إن فكر ووجدان أى مجتمع يقوم ويتشكل من خلال ثلاثية الإعلام والتعليم والثقافة، التى يجب أن تتكامل مع بعضها فى مشاركة متناسقة لتشكيل هذا الوجدان وتطويره، ومن خلال هذا التكامل يصبح الإعلام المصرى هو المعبر عن التوجه العام للمجتمع والدولة، وبالتالى لابد أن تكون مسيرته والخطى التى تقود حركته قائمة عبر الاستراتيجية العامة للدولة، وأهدافها على المستويات الوطنية والقومية والدولية. وقد تناولت خلال الدراسة فى الحلقات السابقة كيف تتم عملية التضليل الإعلامى وما هى النظريات التى تتم بها تلك العملية، ودور القوى الخارجية وأجهزة المخابرات فى الدول الكبيرة فى التأثير على بعض وسائل الإعلام، وتأثير الولاياتالمتحدة على العلام العربى بشكل خاص والاعلام العالمى بشكل عام وكيف استطاعت أن تنفذ مخططاتها تجاه المنطقة من خلال الاعلام وخلال الحلقتين القادمتين سوف نضع رؤية مستقبلية للإعلام المصرى لعلها تكون لبنة فى بناء اعلام وطنى حقيقى . إن الإعلام المصرى انطلاقا من الدستور واهتداء بالاستراتيجية العامة للدولة وتحرك مؤسساتها فى مختلف المجالات يتحرك بكافة قطاعاته ويستعمل كل أدواته لتحقيق فلسفة التحرك الإعلامى من خلال رؤية مستقبلية محددة تراعى كل ما سبق الإشارة إليه من منطلقات فى إطار الحفاظ على الأمن القومى بمفهومه الشامل والمتكامل وتحقيق المصالح العليا للوطن. الإعلام الخارجى فى البداية لابد أن نتعرف على أهداف الرؤية المستقبلية للإعلام الخارجى حيث تشمل بناء الدولة العصرية والاحتفاظ بالريادة عربياً وأفريقياً وإسلامياً والتعبير عن السياسية المصرية دولياً بأسلوب ولغة العصر، كل ذلك من خلال كوادر متخصصة وتقنيات عالية، وهى منظومة إعلامية تحقق السيادة الإعلامية التى تعنى تعظيم الخريطة الإعلامية المصرية وتتم بالآتى: أ- تنوير الرأى العام الغربى بحقائق القضايا المصرية من خلال الاتصال المكثف بالمؤثرين إعلامياً فى الدول الغربية الرئيسية هى: الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ب- تجديد النظرة الإيجابية لدى الرأى العام الغربى عن مصر بالطرح الجديد لملامح الجهود القومية المصرية فى أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ج- استخدام الحوار والمناظرة فى التعامل مع دوائر النشر السلبية عن مصر فى الإعلام الغربى من أجل تفنيد سوء الإِدراك وسوء الفهم الذى يقع فيه بعض المراسلين والصحفيين الأجانب حين يتعرضون للشئون المصرية. د- خدمة «الصورة السياحية» المصرية كجزء أساسى من الصورة القومية المصرية فى هذه المواقع الدولية الرئيسية من الناحيتين الإعلامية والسياحية. التوجهات العامة للتحرك الإعلامى أ- يجب على الإعلام المصرى أن يتحرك فى عدة دوائر هى الدائرة الوطنية أو المحلية، والدائرة الإقليمية وتضم الدوائر العربية والأفريقية والإسلامية، والدائرة الدولية على أن يرتكز هذا التحرك على عدة مبادئ أهمها وضع الحقيقة الكاملة أمام المواطن، وتحقيق السبق الإعلامى والتفاعل الحى مع قضايا المجتمع ومواكبة الثورة العلمية فى تكنولوجيا الاتصالات. ب- تعتبر الديمقراطية الإعلامية حقا للمواطن المصرى فى أن يعلم ويتعلم من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية ويحصل على نصيب جيد من التثقيف والترفيه فى إطار قيم المجتمع وتقاليده مع إتاحة الفرصة للمواطن فى التعبير عن رأيه وآماله وطموحاته، والتعبير الصادق