عقدت دار الكتب والوثائق القومية محاضرة بعنوان « تدهور التعليم المصرى وأثره فى ضعف البناء الثقافى للمجتمع» خصصت لمناقشة هموم العملية التعليمية التى تراكمت و تعقدت لعقود مضت والتى أقامتها دار الكتب فى استعادة لأنشطتها مرة أخرى.. ووصف الخبير التربوى كمال مغيث مناهج التعليم بمصحف عثمان عند البعض و الذى لا يجب المساس به مع أنه تحول إلى نشرات حكومية وأن الطالب يتعلم فقط طوال سنوات تعليمه الطويلة كيف ينجح فى الامتحان وأن مرتبات المدرسين وصلت إلى حد الكفاف فى حين أنها كانت أهم الدخول العالية فى الكادر الحكومى و انتهى د.مغيث إلى أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة و النهوض بالتعليم يكمن فى الإرادة السياسية. يقول د.كمال مغيث فى بداية كلمته هناك فرق بين الثقافة والتعليم فالمقصود بالثقافة أن يحمل الفرد عددًا من القيم والمعارف والمهن والعادات والتقاليد والنظم هذه الأمور متفاعلة تتميز بأنها تحقق عددًا من الأحداث كالمحافظة على الهوية والتراث ويجب أن تتميز هذه الثقافة بالتفاعل الإيجابى مع الآخر على مستوى العرف والدين على أن يكون لهذا المجتمع مجموعة من القيم الإيجابية وينبغى أن تتميز بأنها على استعداد للتعامل الإيجابى مع الجديد من أدوات و تطورات بالإضافة إلى المحافظة على حالة السلام الاجتماعى والبناء الثقافى ويجب أن يبنى فى إطار من القواعد التى لها مصداقية سواء عرقية أو قوانين تتميز بأنها لها قبول و مصداقية وآليات التعامل. و أضاف أن بعد ثورتى يناير ويونيو فقد تغير الشعب المصرى بالفعل فلما جاءت ثورة يناير وخلال تولى المجلس العسكرى بدأ الاستقطاب وانتهى الأمر بتولى الإخوان وعادت المحسوبية والفساد أسوأ من أيام مبارك حتى فوجئنا بالشباب فى يونيو. و يرى مغيث أن ثورة يناير هى ثورة سياسية أما ثورة يونيو فهى ثورة ثقافية رفضت التوجه الإخوانى ومحاولته الاستقطاب والتفرقة بين علمانى وليبرالى و مسيحى ومسلم وكشفت فترة حكم الإخوان عن قشرة تافهة فى مخزون ثقافى متميز قائم على المحبة والإقدام والذى يتلخص فى مقولة أصلك فعلك و أضاف نحن قمنا بثورة لأننا لا نريد استبدادا ولكننا لا نعرف بعد ماذا نريد فنحن إلى الآن لم نناقش قضايا المرأة ولا قضايا الحكم المدنى والعسكرى و لا الأقباط لكن ما نقوم به جهد ثقافى نحتاج العمل فيه. وقال مغيث إن لديه رؤية تخص التطور الثقافى فيما أسماه برباعيات التطور الثقافى أسماها رباعيات النهضة وهى تعنى تحرير الوطن حيث اكتشف الجميع أن الإخوان مرتبطون بعلاقات مع إيران وتركيا والاتحاد الأوروبى وأمريكا و ثانيها تعنى بتحديث المجتمع وثالثها تعقيل الفكر وأخيرا توجيه الأمة فنحن بحاجة إلى أن نكون أمة مصرية واحدة متماسكة. ثم تناول مغيث الحديث عن التعليم وأهدافه موضحا أنه يجب أن يكون للتعليم أربعة أهداف لكى نصل إلى التحديث والعصرية بشكل يخدم هذه الثقافة بدأها بإعداد الإنسان للمواطنة فيوجد فى مصر العديد من الثقافات لتعدد المدارس فكل طبقة لها ثقافتها فهناك أسر كاثوليكية وأخرى صعيدية وثالثة سواحلية و رابعة ذات طابع شعبى و هكذا و كل منها لها أفكارها ومصطلحاتها و الإشكالية هنا كيف نجعل الثقافة الأولى مصرية ثم حسب طبقته و انتمائه و الهدف الثانى الإعداد للثقافة و هو يعنى بكيفية أن يتخرج فى المدارس من يتعامل بشكل إيجابى مع الثقافة فكيف نريد مناخًا ثقافيًا فى حين أن نسبة كبيرة من طلاب المرحلة الثانوية لا يعلمون الكتابة بشكل سليم أو قراءة لغة عربية سليمة بالتالى لن يكون لهم حب لطه حسين أو غيره من إعلام الأدب العربى ولن يكون لديهم انتماء للثقافة المصرية فيجب أن يكون التعليم الهدف الأساسى له هو الإعداد للثقافة ثم تأتى المرحلة الثانية وهى الإعداد للعمل و الرؤية العلمية فلابد لخريجى التعليم أن يفكر فعندما نرى أن 25% من المصريين مصابون بفيرس «سى» فلابد أن يتساءل ماذا يأكل المصريون و ما هى شكل الرقابة على مأكولاتهم و ما هو مدى الوعى لدى الشخص العادى و ما هى العادات الصحية لدى المصريين التى قد تؤدى إلى اصابتهم بهذا المرض أى أن تصبح مسألة العقل هى التى