قلت للمستشرقة الألمانية كاترينا بوم: رسالة الدكتوراه الخاصة بك موضوعها أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وأسمهان، أما أم كلثوم فإنها قد تخطت حدود منطقتها العربية بسيرتها وفنها. وأما عبد الحليم فلم تختف صوره من الدلايات فوق صدور الفتيات العرب لفترة طويلة بعد رحيله، فلماذا أسمهان؟ قالت: لأنها لم تغن إلا 30 أغنية تقريبًا وشاركت فى 4 أفلام اثنان منها بالصوت فقط ولم تعش إلا 32 سنة فقط ومع ذلك فهى ما زالت تنافس مطربات جيلها وسوف تستمر. وآمال الأطرش أو أسمهان صوت نضج فى سن الطفولة والصبا له ذبذبات طبيعية مميزة وقادرة على أداء متنوع من مساحات ممتدة إلى صوت مستعار ويصل إلى مستوى الأصوات الأوبرالية فى تقليد صوت الطيور فى أغنيتها الشهيرة وإذا أرادت فهى المطربة العربية الشرقية المتمكنة فى ألحان فريد الأطرش «فيينا» والقصبجى «ليت للبراق عينا فترى» وبالرغم من أن الرئة عندها كانت مصابة وضعيفة إلا أن صوتها ظل محتفظا بقوته وصفائه وعذوبته ورنينه الذهبى رغم إسرافها فى التدخين والشراب. كانت تقول: أحسن منى فى إيه الستات دول عشان أقف أمامهن لأغنى؟ ولنفس السبب رفضت تغنى فى حفل أقامته الأميرة شويكار وقالت: إيه يعنى إن كانت هى أميرة فأنا كمان أميرة. وفى إحدى الحفلات التى أقامها صديقها الكاتب الصحفى محمد التابعى ودعاها إليه مع لفيف من الصحفيين إلى جانب أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب فلم تحضر وقالت الحفل لا يحتملنى أنا وأم كلثوم معا.. ويؤكد التابعى أن هذا الموقف لا يعنى أن أسمهان كانت تغار من أم كلثوم فقد كانت معحبة بصوتها وكانت أسبق من غيرها إلى تباين ما فى صوت أم كلثوم من ألوان وطبقات لم يهبها الله لمطربة سواها وكثيرا ما كانت تصغى لأسطواناتها وقد أقبلت عليها بكل جوارحها وشفتاها ترجفان وفى عينيها ما يشبه الدموع، لم تكن الغيرة إذن هى التى منعتها من حضور حفل فيه أم كلثوم إنما أبت أن تحضر حفلاً يكون لها فيه المقام الثانى. كانت أسمهان تغنى لمزاجها وتضيق بالغناء بالأجر لكنها كانت مضطرة لتعول أسرتها وترضى شقيقها الأكبر وتصرف على أمها وابنتها كاميليا حسن الأطرش. عاشت أسمهان يوما خلا جيبها فيه من جنيه واحد تركب به الترام فى ليلة ممطرة ثم عاشت يوما تصرف فيه 15 ألف جنيه فى خمسة شهور عندما رمت المخابرات البريطانية اسهمها عليها مستعينة بها باعتبارها طليقة الأمير الدرزى حسن الأطرش، لطرد حكومته المسئولية وأنصارها الفرنسيين من سوريا ولبنان متأكدة من قدرتها على إقناع حسن وعميها سلطان وعبد الغفار للإنضمام إلى الحلفاء أما بدو المنطقة فقد خصصت لهم المخابرات 40 ألف جنيه توزعها أمال الأطرش عليهم. وجريت الفلوس فى يدها وأقامت ولائم الشمبانيا والكافيار وخصصت يوم الأثنين من كل أسبوع لتوزيع الطحين مجانا على فقراء بيروت ثم تخلت عنها المخابرات الإنجليزية فالتقطتها فرنسا الحرة لتقوم بالدور نفسه. أحبها المخرج أحمد بدرخان ومحمد التابعى وأحمد حسنين باشا ومحسن مراد وأحد الوزراء وجنرال إنجليزى وحسن الأطرش وتزوجت بدرخان 40 يوما عرفيا لأن الحكومة رفضت التصريح لهما وتزوجت حسن الأطرش ثم أحمد سالم. حاولت الانتحار مرتين وحاول سالم ضربها بالنار لغيرته من علاقتها بأحمد حسنين وما أكثر الذين تصورا أنهم فازوا بحب أسمهان وأفاقوا الحد مهم وهم إنها بوهيمية قلقة النفس عاشت حياة مضطربة فأسرفت فى صحتها ومالها وكانت صادقة عندما غنت شعر أبى العلاء المعرى ولحن زكريا أحمد: غير مجد فى ملتى واعتقادى نوح باك ولا ترنم شاد وكل من سمعها بكى من شدة الحزن فى صوتها قبل أن يبكيها يوم غرقت بها سيارتها ومعها صديقتها مارى قلاده فى ترعة وهى فى طريقها إلى رأس البر 1944 فهل لو كانت عاشت أطول وبحالة نفسية سليمة وأصبح لها 200 أو 300 أغنية كانت قد استحقت أن تخصها المستشرقة الألمانية بدراسة منفردة وكان قد انتحر حزنا عليها أكثر من الشاب العراقى والآخر السورى اللذين انتحرا حزنا عليها؟! ممكن فقد كانت أسمهان البرنسيسة الطروب.