أخيرًا وبعد طول انتظار.. صدر قانون الحد الأقصى للأجور، واستبشرنا خيًرا بصدوره أملًا فى تحقيق العدالة الاجتماعية فى مجتمع أكثر من ربع سكانه تحت خط الفقر، وعاملين فى الدولة يتقاضون الملايين سنويًا كمرتبات من خزانة الدولة.. فأى ظلم هذا..! استبشرنا خيًرا بصدور القانون.. ولكن، وتحت «لكن» هذه نضع مائة استثناء واستثناء، ورغم أن العدالة لا تتجزأ، ولا تعرف الاستثناءات، ولا يصح أن يطبق الحد الأقصى على الأجهزة الإدارية ودواوين الوزارات فقط، وهو القطاع الذى لا يوجد به سوى عدد قليل ممن تتجاوز رواتبهم الحد الأقصى. أما من تم استثناؤهم فهم الجيش والشرطة والبنوك والقضاة وقطاع البترول وهيئة قناة السويس والمقاولون العرب، و51 هيئة اقتصادية و150 كادرًا خاصًا.. ومعنى هذا أن القانون لن يطبق على أحد من الكبار، وأن العدالة الاجتماعية تم ذبحها بسكين الاستثناءات. والحد الأقصى الذى أقره مجلس الوزراء وقدره (42 ألف جنيه) شهريًا يعتبر 35 مثل الحد الأدنى البالغ 1200 جنيه، وسيتم تطبيق الحدين الأقصى والأدنى فى يناير المقبل. وهناك نحو 8 آلاف موظف من أصحاب الوظائف القيادية سيخضعون لتطبيق الحد الأقصى للأجور. ومع بداية تنفيذ القانون يجب أن تفرض المالية قيودًا صارمة على جميع المدفوعات التى يتلقاها أصحاب الوظائف القيادية من جهات أخرى، مقابل حضور لجان أو جلسات، عبر صدور شيكات هذه المدفوعات باسم الجبهة التى يعمل بها هؤلاء وليس أسماؤهم الشخصية، حتى تتمكن الوحدات الحسابية التابعة للمالية من رصد جميع المدفوعات الحكومية. ومن المتوقع أن يوفر الحد الأقصى للأجور لخزانة الدولة نحو 2 مليار جنيه إذا ما تم تطبيقه على الجهاز الإدارى للدولة، بينما تصل وفوراته إلى 20 مليار جنيه إذا تم تطبيقه بدون استثناء على جميع القطاعات الحكومية. فالحكومة ترفض 18 مليار جنيه سنويًا خوفًا من الصدام مع الكبار. الحكومة خافت من الصدام ضد 20 ألف موظف تتجاوز مرتباتهم ال 200 ألف جنيه شهريًا، وهؤلاء يمثلون جانبًا قويًا من الدولة العميقة، عارضوا بشراسة تطبيق القانون عليهم، وانتصروا فى هذه الجولة.. التى لن تكون الأخيرة، فالعدالة الاجتماعية مطلب مصيرى للشعب أكمله، ولن يتراجع عن تنفيذه حتى لو قامت فى سبيله ثورة واثنان وثلاثة. فعلى الرغم من أن الحد الأقصى تجاوز النصف مليون جنيه سنويًا، إلا أن هذا الرقم لا يرضى الكبار. القانون جاء - فاضى - فارغًا من مضمونه ومحتواه بسبب الاستثناءات وما أدراك ما الاستثناءات.. وأتساءل كما تتساءلون: هل مبلغ ال (42 ألف جنيه شهريًا) مرتب ضعيف أو غير لائق أو غير كاف.. من المؤكد أن الإجابة هى (لا). علمًا بأننا فى بلد 25% من سكانه تحت خط الفقر، وأن قيمة خط الفقر للفرد فى السنة بلغت 3076 جنيها، بما يعادل 256 جنيهًا شهريًا، حوالى 8.5 جنيه يوميًا، ولسنا فى دولة رفاهية كالسويد ولا فى دولة نفط خليجية. وأنقل تصريحًا لوزير التخطيط د. أشرف العربى «قطاعات مثل شركات البترول والبنوك والقضاء والكادرات الخاصة لا نستطيع الاقتراب منها فالأجور فيها تتحدد وفقًا للخبرات التى تدير هذه القطاعات، ونخشى أن تترك أماكنها وتحرم مصر من الاستفادة بها». يا معالى الوزير لو كانت هذه الخبرات نادرة أو مؤثرة فعلًا ما كان هذا حالنا، ثم أين الولاء يا معالى الوزير، فالخبير إذا لم يكن لديه ولاء لمصر ويقبل بالحد الأقصى الذى تحدده الدولة والقانون فلا مكان له بيننا.. وفى مصر المئات من الخبراء فى كل المجالات. وأؤكد لمعالى الوزير أن المخاوف من هجرة أصحاب الخبرات الرفيعة لا أساس لها من الصحة. فإذا أرادت الدولة أن تكون جادة فى تطبيق الأقصى للأجور، فيجب أن تطبقه على كافة العاملين بالدولة دون أى استثناءات، فالقانون استثنى تقريبًا كل الفئات التى كان مفترضًا تطبيقه عليها، والحكومة عاجزة عن التطبيق الكامل للقانون بسبب ضغوط العاملين فى الهيئات المستثناة. القانون نوع من الخداع السياسى وكلمة حق يراد بها باطل، وبالبلدى فالقانون «ضحك على الدقون».