عندما قامت الثورة وبدأت المرحلة الأولى بعدها فى 11 فبراير تحت حكم المجلس العسكرى حاولت مصر أن تنهض فتعثرت ثم حاولت مرة أخرى بعد انتخاب الرئيس الأول ولكنها تعثرت وهاهى للمرة الثالثة تحاول النهوض وتهيئة الأوضاع لترجمة أهداف ثورة 25 يناير إلى حقائق على الأرض، ولذلك أردنا بهذه المقالة أن نحيط هذه المحاولة بكل الضمانات لنجاحها لأن مصر لن تحتمل سقوطاً جديداً، ركزنا على أهم الدروس اللازمة للمرحلة الجديدة وعلى أهم التحديات التى يجب الالتفات إليها. فلا يجوز أن تمر أحداث الثورة على الدكتور محمد مرسى دون دراسة وتأمل واستخلاص للعبر. ولكن هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر ما بعد الثورة لا تتسع الآن لتقييم شامل ولكن يكفى أن نشير فى هذه المقالة إلى مجموعتين من الملاحظات. المجموعة الأولى تتعلق بأهم الدروس الفورية وهى الدرس الأول: أن الحاكم فى مصر لابد أن يركز على التواصل مع الشعب وتحقيق الانجازات المعيشية واشراك الشعب الذى يعنى الآن الشارع وهو يفوق البرلمان فى القرارات والحسم وعدم التردد فيها بعد دراستها والحزم الكامل فى تنفيذها. صحيح أن الدكتور مرسى لم يكن يملك أدوات السلطة والناحية العملية ولكن ضعف الإدارة والتركيز على سلامة القصد دون الالتفات إلى ما يحدث فى الشارع فوت الكثير من الفرص الثمينة فضلاً عن الأخطاء القاتلة التى لا مبرر لها وخلق حالة من التوتر بين أجهزة الدولة تحلها السياسة وليس معايير الصحة والخطأ. الدرس الثانى: أن الشاراع المصرى الذى دعم الرئيس فى البداية بدا عند عزله وكأنه شارع آخر ولذلك فإن الشارع اليائس يسهل التأثير عليه. والدرس الثالث: هو أن مصر كما نقول دائماً تمصر كل شئ ولها طابع خاص ولابد أن التعامل مع متعدد فى كل شئ. وقد يكون من المبكر أن نقول أنه لا يمكن ضمان الشارع بالتمنى وباعتباره قضية مسلمة لأن عدم احتواء السلطة له مهما كانت اسبابها خلق مناخاً مريحاً لكل الاتجاهات. الدرس الرابع هو أن الحكم فن وله مهاراته خاصة بعد ثورة فتحت مسام الشعب ومنحته حريات غير مسبوقة ولذلك يحتاج إلى نوعية خاصة من الحكام للتعامل معه أهم خصائص هذه النوعية أنها تبعد الدين عن مجال السياسة وتعمل بأسباب الدنيا مع شعب عرف التوحيد والإيمان بشكل تلقائى ولذلك احتضن كافة رسالات السماء ولكنه دافع عن جوهر الدين وهو حرية الاعتقاد مع مراعاة مختلف الثقافات والشرائع والسلوكيات ولعل الفراعنة هم أول من اهتدى إلى هذه الحقيقة فكان شعارهم «عيش ودع غيرك يعيش». الدرس الخامس: هو أن مصر بحاجة إلى نخبة سياسية قوية وإلى أن يركز الحاكم على الاحتياجات البيولوجية مع الكرامة ولكن مع العقل والثقافة فنحن بحاجة إلى العقل والحرية معاً ولا يمكن الفصل بينهما ولهذا السبب فأننا سوف نشرع للاعداد لثقافة المجتمع فى جميع المجالات لأن الاستبداد والخرافات لا تزدهر إلا فى حالات تعطيل العقل وفساد القدوة. هذه المقدمة تقودنا إلى