أشار تقرير لجنة الصحة بمجلس الشورى إلى أن هناك 9% من الشعب المصرى يتعاطون المخدرات، هذه النسبة تمثل نحو 7 ملايين مواطن، مقدرًا قيمة ما ينفق على المخدرات فى مصر بنحو 25 مليار جنيه بعد أن وصل سعر دولار المخدرات إلى ثمانية جنيهات! وأشار التقرير إلى أن 12% من المتعاطين للمخدرات هم أمل مصر ومستقبلها من طلاب المدارس والجامعات، وما حفزنا لإعداد هذا الملف هو الجهود التى تبذلها الإدارة العامة للمخدرات فى مصر، وآخر قضية هزت الرأى العام مؤخرا هى ضبط أكبر صفقة مخدرات فى مصر عن طريق البحر وكانت مركبا محملة بحوالى 22 طنًا من المخدرات. فى هذا الملف نستعرض ما حدث فى مصر بعد ثورة 25 يناير وآثار الانفلات الأمنى لندق ناقوس الخطر عما يواجه شباب مصر، والتطور التكنولوجى فى التهريب، وغيرها من الموضوعات المتعلقة بنفس القضية. قلاع " الصنف " وأباطرة تجارة الموت لا يمكن الحديث عن المخدرات فى مصر دون الكلام عن حى الباطنية المشهور فى القاهرة الذى صنع أباطرة الكيف فى مصر وظل نصف قرن أشبه بالقلعة المحصنة التى يصعب اقتحامها بسبب طبيعته الخاصة. يقع هذا الحى فى حضن جبل المقطم فى منطقة الدراسة ولا تزيد مساحته على ثلاثة كم، وتتميز شوارعها بضيقها وتعرجها وكثرة مداخلها ودهاليزه وسراديبه حتى أصبح مثل الشيكة المغلقة التى يصعب لغير سكانه التحرك فيه. هذه الطبيعة الخاصة مع كثرة «الناضورجية» الذين يطلقون صفارات الأنذار فى حال اشتموا رائحة الشرطة تقترب من المكان جعلت مهمة اقتحام قوات الأمن الحى بسياراتهم أمرا صعبا للغاية وبقى لسنوات مأوى لكبار تجار المخدرات فى مصر حتى وصل عددهم فى أوائل الثمانينات من القرن الماضى إلى أكثر من 700 تاجر مخدرات. ظهر منهم التجار الكبار الذين وصل حجم تجارتهم إلى مئات الملايين، ومن أشهرهم قوطة وأولاد نصار وظهرت فيه أشهر امرأة تاجرت بالمخدرات فى مصر وتدعى خضرة. وقد كانت المخدرات تباع فى شوارع الباطنية علنا، كأنك تشترى جبنا أو خبزًا.كان الزبائن يقفون أمام بائع «الصنف» فى طوابير طويلة أشبه بطوابير الجمعية الاستهلاكية ويدفعون المال إلى مساعد البائع، فيزن مساعد آخر البضاعة ويسلمها. كثيرًا ما كانت المشاجرات تنتهى بإسالة الدماء أنهارًا بلا أى رادع. وقد زادت ثروات هؤلاء التجار وازداد معها نفوذهم وسطوتهم وصراعاتهم أيضًا انقسم الحى فى فترة ما إلى فريقين هما فريق أولاد نصار من جهة وفريق أولاد خضرة من جهة ثانية واشتدت المنافسة بينهما، وكثيرًا ما كانت تصل إلى حد الاشتباك بالأسلحة النارية الآلية وسقوط القتلى من الفريقين، وغالبًا ما كانت تنتهى المسألة أمام جهات التحقيق إلى لا شىء نظرًا لخشية الشهود من الكلام. ويذكر أن عام 1962 قرر محافظ القاهرة إعادة تخطيط حى الباطنية لإنشاء شوارع واسعة بدلا من الحارات والأزقة الضيقة التى تجعل من عملية اقتحامها أمرا شبه مستحيل، لكن المشروع أجهض لعدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة، وفى عام 1972 وجهت قوات الأمن أول ضربة إلى تجار الباطنية، حين