لا نريد للقارئ العربى أن يقع فى الأوهام، كما لا نريد أن يقع ضحية اليأس من الحالة الفلسطينية، كما لا نريد من ناحية ثالثة أن ينساق مع الاتجاه المستسلم فى العالم العربى والقائم بأن العالم العربى والعالم كله لن يتحرك فى القضية الفلسطينية قبل أن يتحرك الفلسطينيون بجدية نحو المصالحة. وعندما عالجنا مخاطر الشقاق فى فلسطين على القضية فى كتابنا بهذا العنوان الصادر فى القاهرة فى أواخر 2010 كان واضحاً لنا أن الشقاق هو آخر مراحل تصفية القضية الفلسطينية، ولكن هذا الشقاق كان الرأى فيه منقسما بين من يريدون أن يتركوا الفلسطينيين فى هذا الشقاق بحجة أن هذا شأن داخلى فلسطينى وبين من استشعر الخطر وحاول أن يكسر الهوة بين الإخوة لكى يتجاوزوا الكثير وأن ينظروا معاً إلى مستقبل أفضل مشترك. وقد همت مصر والسعودية إلى محاولة المصالحة وفشلت هذه المحاولات جميعاً لأنها أحياناً قفزت فوق الواقع وحاولت تجاوزه دون أن تذيب المعوقات ودون أن تدرك الحقيقة الغائبة وهى أن إسرائيل والولاياتالمتحدة خططتا بدقة حتى يظل الشقاق محتدماً وظل هذا الموقف سارياً ومانعاً لأى جهد عربى معاكس، بل إن نظام مبارك فى مصر كان أقرب إلى التماهى مع الموقف الإسرائيلى وقد صرح مبارك نفسه بأن حماس جزء من أعدائه «الإخوان المسلمين» وأن هزيمتها فى فلسطين واستمرار الصراع بين الفلسطينيين إضعاف للإخوان المسلمين فى مصر، كما لم يكن ممكناً أن يتقبل مبارك أن تكون حماس منظمة مقاومة ضد إسرائيل التى كان مبارك على حد قول الإسرائيليين أنفسهم كنزهم الاستراتيجى. والحقيقة أن إسرائيل بدأت بعدد من السياسات بدعم أمريكى للوصول إلى مرحلة الشقاق الفلسطينى، وهذه السياسات انصب بعضها على إضعاف العالم العربى وإبعاده عن فلسطين، وانصب بعضها الآخر على الاستفادة من الحمى ضد الإرهاب وكأن العالم العربى قد غسل يديه من المقاومة ضد إسرائيل خوفاً من أن يوصم بمساندة الإرهاب، بل إن دعم أسر الشهداء اعتبر تمويلاً للإرهاب، فضلاً عن أن الدول العربية نأت بنفسها عن المقاومة خوفاً من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. كذلك عمدت إسرائيل إلى تجفيف مصادر دعم المقاومة وجعلت الشقاق الأهم بين منهج السلطة القائم على التفاوض ولو بلا أمل و منهج المقاومة الذى لا يرى التفاوض بلا أوراق أملاً فى حل عادل. ويدرك الفلسطينيون أن المقاومة والتفاوض لا يعمل كل منهما بمعزل عن الآخر، كما أنهما يحتاجان إلى إجماع الشعب الفلسطينى والدول العربية، ولذلك نجحت الثورة الجزائرية لأنها حققت هذين الشرطين: الإجماع الوطنى والدعم العربى. وقد كان ما يحدث فى سوريا أكبر ضربة للصف الفلسطينى ولأوراقه باعتبار أن إيران التى تدعم المقاومة منغمسة فى حرب استنزاف لها ولحزب الله فى سوريا وبذلك تعلو كافة إسرائيل وتتسم علامات القلق على المقاومة. صحيح أن المعادلة فى فلسطين يجب ألا تكون بين إسرائيل والمقاومة إنما يجب أن يكون للعالم العربى والعالم دور فى فك الاشتباك بين إسرائيل والشعب الفلسطينى. ولعله من الواضح أن الشقاق الفلسطينى ليس هو المشكلة لأنه أثر من آثار تدهور الحالة العربية أمام إسرائيل وإنما جاء الاهتمام العربى بهذا الملف نظراً لأنه يؤدى إلى تآكل العمود الفقرى الفلسطينى، ولا يحتاج المراقب إلى عبقرية لكى يدرك أن الأحدث فى سوريا سوف تؤثر تأثيراً فادحاً على فلسطين مهما خلصت النوايا وأدخل البعض أطرافًا أخرى فى هذه التسوية. نقطة البداية هى عودة العالم العربى لاحتضان الشعب الفلسطينى وتغطية العظم الفلسطينى الذى صار منكشفاً يتعرض لكل صور الهلاك، كما انفردت إسرائيل بكل قوتها وتحالفاتها ضد شعب لم يعد له سوى البقاء فى أرضه أو أن يدفن فيها. وليس معنى ذلك أن نتغاضى عن كل ما يؤدى إلى التقريب بين الفلسطينيين وكلهم ضحايا ظروف واحدة ضاغطة ولا نستطيع أن نطعن فى وطنية أحد ولكننا نقرر الحقيقة وهى أن إسرائيل تعرف ماذا تفعل وأنها تقف ضد المصالحة وأنها خلقت اوضاعاً تساعدها على ذلك. ولكن معنى ذلك هو أن إعادة اللُحمة الفلسطينية هى نتيجة لإعادة اللُّحمة العربية لفلسطين ولا يمكن أن يظل الشقاق الفلسطينى سبباً فى تخلى العرب عن مؤيدهم فى دعم فلسطين.