عندما أشهر الفيلسوف الكبير روجية جارودى (1913 - 2012م) إسلامه -بالمركز الإسلامى بجنيف- فى 2يوليو سنة 1982م بدأت مرحلة عطائه الفكرى للإسلام وحضارته.. ولقد تجسد هذا العطاء فى مشروع فكرى زادت كتبه على العشرين كتابًا.. ولم يكن الإسلام بالنسبة لجارودى مجرد دين سماوى، مستوعب لكل مواريث النبوات والرسالات.. ولا مجرد حضارة إنسانية تأسست على هذا الدين.. وإنما كان الإسلام -مع ذلك- «البديل» لكل الأيديولوجيات المعاصرة، التى أفرزتها الحضارة الغربية، والتى أصابها الإفلاس.. وعن هذه الحقيقة كتب جارودى فقال: «إن الإسلام هو البديل لكل الأيديولوجيات المعاصرة، وإن الحضارة الغربية قد أفلست، وتحولت إلى الإلحاد، وتتصف بالشرك. وإن المسيحية، رغم صمودها حتى الآن، إلا أنها لم تعد ذات فاعلية، والحقيقة التى نعيشها تحتلها ثلاثة آلهة يتعبدها الإنسان الأوربى المعاصر، هى: النمو الاقتصادى، والقومية، والفلسفة الوضعية. والأول:- أى النمو الاقتصادى - يفتقد الغاية الإنسانية، وتأخذ به كل دول العالم بحسب المفهوم الغربى، وما يزال النتاج متزايد ويتسارع ويتعاظم بصرف النظر عن الحاجة الحقيقية للسلع المنتجة فى ظل هذا النمو، وسواء كانت هذه السلع مفيدة أو ضارة، تماما كالأسلحة التى صارت تجتذب أكبر الاستثمارات لأنها تحقق أعلى نسبة من الأرباح، ويتهافت العالم اليوم على الإنتاج السلعى على حساب التنمية الحقيقية للمجتمعات وصالح الأفراد والأمم. والثانى:- أى القومية - من شأنها أن تولد الأنقسامات، إن القومية لم تنشأ أصلا إلا على أنقاض الوحدة المسيحية الأوربية، وكان بزوغها بسبب الرأسماليات الوطنية. والقومية فى أوربا نقيض الأممية الإسلامية، التى من دأبها التأليفى بين مختلف المجتمعات الإسلامية وجمعها ولم شملها. والثالث:- وهو الفلسفة الوضعية.. «تجعل لعالم غاية، وإنما تجعله هدفا فى ذاته، وتفصله عن الأخلاق والقيم والمبادئ والإيمان بالمطلق، وبذلك يتحول العلم عن إنسانيته ولا يصبح فى خدمة الإنسانية، وإنما يتوخى إخضاع الإنسانية والاستبداد بالإنسان، وتدمير النبالة والسمو فيه، والعلم الحديث صار ديانة الوسيلة، وانفصمت عراه بالحب والإيمان والجمال، وامتلك التقنية التى يمكن أن يبيد بها الحياة برمتها فوق البسيطة». وبعد رفض جارودى لهذه الأيديولوجيات الغربية.. الرأسمالية المتوحشة «والطفيلية».. والقومية العنصرية.. والفلسفة الوضعية والمادية-.. تحدث عن نموذج الإسلام فى التقدم والنهوض، فقال: «إن الإسلام، على العكس من ذلك، يوظف المعرفة والعلم وكل القيم فى خدمة الإنسان والحياة وتعمير الأرض، فالإنسان خليفة الله فى الكون ليعمره لا ليدمره، والإسلام يرفض فكرة الشعب المختار، وأن يكون المرء مسلما يعنى أن تكون له الوسيلة الأقوى للكفاح ضد الصهيونية، والإسلام هو الديانة الأكثر عالمية وشمولية، وهو يضم الديانات السابقة جميعها الموسوية والمسيحية، والعقائد منذ نوح ولوط ويونس إلى إبراهيم». ولقد أكد جارودى على أن تفرد الإسلام كبديل للأيديولوجيات المعاصرة، وتميزه بكونه منهاج حياة، هو الذى شده إلى الإيمان بهذا الإسلام.. فقال: «وما شدنى إلى الإسلام العقيدة وليس فقط الإسلام الحضارة، إن الإسلام قد أسس روابط جديدة بين الإيمان والسياسة، ومن ثم بين الإيمان والعلم، والتوحيد فى الإسلام ليس فقط التزكير على وحدانية الله، ولكن على وحدانية العالم. وكل شخص رغم تميزه لا وجود له إلا فى إطار علاقته بالكل وبالرب الخالق. والشريعة الإسلامية ليست مجموعة قوانين فحسب، وإنما هى منهاج حياة إن الإسلام يحتاج إلى إعادة اكتشاف. ومسئولية المسلمين هى صنع فكر القرن الواحد والعشرين». هكذا تحدث الفيلسوف جارودى عن الإسلام كبديل حضارى لكل الأيديولوجيات التى أفرزتها الحضارة الغربية.