قال الشاعر الشعبى:(الناس معادن.. ومن أغلى المعادن ناس.. فيها اللى زى الدهب.. واللى أصله نحاس.. وفيها عديم الحيا.. وواحد رقيق حساس).. وقالت الأرقام فى البورصة إن أسهم الشركات مستويات ومراتب.. وتقول مؤسسات التصنيف المالى وشغلتها تقييم الدول اقتصاديا وهى عندها أحرف ودرجات وللحرف الواحد عدة سلالم.. من يقف عند «A» يختلف فى شأنه ومكانته عن هذا الذى ألقت به أرقامه إلى «B» وأخواتها.. فإذا انحدر إلى C معناها والعياذ بالله أن الدولة أصبحت فى الكازوزة وتضىء اللمبة الحمراء أمام البنوك ومؤسسات المال وتقول للقاصى والدانى: احذروا التعامل مع هذه الدولة لأنها شبه مفلسة. مؤسسات التصنيف أشهرها «موديز» ومنها فيتش وستاندار وأندبورد.. وهى تفصل بين ديون سيادية يجب أن تفعلها الدولة للغير.. وبين الودائع الداخلية ودرجة الأمان التى تتمتع بها.دعك من حرف A ودرجاته، فهو يشير إلى الاستقرار والأبهة.. وانزل إلى حرف B فقد نزل تصنيف مصر فى 20 مارس 2013 إلى B3.. وهى الدرجة الأخيرة من تسع درجات وإذا أنزلتنا بعدها إلى حرف C.. قل علينا السلام وفيها اربع درجات. وما يخصنا أن B3 كما قالت مؤسسة موديز إن الدين السيادى على مصر أصبح ثقيلًا وعسيرًا.. ويجب على كل مؤسسة مالية دولية قبل أن تفتح كيسها أن تفكر ألف مرة.. لأن فلوسها قد تعود وقد لا تعود وغالبًا فى ظل هذا التصنيف لن تعود.. وحتى لا تقول فى عقل بالك: وهل هذا التصنيف مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. يجب أن تعرف أن عملية القروض لا تتم اعتباطا.. ولو جرت على المستوى الشخصى بينك وبين البنك وقد أخذت منه مائة جنيه.. الواجب ان يتخذ الاحتياطات ويطمئن إلى وجود تأمين يستند إليه ويعوضه فى حالة عدم السداد.. هذه قاعدة معروفة.. فما بالك بقروض دولية بالمليارات. ودعك من كتاب الإنجازات ومن كتاب الإحباطات وسلسلة كتب الصراعات والمشاحنات والشائعات ويكفى فقط النظر إلى التصنيفات فإنها والله ثقيلة إلا على الذين نهبوها وسرقوها ودمروها. فالحقيقة تقول إن اقتصادنا فى خطر.. والمسئولية لا تخص إدارة البلاد وحدها.. بل الجميع.. وفى المقدمة أنا وأنت ويكفى فى هذا الوقت العصيب قبل أن تطالب بحقك وهذا حقك أن تسأل نفسك: ماذا فعلت من واجبى. والمؤلم فى الموضوع أننا أمام تلك الحكاية التاريخية الخالدة التى تقول أصل الباب عايز مفتاح.. والمفتاح عند الحداد.. والحداد عايز بيضه.. والبيضة عند الفرخة.. إلى آخر هذه السلسلة.. والباب الذى يجب أن نفتحه أولًا.. هو صندوق النقد.. لأن معنى الحصول على قرضه 4.8 مليار دولار.. أن بلادنا رغم ظروفها تستطيع السداد.. وقد دارت العجلة قليلا بالقرض القطرى 3 مليارات والقرض الليبى 2 مليار دولار.. إلى جانب ما وعدتنا به تركيا وإيران وروسيا وباقى أهل الإحسان. هذه القروض تشجع الصندوق على أن يمد يده مجددًا إلى مصر.. وبذلك تحصل على شهادة كبرى بأن اقتصادنا يستطيع أن ينهض من كبوته.. لكن الكارثة أن كل هذه القروض سيأتى وقت سدادها.. ويجب علينا الدفع أو الحبس.. بخلاف فوائد هذه القروض مهما كانت.. هى حلول لا بد منها.. لكنها ليست شافية أو منجية.. لأن الحل الحقيقى يكمن فى سواعدنا التى يجب أن نشمرها لكى نعمل وننتج مع احترامى الشديد للست «عجلة الإنتاج».. كما احترمنا المغفور لها سابقًا «عجلة السلام».. مع ملاحظة أن الست «عجلة الاقتصاد» دورانها مرتبط بالهوانم «عجلة الديمقراطية».. و«عجلة الحرية» إلى آخر أنواع العجل والبسكلتات.. قطيعة تقطعهم جميعًا فى نفس واحد وتوقيت زمنى واحد، فقد تعبنا منهم ومن أنفسنا.. ونحن نتقاتل صباحا ومساء على هذا النحو.. يسيطر علينا مناخ الشك والريبة والتخوين.. والعداء المستحكم سابق التجهيز.. فقد تكره الشخص للحيته.. كما أنه يكرهك من السلسلة التى تعلقها فى صدرك.. والمحجبة تنظر للسافرة على أنها من طينة أخرى.. والعكس صحيح.. وطوال الوقت نبحلق فى مظاهرنا.. وننسى أن القلوب بين يدى الرحمن لا يعلم سرها ونجواها إلا علام الغيوب. ومع ذلك نسأل الله العلى القدير الكريم اللطيف أن يرفع لنا التصنيف وأن يأخذنابعفوه وواسع عدله إلى الفئة A ولو فى أدناها مؤقتا.. كما نسأله أن يرزقنا قبل التصنيف الائتمانى أن يرفع درجات التصنيف الأخلاقى فإنها قد بلغت الحلقوم.. وأصبحت والعياذ بالله فى الحضيض.. وأعصابنا جميعًا فى حالة شياط.. ويكاد المرء وهو يغسل وجهه فى الصباح إذا تطّلع إلى سحنته أن يلسعها «جوز أقلام» ضيقًا وقرفًا.. قبل أن يرتد إليه صوابه ويعرف أنه يخانق نفسه ولا حول ولا قوة إلا بالله التصنيف الائتمانى يرتفع بالفلوس، لكن التصنيف الأخلاقى لا يرتفع.. إلا إذا ارتفعت النفوس وارتقت وتجاوزت عن الصغائر وبدأت تحاسب ذاتها قبل أن يحاسبها الغير. يا رب نسألك أن نكون من هؤلاء الذين قال فيهم الإمام على كرم الله وجهه: ترى لهم قوة فى دين.. وحزما فى لين.. وإيمانا فى يقين.. وحرصا فى علم.. وعلما فى حلم.. وقصدا فى غنى.. وخشوعا فى عبادة.. وتجملا فى فاقة.. وصبرا فى شدة.. وطلبا فى حلال.. ونشاطا فى هوى.. وتحرجا عن طمع.. يُمسى وهمه الشكر.. ويصبح وهمه الذكر.. يبيت حذرا ويصبح فرحا.. حذرا لما حُذر من الغفلة.. وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة.. قُرة عينه فيما لا يزول وزهادته فيما لا يبقى يمزج الحلم بالعلم والقول بالعمل تراه قريبًا أمله.. قليلا زلله.. سهلا أمره.. الخير منه مأمول.. والشر منه مأمون.. فى المكاره صبور.. وفى الرخاء شكور.. يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه.. أتعب نفسه لآخرته.. وأراح الناس من نفسه.. ليس تباعده بكبر وعظمة.. ولا دنوه بمكر وخديعة.