مازال حلم الهجرة إلى أوروبا يراود كثير من الشباب الإفريقى لدرجة أن بعضهم قد يجازف بحياته من أجل تحقيقه، غير أن الواقع يحمل صورة قاتمة تحول أحلام هؤلاء الشباب إلى كوابيس مفزعة، حيث يواجهون ظروفا غاية فى القسوة، وقد ينتهى بهم المطاف فى مراكز الاعتقال المعدة خصيصا لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين بالدول الأوروبية، والتى تتعرض لانتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان. وكشف تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» أن مراكز اعتقال المهاجرين غير الشرعيين فى ايطاليا - حيث يتم احتجازهم لشهور قبل ترحيلهم - لا تختلف كثيرا عن السجون. وذكرت الصحيفة الأمريكية أن أكبر هذه المراكز ويسمى «مركز تحديد الهوية والطرد» يتكون من صفوف من ثكنات منخفضة الارتفاع مقسمة إلى وحدات فردية ويفصل بينها أسوار معدنية طويلة. هذه الوحدات يتم إغلاقها ليلا. ويضم المعتقل كاميرات مراقبة. ويرتدى بعض الحراس ملابس مكافحة الشغب. ويسمح للمعتقلين بالتحرك فى مناطق محددة خلال النهار ولكن يتم إجبارهم على ارتداء أحذية بدون نعال أو أربطة حتى لا يضرون أنفسهم أو الآخرين. وبعد واقعة تمرد فى قسم الرجال، تم حظر الأدوات الحادة بما فى ذلك الأقلام الحبر والأقلام الرصاص والأمشاط. وتشير الصحيفة إلى أن المركز الذى يقع فى ضاحية بونتى جاليريا بالعاصمة روما هو واحد من 11 مركزا فى ايطاليا يتم استخدامها لاعتقال الأشخاص - بعضهم يعيشون فى ايطاليا منذ سنوات - الذين يفتقرون إلى تصاريح العمل أو الإقامة أو الذين انتهت صلاحية أوراقهم. وبينما تزعم السلطات الايطالية أن هذه المراكز ضرورية لتنظيم الهجرة غير الشرعية وأنها تتفق مع مبادئ الاتحاد الأوروبى، فإن مثل هذه المراكز فى ايطاليا وغيرها من الدول الأوروبية تتعرض لانتقادات شديدة من قبل منظمات حقوق الإنسان التى تؤكد أنها غير إنسانية وغير فعالة ومكلفة. وفى إيطاليا، يقول المنتقدون إن هذه المراكز تعكس سياسات تساوى بين الهجرة والإجرام، وتغفل الفوائد الاقتصادية التى يمكن أن يجلبها المهاجرون، وتفشل فى مراعاة طبيعة المجتمع متعدد الثقافات. وتلفت «نيويورك تايمز» أنه بعد التغيير الذى أجرى فى القانون الإيطالى فى عام 2011، أصبح بالإمكان احتجاز المقيمين بصورة غير شرعية فى ايطاليا لمدة تصل إلى 18 شهرا بينما يتم تصحيح وضعهم. وتعترف السلطات الايطالية بأن أعمال العنف ومحاولات الهروب أصبحت أكثر شيوعا منذ ذلك الحين. وعندما حاول مراقبون من «أطباء من أجل حقوق الإنسان»، وهى مجموعة إيطالية، زيارة مركز «تحديد الهوية والطرد» فى يوليو الماضى، تم منعهم من الوصول إلى مناطق الاحتجاز «بسبب التوترات بالداخل» حسب تقرير أصدرته المجموعة فى مايو الماضى. وأوضح التقرير أنه عندما زار عاملون من المجموعة المركز فى أبريل 2012، كان ثلث المعتقلين البالغ عددهم 120 شخصا يتناولون المهدئات أو الأدوية المضادة للقلق. وذكر مدير المركز أنه كان هناك 156 حالة إيذاء للنفس بين المعتقلين فى عام 2011، وأن الاكتئاب شائع فى جميع المراكز. ورغم أن حالات الانتحار نادرة، ولكنها تحدث. ووفقا للتقرير، فإن مراكز الاعتقال منذ إنشائها قبل 15 عاما «أثبتت أنها غير قادرة على ضمان الكرامة وحقوق الإنسان الأساسية». وتشكو إحدى المعتقلات بالمركز- وهى نيجيرية تبلغ من العمر 24 عاما - حالها قائلة:«فى إيطاليا، لا يوجد حرية. من المفترض أن هذا معسكر، وليس سجنا. نحن نعامل مثل العبيد، ولكننى إنسانة. أريد الحرية». إضافة إلى ذلك، تقول «نيويورك تايمز» إن المعتقلين يعانون ضغطا نفسيا شديدا لعدم معرفة متى سينتهى احتجازهم، مما يعد أسوأ من السجن حيث توجد فترة محددة للاعتقال. وتشير الصحيفة إلى أنه بالرغم من اختلاف طول فترة وظروف الاحتجاز فى المراكز من بلد إلى آخر، إلا أن إيطاليا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التى تتعرض للانتقادات فى تشغيل هذه المرافق. ففى مالطا وبريطانيا، يتم احتجاز المهاجرين لمدة تصل إلى 12 شهرا، ثم يتم الإفراج عنهم، مما يثير التساؤلات بشأن فائدة احتجازهم من الأساس. وتتعرض اسبانيا لانتقادات بسبب إيواء المهاجرين فى خيام، وهولندا لإبقائهم على المراكب. وبالرغم من هذه الانتقادات، ذكر تقرير لوزارة الداخلية الايطالية عام 2013 أن مراكز الاعتقال لا غنى عنها، وذلك بالرغم من اعتراف التقرير بعدة مشكلات من بينها الغياب التام للأنشطة داخل المراكز، مما يؤدى إلى زيادة فى العدوانية والشعور بالضيق، وازدياد التوتر بين المهاجرين والشرطة. ودعا التقرير لإصلاح النظام، ربما بوضع جميع المراكز تحت إدارة واحدة، وذلك بهدف توحيد جودتها وجعلها أكثر فعالية من حيث التكلفة. ولتقليل أعمال العنف المتكررة، أوصى بعزل مرتكبيها «لفترات قصيرة من الوقت». ومن جانبها، تقول الجماعات الحقوقية إن التوصية تعتبر خطوة فى الاتجاه الخاطئ. وفى هذا السياق، يقول بييرو سولدينى الذى يشرف على إدارة الهجرة للاتحاد العام للعمال، وهى نقابة ذات ميول يسارية، إن التوصية تؤدى إلى زيادة القمع، فى حين أن التحدى الحقيقى الذى يواجهنا هو إظهار أنه بإمكاننا الاستغناء عن هذه المراكز.