جاء قرار الصين بإرسال قوات أمنية ضمن بعثة حفظ السلام الدولية بمالى والتى بدأت مهامها فى الأول من الشهر الحالى ليشكل تغييرا تاريخيا فى سياستها الخارجية، مما أثار التساؤلات بشأن الأسباب التى دفعت بكين لهذا التحول الجذرى فى مفهومها للمشاركة فى قوات حفظ السلام الدولية. ووفقا لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطنى يانج يوجون إن حوالى أربعمائة جندى صينى سينضمون إلى بعثة حفظ السلام الأممية فى مالى، وأشار إلى أن هذه أول مرة تعمد فيها الصين إلى إرسال قوات مسلحة للمشاركة فى مهمة حفظ سلام، إلا أنه أوضح أن قوات حفظ السلام الأممية لا تلعب أى دور قتالى، مشددا على أن الهدف من وجود هذه القوات هو مساعدة الدول المعنية على استعادة السلام والحفاظ عليه وتفادى الحروب ومراقبة وقف إطلاق النار. ولفت يوجون إلى أن مهمة قوات الأمن الصينية ستكون الحراسة وضمان أمن مقرات البعثة الدولية وأماكن إقامة قواتها وأن القوات الصينية ستلعب دورا بناء فى حماية السلام والاستقرار فى مالى والمنطقة بأكملها. ومنذ انضمامها إلى الأممالمتحدة فى عام 1971، كانت الصين ترفض المساهمة فى بعثات حفظ السلام للمنظمة الدولية باعتبارها تدخلا غير مبرر فى الشئون الداخلية للدول، وفى عام 1992 بدأت تشارك فيها حتى وصل اليوم عدد أفرادها المشاركين فى بعثات حفظ السلام الأممية فى جميع أنحاء العالم نحو ألفى شخص، مما يجعلها المشارك الأكبر فى بعثات حفظ السلام بين الدول الأعضاء الدائمة فى مجلس الأمن الدولى. ومع ذلك، لم تشارك الصين من قبل بقوات أمنية واقتصرت مساهماتها على المهندسين والأطباء وعاملى النقل والإغاثة، وهو ما أرجعته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إلى سياسة بكين الخارجية التى تقوم على عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى ورفضها استخدام القوة العسكرية فى تسوية النزاعات، إضافة إلى حرص الحكومة الصينية على عدم إثارة القلق العالمى بشأن النمو السريع لقوتها العسكرية، إلا أن القيادة السياسية والعسكرية للصين، حسبما تقول الصحيفة، أصبحت تدريجيا أكثر مرونة خلال السنوات القليلة الماضية حيث اعترفت البيانات الصادرة عنها بأن تعطش الصين للموارد وكذلك تنامى استثماراتها بالخارج قد وسع مصالحها إلى ما أبعد من محيطها المجاور. وأشارت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الصينى وانج يى، فى أول خطاب له لتحديد الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الصينية منذ توليه المنصب فى مارس الماضى، أكد أن بكين لا تريد رؤية العالم لها على أنها تغير سياستها الخارجية جذريا مع صعودها كقوة عالمية، مشددا على مبادئ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى ورفض القوة العسكرية كوسيلة لحل النزاعات، ولكنه ذكر أيضا حاجة بكين إلى الموازنة بين سياستها الخارجية ومصالحها المتنامية فى العالم. وتقول «فاينانشيال تايمز» إن الجيش الصينى كان يدرس إمكانية إرسال قوات أمنية ضمن بعثات السلام الأممية منذ أربع سنوات على الأقل، وأنه فى وقت مبكر من العام الماضى اتخذ خطوة تمهيدية بإرسال بعض أفراد المشاة ضمن بعثة إلى جنوب السودان وتم توليتهم مسئولية حراسة وحماية زملائهم من الأطباء والمهندسين. ورغم أن مشاركة الصين فى مالى لا تختلف عن تلك فى جنوب السودان فإن بيان الحكومة أظهر أن إرسال قوات أمنية أصبح الآن سياسة مقبولة، حسبما تقول الصحيفة البريطانية. أما صحيفة «التليجراف» البريطانية فترى أن هذه الخطوة من قبل الصين تشكل بادرة حسن نية نحو فرنسا وقوى غربية أخرى لتهدئة التوترات بشأن سوريا، إضافة إلى ما تستلزمه مصالح الصين المتنامية فى القارة السمراء من تقوية علاقاتها مع الدول الأفريقية حيث تعتبر الصين مستثمرا رئيسيا للنفط وموارد أخرى بأفريقيا. أما موقع «ميليترى» العسكرى الأمريكى فقد أشار إلى التنافس بين واشنطنوبكين لتعزيز نفوذهما فى القارة السمراء وحماية مصالحهما فيها، حيث لفت الموقع إلى أن إعلان الصين عن إرسال قوات أمنية إلى مالى تزامن مع جولة أوباما الأفريقية، وأوضح الموقع الأمريكى أن النفوذ المتنامى للصين فى أفريقيا هو جزء من جهود بكين المستمرة لتوسيع نفوذها الاقتصادى والعسكرى دوليا لتحدى وضع الولاياتالمتحدة كقوة عظمى. وذكر الموقع أن الصين حلت فى السنوات الأخيرة محل الولاياتالمتحدة كشريك تجارى أول لأفريقيا، كما أن للصين مصالح تعدينية وتجارية أخرى فى القارة، وفى الوقت نفسه، أشار الموقع إلى تنامى النفوذ الأمنى الأمريكى بالقارة حيث قام الجيش الأمريكى بأدوار تدريبية واستشارية مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء لدعم الحكومات المحلية ومواجهة تأثير الجماعات التابعة للقاعدة، كما قدمت الولاياتالمتحدة خدمات لوجيستية ومخابراتية واستطلاعية للقوات الفرنسية فى مالى.