عن الأحداث، والحرص على توسيع قاعدة المشاركة بالرأى والفكر فى كل ما يهم الوطن، والحرص على نزول الميكروفون والكاميرا إلى الشارع ليكونا بين الجماهير فى مواقع العمل والإنجاز،وتوسيع دائرة الحوار مع الجماهير معتمدة فى ذلك على الصدق والموضوعية. ج- توفير إنتاج إعلامى متميز من حيث الكم والكيف، يحفظ للإنسان المصرى والعربى هويته وجذوره الأصيلة، ويمكن له فى عصر الأقمار الصناعية حتى يكون بديلاً عن الإنتاج الأجنبى الوافد عبر تلك الأقمار، وذلك من خلال إنتاج مواد إعلامية متنوعة تعمل على تنشيط ذاكرة الأمة وتوعيتها بدينها وتاريخها وعطاء علمائها وأدبائها ومفكريها وشخصياتها البارزة. د- الحرص دائما على أن تكون الرسالة الإعلامية- التى هى بطبيعتها رسالة وطنية وقومية- متاحة أمام كل العرب معبرة عن قيمهم وحضاراتهم، مدافعة عن قضاياهم فى مواجهة البث الوافد إليهم عبر الأقمار الصناعية حاملة العديد من القيم والثقافات التى قد لا تتفق بالضرورة مع القيم والثقافات السائدة فى المجتمع المصرى و المجتمعات العربية، وكذلك الدعوة إلى الالتزام الأفريقى للمبادئ الأساسية لميثاق الاتحاد الأفريقى الذى يؤكد أن تسوية المنازعات بالطرق السلمية داخل الإطار الأفريقى. ه- يعتمد دور الإعلام المصرى على تصحيح صورة مصر أمام العالم الخارجى، وإبراز الجوهر الصحيح للدين حتى لا يقف العالم من الدين الإسلامى، ومنا موقف العداء، وحتى نستطيع أن نأخذ مكاننا فى النظام العالمى الجديد، واستثمار ثورة الاتصال فى مخاطبة العالم الخارجى بمنهج علمى وواقعى يتفق مع روح العصر، وبلغة العالم الخارجى فيما يتصل بقضايا الأمة العربية والإسلامية ومحاولات تشويهها، وذلك باستخدام وسائل تتواءم مع التطورات الهائلة فى تكنولوجيا الاتصال العالمية التى تشهد تقدما هائلاً وسريعاً ومطرداً. ومن هنا يجب على الإعلام المصرى مواجهة هذا الواقع الإعلامى العالمى الجديد وإعداد المجتمع المصرى له من خلال رؤية إعلامية تتلخص فى أنه كلما زادت العالمية فى الإعلام زادت الحاجة إلى ربط المواطن بأجهزة إعلامه الوطنية وما تقدمه له من عطاء متنوع ليظل مرتبطا بجذوره وتاريخه وهويته الوطنية والثقافية. وهنا يجب أن نتوقف عند مستقبل الإعلام المصرى والذى يشمل: الإعلام فى إطار علم المستقبليات إن التغيير الذى شهده ومازال يشهده النظام الإعلامى الدولى عقب انهيار الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية فى بداية التسعينيات حيث تحول هذا النظام من الطابع الثنائى الذى كان يقوم على سيطرة النظامين الإعلاميين الليبرالى الغربى، والاشتراكى الشرقى إلى الطابع الأحادى الذى يقوم على سيطرة نظام إعلامى واحد وهو النظام الإعلامى الغربى الليبرالى وهيمنة قطب واحد هو الولاياتالمتحدةالأمريكية على ذلك النظام، إضافة إلى الاستثمار الهائل فى مجال الإعلام وتزايد دور الملكية الخاصة وتراجع الملكية العامة لوسائل الإعلام وخضوع العمل الإعلامى للمنافسة ارتبط بتطور نمط الملكية حدوث تغييرات جذرية فى كثير من المفاهيم الإعلامية وتطبيقاتها وبدأ العالم يتحول تدريجيا من إعلام الحملة إلى إعلام السوق. تطبيق وتوظيف التكنولوجيا الإعلامية ويشمل : أ- على مستوى التطبيق التكنولوجى داخل الاستوديوهات تجرى دراسة إدخال تكنولوجيا الاستديو التقديرى الذى سوف يثرى الإنتاج التليفزيونى ويضيف كثيرا من النواحى الإبداعية والمهارات