اقتحمتها قوات مدربة تدريبًا قويًا ومعها عدد من الكلاب البوليسية المتوحشة فى سيارات إسعاف لتفادى صفارات الناضورجية. منذ ذلك الحين اعتُمدت نوبات حراسة مسلحة فى الحى ورغم ذلك تلاحقت الضربات القاسية على أباطرته حتى انتهت أسطورة أشهر بؤرة مخدرات فى مصر. مثلث الموت بعد الباطنية برزت أشهر بؤرة للمخدرات فى مصر وعرفت بالمثلث الذهبى حيث تتكون من ثلاث قرى وهى كوم السمن، والجعافرة، والقشيش وهى تابعة لمركز شبين القناطر فى محافظة القليوبية على بعد 30 كم شمال القاهرة، اشتهرت هذه المنطقة بتجارة المخدرات فى وضح النهار وكانت بؤرة لتجار المخدرات ومتعاطيها، يتجه إليها المدمنون بطبقاتهم. من الأثرياء بسياراتهم الفارهة والطلبة والعمال، حتى تلاميذ المدارس عرفوا الطريق إلى قرى المثلث الذهبى طلبًا لمخدر البانجو الذى طفى على السطح خلال العقدين الماضيين، ويضّم المثلث الذهبى أكبر تجار المخدرات فى مصر وأكثرهم لا يقيم فى هذه القرى خوفا من مداهمة الأمن، بل يعيش داخل القصور الفخمة معتمدًا على مساعدية فى إدارة تجارته. وقد ظلت هذه المنطقة لسنوات طويلة إحدى البؤر التى تؤرق رجال الأمن. كان صعب بأقتحامها رغم شهرتها بألإتجار بالمخدرات، لإخفاء التجار المخدرات فى مخابئ فى الأراضى الزراعية بعيدًا عن بيوتهم وأملاكهم والطرق المؤدية إلى هذه المخابئ وهى شديدة الوعورة، من الصعب بلوغها رغم ذلك تمكن رجال الأمن فى نوفمبر عام 1999 من اقتحامها مستخدمين الأعداد الكبيرة من القوات المدربة والكلاب البوليسية وتمكنوا من إلقاء القبض على 27 تاجرًا. كتكت وحورية كتكت وحورية شقيقان من عائلة اشتهرت بالإتجار بأنواع المخدرات مكونة ثروات بالملايين لكن السجن كان نهايتهما، ولعل البداية الحقيقية لهذه الأسرة فى إحدى خرائب منطقة الجيارة فى حى مصر القديمة فى القاهرة حيث عاشت فى كشك خشب أقل من متواضع، كان الخال عبده طاهر يتاجر بالحشيش والأفيون فطلب من شقيقته أم كتكت وحورية مساعدته فى تجارة الحشيش ثم تحولوا إلى الأفيون والكوكايين. كان كتكت يعمل لخاله وما لبث بعد فترة أن استقل عنه وأصبح «معلمًا» كبيرًا فى تجارة الصنف، حين ألقى القبض على خاله وأمه ودخلا السجن أشرك كتكت شقيقه حنفى فى تجارته، قرر الشقيقان اقتسام الحصص بينهما فأصبح كتكت امبراطور الحشيش وحنفى ملك البودرة،ثم قبض على الشقيقين وحكم عليهما بالسجن لمدة 15 عامًا فوجدت حورية مملكة شقيقيها خالية بلا وريث فنزلت بثقلها إلى الساحة وبذكاء شديد. مات كتكت فى السجن فواصلت هى المشوار فسيطرت على زمام الأمور فى زمن قياسى وسرعان ما أصبحت امبراطورة الهيروين، عرفت بصاحبة الباب الأخضر وهو باب العمارة المحصنة التى تقيم فيها، كان يقف المدمنون أمامها بالطوابير ويتبادل الصبية مع رجالها تذاكر الهيروين ويتناولون النقود، لم تظهر حورية أمام الناس على الإطلاق بل كانت تنتقل بين عدة شقق فى مناطق متفرقة ومعها جيش من المساعدين الذين يديرون تجارة الموت لحسابها. وقد فشل رجال مكافحة المخدرات فى القبض عليها