لاجديد تحت الشمس ولا تحت القمر. الخلطة السبكية الجاهزة مستمرة فى أفلام العيد،وهذه المرة من خلال فيلم «عش البلبل» الذى كتبه سيد السبكى وأخرجه حسام الجوهرى. التوليفة معروفة:غناء ورقص وبعض الاستظراف والإفيهات ،باترون جاهز تضاف إليه أسماء وتغيب أسماء،ابتعد حسن حسنى عن الخلطة منذ فترة، ثم انضم اليها فى طبعتها الجديدة المخرج حسام الجوهرى، والمغنية مى سليم، والمغنية الشعبية بوسى، والعجيب أن الوصفة شغالة مهما كان المخرج، وكأنك أمام فيلم طويل من إخراج أحمد السبكى شخصيًا، الذى يظهر فى مشهد واحد:أحد أبطال الفيلم يرسم خطًا على أرض الحارة ويهدد من يعبره بالموت، ولكن السبكى المنتج يعبره بثقة، فيرسل إليه كريم محمود عبد العزيز تحية باسمه، أما الفيلم نفسه ( والتعبير مجازى بالطبع) فهو فرح شعبى تتوالى عليه أغنيات من كل لون وصنف، ولا يوجد مايستحق أن يطلق عليه فيلم أو دراما.( قدمت السينما المصرية طوال تاريخها، وفى أفلام الأبيض والأسود،حكايات خفيفة تدور أحداثها فى الحارة، وأبطالها يمتهنون حرفًا بسيطة، شاهدنا ذلك مثلًا فى معظم أفلام الراحل «عباس كامل» كما قدم حسن الصيفى نماذج كثيرة من هذه الأفلام الشعبية وبجودة أقل، ولكن السبكية لامنافس لهم على الإطلاق فى الفوضى والعشوائية التى يصنعون بها تلك الأعمال، أفلام الأبيض والأسود تكسب بالتأكيد، شارع محمد على مثلًا الذى تدور فيه أحداث «عش البلبل» ظهر فى السينما الأبيض والأسود، هناك فيلم بعنوان شارع محمد على بطولة عبد الغنى السيد، وهناك بالطبع فيلم عبد الحليم حافظ الشهير «شارع الحب» ،ولكن الفارق شاسع بين الفيلمين وذلك الاستخفاف الذى استُدعى به شارع محمد على السيناريو (بافتراض وجوده) لم يكن له هدف إلا تكديس أكبر عدد من الشخصيات وإتاحة الفرصة لها لكى تقدم أغنياتها كيفما اتفق،الحقيقة نحن أمام اسكتشات غنائية تفصل بينها مشاهد لاعلاقة لها بشىء، المهم أن يجتمع الأبطال، يتعاركون، ويصفعون بعضهم بعضًا، يتزوجون ويطلقون، الأهم أنه تنفجر ماسورة الغناء والرقص لزوم الفرفشة والانبساط، أما الشارع فلا وجود له تقربيًا إلا فى شكل مقهى متواضع،.ودمتم. سأحاول أن ألملم لك أشلاء هذه المشاهد البائسة:هناك أولًا ثلاثة مطربين شعبيين يحلمون بفرصة للغناء: سعد الصغير و محمود الليثى وكريم محمود عبد العزيز، وهناك الراقصة «دينا» وشقيقتاها «مروة عبد المنعم و بوسى»، وهناك راقصة شعبية اسمها سكر تلجأ إلى عمها «سعد الصغير» هربًا من حياتها الصعبة، وهو خط يذكرك بدور نعيمة عاكف فى فيلم «أحبك يا حسن» وهناك صاحب ملهى عش البلبل الذى يحاول أن يستغل سكر «مى سليم» التى تتزوج من المطرب بلبل «كريم محمود عبد العزيز» وطبعا لا بأس من تفريعات وخطوط ينساها السيناريو ثم يتذكرها مثل محاولة مروة عبدالمنعم الزواج من محام شاب «ماهر عصام» غرّر بها على طريقة أفلام حسن الإمام ،بينما يحاول محمود الليثى الزواج من بوسى، وتظهر شخصية رابعة عند الراقصة هى عزيزة «بدرية طلبة» التى تعيد نموذج العانس ولكن بطريقة مزعجة لا مقارنة لها إطلاقًا مع زينات صدقى، وفى النهاية تفوز عزيزة بالمطرب سعد الصغير..إزاى والله ما أعرف! المهم أن سيد السبكى مؤلف هذه المشاهد المفككة، يضيف كل فترة أى شىء يخطر فى باله،يقدم مثلًا مشهدين للمحاكاة الساخرة من فيلمين لأفلام السبكى هما قلب الأسد والفرح :يقلد كريم محمود عبد العزيز الممثل محمد رمضان، كما تقلد بدرية طلبة دنيا سمير غانم،ويقلد سعد الصغيرالممثل باسم سمرة،ثم يخطر على بال سيد السبكى أن يبتكر شخصية الشيطان نفسه الذى يوسوس لأبطال الفيلم،ولا يجد صناع الفيلم أفضل من غسان مطر لأداء دور الشيطان،فيظهر فى عدة مشاهد ثم يختفى، ويتذكر السيناريو أن الراقصة سكر ضربت رجلًا حاول الاعتداء عليها،فيقبض على سكر فى فرحها ورغم أننا عرفنا أن عزيزة هى التى سرقت المعلمة دنيا فإن السيناريو نسى أن يعاقب عزيزة،أو ربما كانت لها مشاهد صورت ثم حذفت فى المونتاج! (أحد بنود التعاقد فى هذه الأفلام أن يرقص ويغنى الجميع لدرجة أن كريم غنى أغنية يقلد فيها أداء والده محمود عبد العزير فى فيلم الكيف ،أما محمود الليثى فقد شبع صفعًا كعادته فى أفلام السبكية،وانطلق الجميع فى الرقص بمن فيهم مى سليم،وطبعًا بوسى وسعد الصغير ودينا، مولد وصاحبه احمد السبكى،والغريب أن هذه الفوضى، و الخطوط العشوائية، وجدت نهاية أخيرًا وتنفسنا الصعداء بأغنية النهاية على العجلة، دون أن يحقق أبطال الفيلم حلمهم فى الغناء، يكفى أنهم حققوه فى فيلم من إنتاج السبكى، ويكفى أن الخلطة شغالة، والفوضى أيضًا مستمرة،وماكينات المصنع يدخلها أى ممثل، فيضحك كالعبيط ويغنى بالجرامفون القديم،ويهز وسطه مثل الراقصات، ولم يكن عّشًا للبلابل فى الواقع،ولكنه كان بجدارة عشًا للفوضى!.