الإخراجية مع توفير فى الديكور والوقت، ولاشك أن نجاح هذا النوع من التكنولوجيا يعتمد على تقدم صناعة البرمجيات، والرسم الإلكترونى والتحكم الإلكترونى ودقته إلى جانب ميكنة بث البرامج من الاستوديوهات وميكنة ورقمنة المكتبات الإذاعية والتليفزيونية واستخدام الأقراص المضغوطة للتسجيل الصوتى وأسطوانات الفيديو الرقمية التى تنافس الأشرطة المغناطيسية والأفلام السينمائية وتناسب حجم ووزن جهاز التسجيل المرئى الذى يتضاءل يوما بعد يوم والتى تمتاز بسعة اختزان كبيرة بالمقارنة بالأقراص المضغوطة، فضلا عن الزحف التكنولوجى الرقمى السريع إلى كافة وسائل الإعلام المرئى والمسموع على مستوى الإنتاج. ب- نظرا لعمق ما يحمله المصطلح « الطريق السريع للمعلومات « هذا من معان وما سيحققه هذا الطريق من تلاقى هذا العالم المترامى الأطراف فى قرية واحدة فقد أوصى وزراء الإعلام العرب فى عدة اجتماعات بأهمية إنشاء طريق سريع للمعلومات على المستوى العربى، وقد قطع فريق العمل العربى المكون لهذا الغرض شوطاً كبيراً فى دراسته، حيث أوصى باستخدام إمكانيات مشروع التبادل الإذاعى عبر الأقمار بين البلاد العربية الذى تتبناه اتحاد إذاعات الدول العربية كنواة لطريق عربى سريع للمعلومات ثم الاستفادة من إمكانية القمر المصرى نايل سات وأقمار عرب سات لإنشاء هذا الطريق. ج - توطين التكنولوجيا الإعلامية: من خلال تبنى مشروعات قومية تدعمها الدولة للبحوث والتطوير وتكوين كوادر فنية قادرة على متابعة التقدم التكنولوجى السريع واستيعابه بعقلية ومفهوم العصر، الأمر الذى تتطلب إعادة النظر فى المناهج التعليمية على كافة المستويات والعناية بمضمونها النظرى والعملى وخلق ما يسمى بالوعى الإعلامى العام نحو قضايا تكنولوجيا الإعلام والأساليب المثلى لاستخدامها والاستفادة منها واختيار أنسبها لتلبية المتطلبات التى تعرضها ظروف الفرد والمجتمع. د- إن الإعلام المصرى مطالب فى المستقبل بتحقيق ما نسميه بالأمن التكنولوجى فى مجال الاتصال والإعلام، وذلك عن طريق حسن اختيار التكنولوجيا الاتصالية الملائمة وأن نتمكن من توطين التكنولوجيا الإعلامية الحديثة فى المجتمع المصرى بحيث تصبح جزءاً من البنيان الاجتماعى والثقافى المصرى، وذلك كمقدمة لتنمية مصادر التكنولوجيا الوطنية. ه- فى ظل التطور السريع والمتلاحق لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات وما ارتبط بها من تطور كبير فى العمل الإعلامى سوف يكون من الضرورى مستقبلاً العمل على تنمية الكوادر الإعلامية المؤهلة لمواكبة هذا التطور عن طريق التعليم والتدريب. مستقبل الحرية فى النظام الإعلامى المصرى: أ- من المتوقع أن يتم فى السنوات القليلة القادمة تقنين السماح للأفراد والقطاع الخاص المصرى بحق تملك وإصدار الصحف وأن يتم ذلك بالتدريج ووفق ضوابط تحمى الممارسات الإعلامية. ب- التوسع فى نسب مساهمة الأفراد والقطاع الخاص المصرى فى المشروعات الاستثمارية الجديدة باتحاد الإذاعة والتليفزيون ومن الأفكار المطروحة للمستقبل أيضا إمكانية السماح للأفراد وللقطاع الخاص المصرى بالمساهمة فى إنشاء القنوات الفضائية على أن توضع ضوابط لذلك تقوم على الالتزام بقيم المجتمع المصرى وأخلاقياته والحفاظ على مصالح الوطن وأمنه. دوائر تحرك الإعلام المصرى للتعرف على دوائر تحرك الإعلام المصرى فى المجالات الداخلية والخارجية يجب أن يكون الإعلام مؤثرا