متلبسة، فعمدوا إلى اعتقالها شهرا وخرجت بعد ذلك أكثر شراسة، لكن رجال المكافحة أصروا على الإيقاع بها مهما يكن الثمن، فقاموا بالقبض على رجالها الذين تحتمى بهم، ما جردها من اسلحتها فوجدت نفسها وحيدة، فلم تجد بدا من مباشرة نشاطها بنفسها والتعامل مع الزبائن مباشرة حتى ألقى القبض عليها متلبسة وقضت المحكمة بسجنها فمارست فى سجن النساء سطوتها على نزيلاته بأموالها، مما دفع إدارة السجون إلى إبعادها إلى سجن قنا فى الصعيد. أول تاجرة مخدرات تُعد خضرة عبد المجيد أشهر النساء المصريات اللواتى تاجرن بالمخدرات، بدأت نشاطها فى أربعينيات القرن العشرين ولم تنافسها أمرأة فى مجالها، كانت وأولادها أشهر عائلة فى مجال المخدرات وأقواها، نزحت خضرة إلى القاهرة فى بداية الأربعينيات من القرن الماضى واستقرت فى منزل متواضع مع زوجها فى حى الباطنية كان يسكنه فى تلك الفترة طلاب الأزهر الوافدون من سائر دول العالم، وقد كان لديها رغبة جامحة فى الثراء فبدأت علاقتها بعالم المخدرات حين كانت تشترى الأعشاب الطبية التى يحضرها الوافدون العرب من طلبة الأزهر وتبيعها إلى المدمنيين وتكسب الكثير حين ازداد ثراؤها اتجهت للإتجار بالحشيش والأفيون فاتسعت تجارتها واستعانت بالمساعدين، وسرعان ما لمع اسمها فى عالم المخدرات فجندت أولادها للعمل معها جاعلة منهم أشهر تجار المخدرات فى مصر، فشيدت فللا فى درب الغرقى فى حى الباطنية، بدت من الخارج فللا عادية لكنها من الداخل كانت أشبه بقصر من قصور العصور الوسطى، كثرت فيها المخابئ السرية وحوت أفخم أنواع الأثاث المستورد . واجهت خضرة حربا شرسة من امرأة أخرى فى حى الباطنية كانت تاجرة مخدرات فنشبت المعارك بين فريقى المرأتين سقط فيها القتلى لكن لم يكن أى طرف يتقدم بأى بلاغ للشرطة، إزاء تفاقم خطر خضرة وعدم وجود دليل إدانة ضدها اعتقلتها الشرطة. وكانت أول سيدة مصرية تعتقل بسبب الإتجار بالمخدرات. بعد الإفراج عنها، وكانت تقدمت فى السن، قررت اعتزال تجارة المخدرات لكن ابنها الأكبر طلعت المشهور ب «قوطة» أمسك الراية بعدها وأصبح واحدا من كبار تجار الصنف فى مصر. كان المعلم طلعت المشهور ب «قوطة» أشهر تاجر مخدرات فى مصر خلال الستينات من القرن الماضى، بدأ حياته صانع أحذية ثم أصبح واحدا من كبار الأثرياء فى مصر يسكن القصور ويمتلك السيارات الفارهة، كان قوطة يتمتع بلباقة ومظهرا جيدا ويشجع أحد الأندية المشهورة فى القاهرة وينفق عليه ثم أصبح عضوًا فى مجلس إدارته وتقرب من نجوم الكرة وأغدق عليهم المال حتى أطلق عليه الكابت قوطة، ثم أقام الصداقات مع نجوم الفن وتزوج من ممثلة مسرحية معروفة ونجح كثيرًا فى الهرب من قبضة المباحث. اعتقل عدة مرات ووجهت إليه تهم الاتجار بالمخدرات، وحين اقتحمت شقته بالإسكندرية تمكن من الفرار تاركا زوجته التى اعترفت بكل شىء عنه فأرسل محاميه ليثبت للجميع أنها ليست زوجته وأن المأذون زائفًا والعقد كذلك فقضى بقية حياته فى السجن. أكبر تاجر بالتاريخ فى خمسينيات القرن الماضى ظهر مهربون كثر تخصصوا