أخشى أن تفلت مصر من أيدى الجميع وأن يكون الجميع قد وصل إلى قناعة بأن يهدم المعبد عليه وعلى أعدائه .فلا يزال الصراع من أجل السلطة وليس من أجل مصر وكل يزعم أن مصلحة مصر هى قبلته، وسيظل الانقسام قائماً حول تفسير ما يحدث فى مصر. ولذلك فإننى أطالب بتشكيل لجنة محترمة للتحقيق فيما جرى فى مصر منذ انتخابات الرئاسة حتى الآن لأن مستقبل مصر مرهون بوضع الحقائق فى نصابها. فالظاهر أن الصراع على السلطة الذى يؤدى إلى ضياع مصر سوف يزيد مصر والمصريين بؤساً فى أمنهم وأرزاقهم وأخشى أن فقر مصر بالشخصيات السياسية الناضجة هو قدرها فى هذه المرحلة فقد اختلط الحابل بالنابل. قبل الثورة كان مبارك يرى أن مصر لا تحتمل نظام مبارك والإخوان المسلمين فى وقت واحد ولكن الحقيقة هى أن مصر لا تحتمل فساداً وضياعاً إلى الحد الذى دفع كل المصريين إلى الثورة عليه، ولذلك فإننى أدعو كل المستفيدين من نظام مبارك إلى النظر إلى مصلحة مصر أولاً وبنفس القدر فإننى أطالب الجميع الآن بنفس الطلب بعد أن تحولت مصر إلى حكم المماليك. وقد ذهب البعض فى الحرص على هذه الثنائية البغيضة إلى القول بأن مبارك الحاكم لا يستطيع الاستمرار فى السلطةالا إذا كان الإخوان المسلمون فى السجون وكانت التيارات الإسلامية فى صراع معهم مما أدى إلى استقطاب السلفيين والصوفية ضد الإخوان المسلمين. وقد شارك الإخوان الشعب المصرى دون التيارين الآخرين فى الثورة على مبارك ولكن ظهر الإخوان فى الحكم بعد الثورة ومعهم السلفيون بينما كان مبارك فى السجن. وبعد هبة الشعب فى 30 يونيو ضد الإخوان المسلمين ظهر فى السلطة فريق المعارضة وليس عموم الشعب المصرى الذى شارك فى الهبة مما أوجد وضعاً غريباً أدعو الله أن يخيب ظنى السلبى فيه بعد أن تكاتف الجميع ضد الإخوان.والغريب أن ثنائية الاوضاع قد خلفت ثنائية جامدة فى التفسير فمن ليس مع أحدهما تماما فهو مع غريمه، فاذا قلنا الحق من وجهة نظرنا وقع اللوم من أحد الطرفين بالضرورة ولكنى أقول ما يفق مع المصلحة العليا حتى لو غضب البعض ولكن للأسف يصدق دائما ما أراه ولايدركه الآخرون ولم أبخل بالنصيحة لكل النظم طمعا فى مصلحة مصر وحدها ومن أجلها تكون الصداقات والخصومات. وقد لاحظنا فى تأصيل هذه المرحلة ملاحظتين خطيرتين. الملاحظة الأولى هى أن الشعب يثور عادة على الحاكم صاحب السلطة لأن السلطة تنحرف كما أنها تسيل لعاب من يحلمون بها واستبد بهم الشوق إليها وأعماهم طلبها عن رؤية الواقع والحقيقة. وإذا كان الشعب بعد ثورة 25 يناير قد أضمر الكراهية لنظام مبارك ورجاله بسبب الفساد فاختلط على الناس نداءات المصالحة والعفو مع هذا النظام الفاسد، فإن هذه الميوعة من جانب النظام ورهانه على الوقت وتعايشه مع الفساد كان ضمن أسباب أخرى من أسباب سقوط الحكم فى كل الاحوال. . وفى الوقت الذى ذابت فيه كراهية الشعب لنظام مبارك، لأسباب كثيرة أهمها تدهور أحواله، فقد احتشد الشعب بمن فيهم نظام مبارك لإسقاط الإخوان المسلمين وتتسع الكراهية لهم كل يوم، وهى قضية يجب أن تنال حظها من الدراسة الموضوعية وأن نبتعد عن تداعيات السقوط لأى نظام وما أحزننى حقا فى هذا المقام أن ينسى الناس أساسيات الأشياء فى فورة الحب أو الكراهية فالذين هتفوا ضد العسكر هم الذين استنجدوا بالعسكر فاذا قضوا منهم وطرا عادوا مرة أخرى ينادون بسقوطهم وهو ما سيحدث قطعا مما يجعل المصالحة الوطنية بعيدة المنال. ولذلك فمن المهم أن يقطع دائرة التداعيات الخطيرة ضد الإخوان المسلمين كجماعة وأن يقتصر التحليل على سلوكهم فى الحكم رغم أن الفصل بين الأثنين بنفس الصعوبة التى عجز فيها الناس عن فهم العلاقة بين الجماعة والرئيس مع التسليم بأن الشعب فى الدول الديموقراطية يقبل العلاقة العضوية بين الرئيس