وفعالًا وصادقًا وأن يخاطب الفئات المستهدفة بكفاءة واقتدار ومصداقية تجذب إليه الرأى العام والدوائر الأساسية التى يتحرك فيها الإعلام المصرى هى: أ- الدائرة الوطنية: وتشمل المستويات القومى، والإقليمى والمحلى معاً. ب- الدائرة الإقليمية: وتشمل المستويات العربى، الأفريقى، الآسيوى، الإسلامى معاً. ج- الدوائر الدولية: وتشمل المستويات حركة عدم الانحياز، دول القارة الأوروبية والأمريكتين معاً. سياسات التحرك المستقبلى للإعلام المصرى : بعد التعرف على مستقبل الإعلام المصرى فى الألفية الثالثة وما تحمله معها من تقدم على تكنولوجيا وحريات فى إطار العولمة التى فرضت نفسها على الشعوب والقضية الحاكمة وعلى وسائل الإعلام أيضا، وبعد التعرف على دوائر التحرك الإعلامى المصرى الواجب إتباعه فإنه يجدر بنا التعرف على سياسات التحرك المستقبلى فى ظل هذه المتغيرات كالآتى: أ- إعادة النظر فى البرامج الإعلامية المتصلة بالاقتصاد وتقديم ما يمكن أن نطلق عليه الإعلام الاقتصادى الذى يواكب التنفيذ المتدرج لخطط وبرامج الإصلاح المالى والاقتصادى وأن يرتبط برنامج الإعلام الاقتصادى ببرنامج متكامل للإعلام التنموى بحيث يكون ارتباطا فعليا بين الإصلاح الاقتصادى والتنمية الشاملة. ب- التركيز على الإعلام السياحى تأكيداً لأهمية السياحة إعلاميا وثقافيا وحضاريا بجانب كونها عاملاً مباشراً من عوامل التنمية الاقتصادية. ج- التركيز على الإعلام المحلى والإقليمى من خلال تدعيم شبكة الإذاعات المحلية والإقليمية القائمة- المسموعة والمرئية- لتمارس دورها فى إطار مناطق بثها خدمة للمحليات ونهوضاً بها. د- التركيز على القضايا الأساسية التى تهم المواطن المصرى ومعالجتها مركزياً ومحلياً من خلال مختلف الصور البرامجية مع الاهتمام بالنزول إلى القاعدة الشعبية واستطلاع رأيها فى تلك القضايا تأكيداً لمبدأ المشاركة الشعبية. ه- التركيز على البرامج الثقافية والترفيهية من ناحية الكم والكيف، بحيث يقدم للمواطن ما يكفيه من تلك البرامج وما يغنيه عن اللجوء إلى المصادر الإعلامية الخارجية، بما قد تحمله تلك المصادر من رسائل فكرية أو فنية أو أخلاقية لا تتناسب مع عادات المجتمع وقيمه وتقاليده. و- التركيز على الموضوعات الجديدة التى بدأت تفرض نفسها على المجتمع، مثل موضوع حماية البيئة والطاقة البديلة والمتجددة وموضوعات أخرى كثيرة ومتعددة. ز- التركيز على البرامج التربوية والتعليمية بدءا من برامج محو الأمية وتدرجاً حتى برامج التعليم الجامعى من خلال القنوات المتخصصة مع الاعتماد على نظرية التعليم عن بعد من خلال أجهزة وأدوات الاتصال المختلفة من ناحية أخرى. ح- التركيز على تأكيد الهوية الثقافية المتميزة للمجتمع المصرى النابعة من تاريخه الطويل وتراثه وحضارته مع تشجيع الانفتاح على الثقافات الأخرى بما لا يتعارض مع قيم المجتمع وتقاليده وفى نفس الوقت لا يؤدى إلى انغلاق أو انكماش ثقافى. ط- التركيز على سياسة إعلانية واضحة تجعل من الإعلانات التى تقدم من خلال وسائل الإعلام والاتصال المختلفة مادة فنية وثقافية لا تتعارض مع الهوية الثقافية للمجتمع. ي- محاولة العمل على إعادة دراسة وتنقية وتصنيف القوانين والتشريعات المتصلة بالنشاط الإعلامى والفنى والثقافى. ك- التركيز على إجراء الدراسات والبحوث فى المجال الإعلامى التخصصى. ونستكمل فى العدد القادم تفاصيل الرؤية المستقبلية للاعلام المصرى .