فى استيراد السموم إلى البلاد،ويعتبر عودة سويلم من أشهرهم وأشدهم بأسا وأكثرهم ثراء، كان يمتلك عدة عمارات فى حى مصر الجديدة الراقى فى القاهرة ويعيش أبناؤه عيشة أولاد الملوك، كانوا يمضون الصيف فى أوروبا وينزلون فى أفخم الفنادق، ما دفع رجال مكافحة المخدرات إلى ضرورة الإيقاع به سريعًا. وفى صباح أحد الأيام دخل أحد ضباط سلاح الحدود فى سيناء مكتب مدير مكافحة التهريب فى السويس وقدم له تقريرًا من صفحة واحدة يفيد بأن عودة سويلم يخطط لعملية تهريب كبيرة داخل البلاد عن طريق سيارة من سلاح السواحل، وهو يبحث الآن عن سائق فى سلاح السواحل ليقوم بهذه المهمة. على الفور قرر مدير مكتب المكافحة أن يكون هو نفسة هذا السائق الذى يبحث عنه عودة، مع علمه بخطر عودة وإجرامه ومدى ما يتصف به ورجاله من وحشية حيث كانت عصابته أكبر عصابة تهريب فى مصر وأقواها ويتميز أفرادها بالشراسة والوحشية. وذهب مدير المكافحة لوكيل المهرب الكبير فى السويس وقدم نفسه على أنه سائق فى السواحل وأنه علم أن الشيخ عودة محتاج إليه. لم يكن المدير ينتظر من وكيل المهرب إلا كلمة «احضر غدًا مرة جديدة». كان يعلم أنه سيخضع لامتحان قاس كى يطمئن إليه المهرب، ذهب المدير مرة ثانية وثالثة ورابعة وفى كل مرة كان يتلقى وابلا من الأسئلة للتأكد من شخصيته. أخيرًا تلقى مدير المكافحة المتنكر فى شخصية السائق أمرًا بالتوجه إلى شرق القناة فى اتجاه الكيلو 6 حتى يعثر على أعرابى وإلى جانبه «قلة» عليه أن يقول له « أنا عطشان» وينتظر ماذا سيرّد عليه، وبالفعل نفذ المدير الأمر ووصل إلى الاعرابى وباح بكلمة السر، سلمه الأعرابى جوالا وأمره بأن يعود إلى العصابة فى السويس، كان المدير أعد كمينًا على طول الطريق الذى سيقطعه بسيارته وكانت الاشارة المتفق عليها مع رجاله أن ينزل من السيارة عند نقطة معينة ويتظاهر بإصلاح خلل فيها. قبل التوقف أخرج مطواة من جيبه وأحدث ثقبًا فى الجوال، وكانت دهشته كبيرة حين وجد أن محتويات الجوال كلها نوع من العجوة، مع ذلك واصل السير إلى العصابة وسلمهم الجوال فسلموه خمسين جنيهًا ووثقوا به وطلبو منه الحضور فى اليوم التالى. وفى صباح اليوم التالى ذهب المدير إلى الاعرابى نفسه وسلمه أربعة أجولة كانت مملوءة بالحشيش، عند النقطة المتفق عليها توقف المدير. نزل من السيارة وتظاهر بإصلاحها فعرف رجاله أن وقت العمل قد حان فأرسلوا إشارة إلى الكمين المرابط قرب مكان العصابة فى السويس، وفى الوقت نفسه ألقت قوة أخرى القبض على الاعرابى، بينما كان المدير فى طريقه عائدًا إلى السويس. أوقفه جماعة من الأعراب وأمروه بتغير وجهته إلى الإسماعيلية . عندئذ نزل من سيارته شاهرا مسدسة لكن أحد الأعراب وثب عليه وتمكن من الاستيلاء على مسدسه وتصويبه ناحيته فأصيب ووقع على الأرض. لم يكن هذا الأعرابى إلا عودة سويلم نفسه الذى ركب السيارة واستدار بها فى الاتجاه المعاكس، لكن القوات المتخفية، مرافقة المدير، كانت له بالمرصاد فالتحموا معه فى معركة شرسة انتهت باستسلام عودة ويدعه السجن.