.. فى هذا العام الجديد الحاسم لتاريخ مصر والمنطقة!