ما أشبه الليلة بالبارحة، دائمًا ما كانت تنتهى فترات الزهو الإخوانى بمحاكمات ثم اندحار. ولعلنا نذكر ما حدث بعد ثورة يوليو 1952 عندما رفض الإخوان التعاون مع الضباط الاحرار إلا تحت شروط إخوانية استحواذية كان اهمها أن تكون رئاسة الوزراء من الإخوان، اضافة الى خمس حقائب وزارية تضم بالأساس وزارتى التربية والتعليم والصحة، إضافة إلى عدة مطالب أخرى طلبها المرشد العام للإخوان فى ذلك الوقت – المستشار حسن الهضيبى والذى طلب من جمال عبد الناصر عدة مطالب غريبة وعجيبة منها ما ذكره الزعيم جمال عبد الناصر نفسه فى أحد خطاباته الشهيرة عندما قال – إن الهضيبى طلب منى اغلاق دور السينما والمسرح وأن أفرض على النساء ارتداء الطرحة السوداء – وكان رد عبد الناصر على الهضيبى أنه لا يمكن إغلاق دور السينما والمسرح.. هذا جنون كما أنه – أى عبد الناصر – لا يمكن أن يفرض ارتداء الطرحة على النساء - وقد ذكر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أيضًا أنه قال للهضيبى لماذا لا تفرض أنت على ابنتك ارتداء الطرحة وهى طالبة فى كلية الطب؟! – وكان رد الهضيبى عجيب وغريب إذ قال للزعيم عبد الناصر أنت رئيس البلاد «كان عبد الناصر وقتها رئيسًا للوزراء» وعليك أن تصدر قرارًا جمهوريًا يلزم النساء بارتداء الطرحة وعندها ستضطر ابنتى بارتدائها!!! *** هذا ما حدث فى أول صدام للإخوان مع ثوار يوليو والتى انتهت بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954 م، والتى تم فيها القبض على الجانى وكان عضوًا فى التنظيم السرى المسلح فى جماعة الإخوان المسلمين والذى كان يعرف وقتها بالتنظيم الخاص، وقد اعترف منفذ عملية الاغتيال الفاشلة وكان شابًا من اعضاء التنظيم السرى فى الجماعة يدعى محمود عبد اللطيف اعترف بتفاصيل عملية الاغتيال والتى أعقبها حل جماعة الإخوان والقبض على جميع قياداتها وكان من أبرزهم حسن الهضيبى مرشد الجماعة وعبد القادر عودة ويوسف طلعت قائد التنظيم السرى وإبراهيم الطيب وهنداوى دوير ومحمود فرغلى والعديد من أعضاء تنظيم الإخوان. وقد تمت محاكمة قيادات الجماعة امام محكمة عسكرية برئاسة جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة والذى اصدر احكامًا قاسية تقضى بإعدام ستة من قيادات الإخوان وسجن العشرات لفترات طويلة. *** وفى عام 1965 حاول تنظيم الإخوان أن يعود الى ممارسة نشاطه من جديد بعد أن ظهر للجماعة المنحلة رجل قوى وعنيد هو سيد قطب، والذى جمع حوله مجموعة من فلول الإخوان وبعض القيادات السرية التى لم يطالها محاكمات 1954.. وتم إنشاء ما يسمى بالتنظيم القطبى داخل الجماعة والذى ينتمى له معظم قيادات الإخوان الموجودة الآن ومنهم محمد بديع ومحمود عزت وعصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد مرسى. أما سيد قطب الذى عاد من أمريكا محملاً بأفكار تم صياغتها بدقة مع مسئول المخابرات الأمريكية المتخصص فى شئون الشرق الأوسط فى ذلك الوقت، وقد اعترف سيد قطب فى ذلك أثناء المحاكمة ولم يخف أنه كان على اتصال بالمخابرات الأمريكية بعد أن تمت مواجهته بعدة صور تجمعه بأحد أشهر عملاء ال سى آى إيه. عاد سيد قطب بعد أن ألف كتابه الشهير – معالم فى الطريق– وهو كتاب صغير عبارة عن عدة مقالات تم جمعها فى فصول قصيرة وكلها تتكلم عن قضية الحاكمية فى الإسلام استنادًا الى بعض آيات القرآن الكريم والتى صدر بها كتابه – «إن الحكم إلا لله» الآية 40 سورة يوسف. وقد أقر سيد قطب فى تفسيراته لما يعرف فقهيًا بقضية الحاكمية .. مبدأ تكفير الحاكم والرعية.. وهكذا أخرج سيد قطب من جعبته مارد التطرف ليرسى به دعائم الإرهاب تحت مسمى حماية الإسلام فى بلاد الكفر. وقد بدأ القطبيون الأوائل فى العمل السرى والتآمر مع بعض القوى فى الغرب وأمريكا خاصة بعد انشاء ما يسمى بالتنظيم العالمى للإخوان المسلمين تحت رعاية اوروبية امريكية بهدف إضعاف مصر وهز استقرارها والقضاء على جمال عبد الناصر وحكومة الثورة وقد حدد البعض بداية نشاط التنظيم العالمى 1958، ويقال إنه بدأ فى لندن ثم تنقلت قياداته بين عدة دول حسب الظروف السياسية. *** وقد كان للمخابرات المصرية دور كبير فى كشف مؤامرات الإخوان فى قلب نظام الحكم فى مصر والتى انتهت فى عام 1965 بالقبض على سيد قطب وعدد كبير من اعضاء وقيادات الجماعة وتمت محاكماتهم وصدرت احكام بإعدام سيد قطب وعدد آخر من قيادات التنظيم القطبى وسجن عدد كبير منهم ليسدل الستار من جديد على فصل آخر من فصول السيرة الدموية الظلامية للإخوان. وبعد رحيل عبد الناصر أظهر الرئيس السادات تعاطفًا ظاهريًا مع الجماعة وأخرجهم من السجون بل سمح لهم بإصدار مجلتهم الشهيرة «الدعوة» وسمح لهم أيضًا بفتح مركز للإرشاد وكان مرشدهم فى ذلك الوقت عمر التلمسانى والحقيقة كان نشاط الإخوان فى تلك الحقبة يتصف بالحذر الشديد والخوف من الصدام مع السلطة الحاكمة. وقد قال الأستاذ أنيس منصور فى أحد مقالاته إن الرئيس السادات أراد أن يحد من قوة الشيوعيين والناصريين خاصة بين طلاب الجامعات فسمح للتيارات الدينية بزعامة الإخوان بالظهور والعمل العلنى-وللحديث بقية. [email protected]