والحزب الذى ينتمى إليه لأن برنامج الحزب هو برنامج الرئيس سواء على المستوى الرئاسى أو المستوى التشريعى ومعنى نجاح الرئيس فى الانتخابات أن الشعب يوافق على تطبيق برنامج الحزب على الدولة كلها ولكن الحزب عادة يحكم ولا يملك أى أنه يدير الدولة ولا يصبح جزءاً من بنيانها وتخضع سياسات الحزب للقانون والمساءلة والشفافية، وهذه يجب أن تكون جزءا من ثقافة الشعب عندنا. ويخطئ من يظن أن الثنائية الجديدة قد أصبحت بين الإخوان والشعب بعد سقوط الحكم، فلايصح أن تصبح القاعدة ويل للمهزوم لأن المعركة لم تكن عسكرية بل كانت رهانا على ثقة الشعب وقد عبر الشعب غير الإخوانى عن رأيه ولذلك لايمكن إهدار رأيه فلنأخذ الشعب كما هو لا كما نحب ان يكون وهذا هو أهم الفروق بين السياسة والفلسقة أو علم الأخلاق .كما يخطئ من يظن بأن الجيش هو الذى أسقط الحكم من تلقاء نفسه أو أنه تربص به بل أنه إذا صحت الرواية فإن نصيحة وزير الدفاع كانت لها وجاهتها. كما لايجوز أن يظن أحد أن الثنائية الجديدة قد أصبحت بين الجيش والإخوان،فكلاهما جزء عزيز من هذا الوطن، كما لايجوز فى هذه المرحلة على الأقل أن نتوقف طويلا عند مقولة أن الجيش لن يترك السلطة للمدنيين، لأن الشعب مُصرّ على ألا يتراجع أى نظام عن الحريات التى قررتها ثورته كما لايجوز التمييز بين المواقف والأطراف، فالجيش ملك مصر والإخوان جزء من الشعب المصرى ولذلك يجب الإسراع فى تنفيذ البرنامج الذى بدأت به فى المجلس القومى لحقوق الإنسان حول الوفاق الوطنى وهو أشمل من المصالحة ويحقق التنشئة السياسية والثقافية السليمة. ولذلك يتعين على كل الأطراف أن يسلك سلوكاً يتفق مع المصلحة العليا للوطن ولا يتسع المقام لتفصيل واجبات كل رغم ضرورتها الملحة ولكنى أدعو إلى تبصر العواقب الوطنية فلا يجوز للجيش أن يضمر حقداً على الإخوان أو غيرهم وألا يظن أن معركته ونصره هو مع الإخوان لأنه جيش الوطن كله كما لا يجوز للإخوان أن يستهدفوا الجيش. فالذى أسقط نظام مبارك هو تماديه فى الفساد مما أقام ثورة الشعب فيتدخل الجيش لإنهاء أو فك الاشتباك بين نظام يتهاوى وبين شعب ثائر وفى 30 يونيو تضافرت أخطاء الحكم وضعفه وعجزه مع المؤامرة عليه وعدم إدراكه للواقع فتدخل الجيش لفك الاشتباك بين الحكم والشارع ولذلك فإن استمرار الصراع بين الإخوان والجيش ووقوفهم عند لحظة الشرعية الدستورية وعدم الالتفات إلى الشرعية السياسية سوف يضر بالإخوان وبالجيش والتيار الإسلامى وبالإسلام وبالوطن. أننى أتفهم تماماً مشاعر الإخوان ولكننى أنظر إلى خارج دائرة اللحظة تماماً كما كان موقفى معهم فى مواقف متعددة لاأظن أن الوقت مناسب لتفصيلها. فالترشيح لمنصب الرئيس فى بيئة متربصة داخلياً وإقليمياً ودولياً وأمام يقايا نظام جريح يريد استرداد ملكه أو إفساد كل محاولات الإصلاح جعل الأمور غير مفاجئة . وفى كل الأحول فإن ميزان المصلحة الوطنية لم يهتز مطلقاً فى يدى فمن أجل مصر ساهمت فى الثورة على نظام مبارك واستقلت من وزارة الخارجية تعبيراً على ذلك ومن أجل مصر وحتى لا تنتخب الثورة النظام الذى قامت ضده دعمت مرشح الثورة ومن أجل مصر نصحت وحذرت والآن ومن أجل مصر أيضاً أرسم خارطة الطريق إلى مصلحة الجميع ولم أضع يوماً مصلحتى الشخصية فى الاعتبار وكان موقفى هو أن الاستفتاء على الرئيس يحقق مصلحة الجميع، خروج مشرف، الحفاظ على الدستور وعلى مجلس الشورى والبناء عليهما وأخيراً احترام إرادة الشارع غير الإخوانى بصرف النظر عن العناصر الذى انضمت لهذه وحركتها وساهمت فى تقويض حكم الإخوان. أن مصر بهذه الطريقة يمكن أن تفلت من قبضة هذه الثنائية البغيضة إلى آفاق التعددية الارحب ولتكن الحكمة السياسية ومصلحة الوطن الطريق المسؤول إلى الغد المشرق بإذن الله.