ضرورة الاسراع فى التنبية إلى التحديات التى تواجه المجتمع الذى حاول أن ينطلق نحو الديمقراطية والرخاء ولكنه لم يتمكن بسبب ضعف القيادة واتاحة الفرصة لقوى مناهضة لتقدم المجتمع مما جعل لشعارات الخروج على الحاكم بريقًا عند الناس وفى هذه النقطة لابد أن تجرى جماعة الإخوان المسلمين تقييمًا موضوعيًا منصفًا لكل شىء، لأن التحدى الأول الذى واجه المرحلة الجديدة بعد فشل تجربة أول رئيس منتخب هو: ضرورة البحث عن قواسم مشتركة لشركاء المرحلة الجديدة التى لا يجوز أن تنفى أحدًا فى تشكيل أسس الحوار المؤدى إلى المصالحة الجديدة. إذا كان الحكم قد أخطأ وعجز فلابد لكل الشركاء أن يدرسوا بأمانه وحرية سبب هذا العجز ولا يجوز أن يكون فشل النظام السابق سببًا فى عدم احترام القانون أو الحيف على حقوق الجميع إذا أردنا مصالحة حقيقية. التحدى الثانى: هو تشكيل وانجازات الحكومة الجديدة، لأن ذلك سوف يدخل مقارنة عفوية بينها وبين الحكومات السابقة. التحدى الثالث: هو الأمن والحالة النفسية للمجتمع المصرى وتخفيض الأسعار وتوفير الاحتياجات وتشغيل الشباب، وكذلك نشر الثقافة القانونية والعامة فى المجتمع قبل إعادة الكرة لبناء النظام السياسى الجديد، ولذلك نأمل أن تنضج المشاعر والعقول قبل إجراء الانتخابات القادمة فى البرلمان والرياسة وإعادة الاعتبار لقيمة نتائج الصندوق ولابد أن يفهم الحاكم أن قدسية الصندوق لابد أن تتكافأ مع فعالية الأداء والانجاز. التحدى الرابع: هو أنه لا يجوز الخلط بين كل من أجرموا فى حق الوطن وبين الذين شاركوا فى ثورة الشعب المصرى على مبارك وعلى نظام الإخوان المسلمين فالأولى ثورة على الفساد والثانية ثورة على العجز وعدم الإدراك الحقيقى بطبيعة المصريين وفى كل الأحوال فإن الثقافة لابد أن تسبق الديمقراطية فلايمكن أن تستقر مؤسسات الديمقراطية إذا لم تغمرها ثقافة ديمقراطية عند النواب وعند الناخبين. التحدى الخامس: ضرورة التوفيق بين حتمية الاسراع بإنهاء هذه المرحلة الاستثنائية وبين ضرورة نضج الاجراءات المؤسسة لما بعد هذه المرحلة. التحدى السادس: يتعلق بترتيب أولويات المرحلة وهى الدستور أولاً ولكننا نحذر من استغلال الثورة الجديدة على الاخوان المسلمين للتنكيل بهم أو بغيرهم أو أن يمتد السخط على التيار الإسلامى بأكمله أو أن يتم العبث ببعض الأحكام الاساسية فى الدستور على افتراض أن الذين يدافعون عن هذه الأحكام قد انفض جمعهم وذهبت ريحهم، لأن الدستور لا يجب أن يوضع على أساس توازن القوى فى لحظة معينة وإلا تغير الدستور مع كل تغيير لهذا التوازن. وأعتقد أنه يجب أن ننظر بعين الاعتبار إلى الظروف التى وضع فيها الدستور والمعارضة الإعلامية له بحيث تركت انطباعاً قوياً عند الشعب الذى لم يقرأ معظمه هذا الدستور بأن الدستور من صنع الإخوان المسلمين والصق الإعلام به الكثير من الصفات كما برر نسبة 64% الذين أيدوا الدستور رغم الدعاية القوية ضده بأنه من صنع التيار