أنا أتمنى أن يدرس أبناؤنا - فى المدارس والجامعات - الميثاق الدستورى العظيم الذى كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة 10ه سنة 631م - لنصارى نجران - ولكل النصارى عبر الزمان والمكان - وأن يترجم إلى كل اللغات.. وأن ينشر ويذاع فى الدوائر الجاهلة بسماحة الإسلام وعظمته وريادته ميادين العيش المشترك وحقوق الإنسان - قبل المواثيق التى عرفتها الإنسانية فى القرن العشرين بأربعة عشر قرنا من الزمان. إن نصوص ميثاق هذا العيش المشترك، وتقنين الحقوق للذين لا يعترفون بالإسلام، وإعلان الحماية لهم ولدينهم ومقدساتهم وأموالهم.. هى نصوص مدهشة حتى للعقل المتحضر فى القرن الواحد والعشرين بل إنها مدهشة - كذلك- للعقل المسلم الذى لم يفقه هذا التراث وهذه النصوص.. لقد استقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وفد نصارى نجران - باليمن - وفتح لهم أبواب مسجد النبوة، فصلوا فيه صلاة عيد الفصح - الذى حان حينه وهم بالمدينة-.. وكتب لهم عهدا دستوريا قرر فيه: لنجران وحاشيتها، ولأهل ملتها، ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية فى شرق البلاد وغربها، قريبها وبعيدها، فصيحها وأعجمها، جوار الله وذمة محمد النبى رسول الله، على أموالهم وأنفسهم وملتهم، وغائبهم وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثر. لا يُغَيَّر أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته. وأن أحرس دينهم وملّتهم أين كانوا.. بما أحفظ به نفسى وخاصتى وأهل الإسلام من ملّتى. ولا يُحَمّلون من النكاح -(الزواج)- شططا لا يريدونه، ولا يُكْرَهُ أهل البنت على تزويج المسلمين، ولا يُضَارُّ فى ذلك إن منعوا خاطبا وأبوا تزويجا، لأن ذلك لا يكون إلا بطيبة قلوبهم، ومسامحة أهوائهم، إن أحبوه ورضوا به. وإذا صارت النصرانية عند المسلم - (زوجة) - فعلية أن يرضى بنصرانيتها، ويتّبع هواها فى الاقتداء برؤسائها، والأخذ بمعالم دينها، ولا يمنعها ذلك. فمن خالف ذلك وأكرهها على شئ من أمر دينها فقد خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله، وهو عند الله من الكاذبين. ولهم - (النصارى) - إن احتاجوا فى قرمة بيعهم وصوا معهم أو أى شىء من مصالح أمورهم ودينهم إلى رفد -(مساعدة)- من المسلمين وتقوية لهم على قرمتها، أن ير فدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك دينا عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله، وموهبة لهم، ومنة لله ورسول عليهم. لأنى أعطيتهم عهد الله أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، بالعهد الذى استوجبوا حق الزمام، والذّب عن الحرمة، واستوجبوا أن يذب عنهم كل مكره، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم».. تلك سطور من بعض مواد دستور الحقوق والعيش المشترك مع الآخر.. كل ألوان الآخر - الذى ارتاد الإسلام ميدانه قبل أكثر من أربعة عشر قرنا.. يوم كان العالم غابة ليس فيها من يعترف بحقوق الآخرين، فضلا عن أن يحمى هذه الحقوق!