تطفو فى ذهنه عند مناقشة أى مشكلة، ورابعًا وأخيرا الإعداد للمهنة والمقصود بها بداية من تعلم القراءة و الكتابة إلى أن يصبح طبيبا يعمل فى مستشفى عالمى وأضاف مغيث للأسف الشديد هذا لا يحدث وأشار فى معرض حديثه كذلك إلى رباعيات تدهور التعليم والتى تبدأ بتعليم رخيص فالتعليم المصرى أرخص ما يمكن على مستوى العالم فنصيب التعليم ألفا جنيه فى السنة و إذا وضعنا فى الاعتبار أن العاملين فى التعليم يحصلون على 1700 جنيه كمرتبات وأن 300 جنيه تنفق على العملية التعليمية فإن الإنفاق على الطالب لا يتعدى 25 جنيها سنويا فى حين إسرائيل يتكلف تعليم التلميذ 3 آلاف دولار سنويا وفى كندا يصل إلى 5 آلاف دولار سنويا ولأن التعليم المصرى تعليم رخيص فلابد أن يكون تعليمًا بسيطًا ثانيًا أن التعليم المصرى ليس تعليما كهنوتيا أى أن يدرس الطالب الفلك منذ نعومة أظفاره فيحصل على الدكتوراة وهو ابن السابعة عشر عاما و السبب الثالث لتدهور التعليم أنه آمن فما تقوم بإدخاله فى عقول الطلاب ينشأ عنه بالضرورة عملية التفاعل الفكرى وهكذا فالدولة أنشأت طفلًا على مناهج تقبل بالعقاب إذ يعتبر الحاكم و المدرس سلطة لا يمكن مخالفتها أو معارضتها وأضاف أظن أن جزءًا كبيرًا من ثورة الشباب فى يناير تعود إلى الفيس بوك حيث وجد الشباب نفسه خارج حظيرة الدولة فبدأ يعبر عن نفسه وأفكاره وإذا تحدثنا عن مناهج التعليم فمناهجنا ليست مناهج دراسية وإنما هى منشورات حكومية، وقال مغيث أن البعض يتعامل مع المناهج الدراسية المقررة على أنها مصحف عثمان ولا يعتد بما سواه ويرى أنه لابد من الاعتماد فى دراسة اللغة العربية على أمرين أساسيين هما «فكر وعبر» إلا أن ما نجده فى مناهج الأدب هو أمر عقيم و سقيم أما فى مادة الدين فلا نجد طريقة طرحه على الطالب داعية للحب و التسامح والتعايش و إنما هى داعية للعدوانية خاصة وإنها مادة رسوب و نجاح ولا تضاف للمجموع و أكد أنه ضد منح درجات فى التربية الدينية فالدين دعوة إلى الله و لا يمكن تحديدها بدرجات رسوب و نجاح وتحدث مغيث عن حال المدرس فى مصر فقديما كان المدرس المصرى يصل دخله إلى ستة آلاف جنيه شهريًا أما الآن نجد راتب المدرس لا يزيد على 200جنيه شهريًا و هذا الدخل لا يمنح المعلم فرصة لكى يكون على درجة من الثقافة و أشار إلى أن نقابة المعلمين ليس لديها أى دور وفى العملية التعليمية نجد أن 30% دور الوزارة و70% دور التلميذ، وأشار مغيث إلى أن الامتحان أصبح عبارة عن ثقب أسود يبتلع الأنشطة فأصبح الطالب يذهب إلى المدرسة لكى يمتحن ويحصل على درجات للنجاح. وطرح مغيث حلا للنهوض بمستوى المدرس وهو أن يتم التعاقد بين المدرس والوزارة بحيث يحصل المدرس على دخل محترم فى مقابل ألا يعمل بأية مهنة أخرى إلى جانب تقديم بحث شهرى عن حالة متميزة وأخرى فاشلة بالإضافة إلى تنمية قدراته بالحصول على شهادات جديدة فى أى مجال يريده بحيث ينمى قدراته. وقال مغيث إن فكرة منع وزير التعليم للمدرسين التحدث فى السياسة تنطوى تحت فكرة الإملاء إلا أن المؤسسة التعليمية مؤسسة وطنية ويجب أن يحرم ترويجها لأى فكر سياسى أو طائفى و الموضوع يحتاج إلى تدريب المدرس على أن التعليم ليس به مجال لغرز أفكار سياسية وأن جزءًا كبيرًا من فشل المنظومة التعليمية يرجع إلى عدم وجود برنامج تعليمى فلا يجب أن يكون اشتراكيا أو ليبراليا أو إسلاميا. كما تحدث د. عبد الناصر حسن رئيس مجلس إدراة دار الكتب و الوثائق القومية قائلا إن ما يحدث الآن جزء من المنظومة التعليمية الفاسدة وأن المجتمع المصرى بقياداته و سياساته هو من تسبب فى هذا الواقع المزرى للتعليم بسبب ممارسات خطيرة تراكمت على الشعب المصرى ويرى أن الأجواء فى مصر تحتاج إلى تطهير المجتمع و أشار إلى أن الدولة العميقة قادرة على إفساد كل شىء فى المجتمع و قادرة أيضا على إصلاح كل شىء إلا أن المصلحة العامة تتراجع للصالح الخاص مما أدى إلى انتشار الفساد وأضاف أن المجتمعات الغربية ليست مثالية إلا أن فى مجتمعنا يوجد أحداث فجة للفساد وأشار إلى أن مصر تعانى من مشاكل كثيرة و معقدة و التعليم له دور كبير مما نعانى منه من سلبيات.