الإسلامى وكأن التخلص من هذا الدستور أحد مكاسب هذه الثورة. والمشكلة الحقيقية فى هذا الدستور هى أنه قرئ للناس فى إطار الحرب الباردة بين المعارضين والسلطة، ولذلك يجب أن يقوم بتعديل الدستور لجنة من المتخصصين والشخصيات العامة التى تضمن للدستور موضوعية تتجاوز الظرف السياسى الذى يتم فيه التعديل وهو ظرف مناقض تمامًا للظرف الذى وضع فيه. ونصيحتى هى أن يتم تدريس الدستور لهذا الشعب بشكل موضوعى ثم تتم المناقشة فيه بشكل علنى حتى يستفيد المصريون من الثقافة الدستورية ومن الفكر الدستورى الذى تشكله المناظرات والمحاورات؛ لأن وعى المصريين وثقافتهم هى الصمام الواقى لعدم الخروج على الدستور وضمان احترامه من الحاكم والمحكوم. تلك نظرة أولى لما حدث وتحذير لما قد يحدث ولذلك فإننا نعيد فى نهاية هذا المقال التأكيد على الدروس المستفادة والتى أشرنا إليها والدروس الأخرى التى يجب استخلاصها عندما يحين الوقت لتقييم ما حدث وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية. ويتصل بهذه الدروس التنبيه إلى التحديات، فلا يمكن أن نكرر الأخطاء ومصر لا تحتمل مزيدا من التجارب ولهذا لابد من الحذر عند اختيار الأشخاص وعند رسم القواعد. فلايجوز أن تظل مصر بعد الثورة فى مرحلة انتقالية تلغى اجهزتها بعضها بعضاً أو تنحرف بعض الأجهزة أو تتورط وأخشى أن يكون الجيش المصرى هو المستهدف فى هذه المرحلة بعد أن تم تصفية الجيوش العربية الأخرى وهى ظاهرة نبهنا إليها فلا نريد للجيش أن يدخل فى عمليات استنزاف كما لا نريده أن يرتكب ما يستحق المؤاخذه ونأمل أن يكون الجيش والشرطة يداً واحدة ضد الخروج على القانون والإجرام وتهديد الأمن وألا يتم المساس بالحريات لأى فصيل، لأن ثورة 25 يناير منحت هذه الحريات فلا يجوز لثورة الاحتجاج على نهج معين فى الحكم وتصحيح مسار الثورة الأولى أن يجور على الحريات والحقوق التى كانت نتنظر التقنين والحماية. أكرر التنبيه إلى دقة عملية المصالحة ودقة مراجعة الدستور كما أننى اؤيد فتح حوار موضوعى حر حول قضايا المصالحة وقضايا الدستور دون قهر أو تحيز داخلى أو خارجى وأن نضع فى أذهاننا جميعًا أن مصر أمانة فى أعناق أبنائها المخلصين ولن تكون فريسة للمتآمرين والمندسين بين الصفوف فى الجنازات والحفلات، فنحن ممن يحرسون المؤشر الوطنى المصرى وسط هذه الأنواء المتلاطمة والتيارات العنيفة، فقد عارضنا فساد نظام مبارك وأيدنا النظام الجديد وارتبط التأييد بآمال كبار ثم بذلنا النصيحة المخلصة والنقد الموضوعى فى الجلسات الخاصة والإعلام وقدرنا أن ميزان المصلحة الوطنية يتطلب شجاعة الإفصاح فمن أجل مصر عارضنا نظام مبارك بكل أدب ومن أجل مصر اعترضنا على مهج الحكم فى العهد الجديد وسوف نواصل الامساك بميزان المصلحة الوطنية فى الوقت الراهن مادمنا لانريد سوى مصلحة هذا الوطن وهى سمه دائمة نفخر بأنها من أهم معالم تاريخنا،فالحب والكراهية فى الوطن ولمصلحته دون غيرها.