الغرام بلصوص السينما الظرفاء والشرفاء لا يقتصر على المشاهدين أو كتاب السيناريو ولكن هناك عددا من المخرجين يحرصون على أن يعبر بطلهم وفيلمهم عن مبادئ اللص الصغير فى مواجهة اللصوص الكبار..هذا ما يؤكده الناقد السينمائى كمال رمزى فى كتابه «اللص على الشاشة المصرية»..ويقول: على بدرخان رصد هذا الصراع خلال سنوات الانفتاح فى فيلم «أهل القمة» من خلال شخصيتى زعتر وغلول. كما رصد تحول اللص الصغير إلى لص كبير بلا قلب فى فيلم «الجوع» وقدمه فى «الراعى والنساء» وفى «البطل الثالث». وداود عبد السيد أخرج أربعة أفلام تحتوى كلها على بعض اللصوص فى «الصعاليك» قدم رحلة صعلوكية من القاع إلى قمة الإجرام. وفى «البحث عن سيد مرزوق» قدم على حسنين دور الرجل «الكبير» بخفة ظل نادرة فى السينما المصرية، والفيلم لا يهدف إلى الإدانة المباشرة بقدر ما يهدف إلى تحليل هذا النموذج المحبوب. وفى «الكيت كات» نتعاطف مع الجميع، وخصوصا سرقات الشيخ حسنى الصغيرة، أو تاجر المخدرات الظريف، أما فيلمه «سارق الفرح» فيتحول فيه عوض الشاب الفقير المحبط إلى السرقة تحت ضغط الواقع. عاطف الطيب اهتم دائما بالتعاطف مع بطله المقهور الذى يلجأ للحل الفردى ومحمد خان أبدى مزيدا من التعاطف والفهم. تعليقا على فيلم «النصاب» الذى لعب بطولته فريد شوقى عام 1961 كتب المؤرخ والناقد السينمائى فريد المزاوى فى دليله للأفلام المصرية قائلا: إن تقديم شخصية نصاب ظريف من أخطر الأشياء على عقول الصغار. وحرص المزاوى الذى كان يصنف الأفلام أخلاقيا أن يضع «النصاب» تحت قائمة «للبالغين تحفظ». كان الفيلم الذى أخرجه نيازى مصطفى ينتمى لنوعية الكوميديا الخفيفة، ويبدو أن هذه النقطة بالذات هى التى جعلت المزاوى يستشعر الخطر، لأن الكوميديا من شأنها أن تزيد تعاطف المشاهدين مع النصاب. لم يكن فريد شوقى أول لص محبوب فى السينما المصرية، لكنه الأشهر قبل عادم إمام. وربما كان على الكسار فى فيلم «على بابا والأربعين حرامى» هو أول من حمل مواصفات هذا اللص الذى يقع فى عشقه الجمهور. فهو طيب القلب، وسط مجموعة من الأشرار، ولكنه ذكى وواسع الحيلة، أيضا يستطيع أن يهزم الأشرار باستخدام وسائلهم، ومع ذلك هو لا يمكن أن يؤذى إنسانا طيبا النساء تقع فى حبه، والأطفال يعتبرونه والدهم، والعجائز يعتبرونه ابنهم، وهو لا يتورع عن التضحية بكل ماله «الحرام» من أجل مساعدة المساكين. بالإضافة إلى أنه ضحية الظروف دائما، التى دفعته إلى طريق الشر رغما عن إرادته. على الكسار هو على بابا الطيب الذى سرق الأربعين حرامى فى عام 1942 ونجيب الريحانى هو الموظف الغلبان الذى تضطره الظروف إلى السرقة والنصب فى فيلم «سى عمر» 1941. أما إسماعيل يس فتشجع عام 1953 على لعب دور اللص فى فيلم «اللص الشريف» لأن الفيلم يدور حول شخصين متشابهين أحدهما شرير والآخر طيب، ولكنه تشجع أكثر بعد 3 سنوات ولعب دور «صابر» الذى يزور إحدى القرى مع صديقه جابر فى فيلم «المفتش العام» عام 1956 فيعتقد عمدة القرية وأهلها أنه المفتش صابر بتشجيع من جابر هذا اللبس ليقبل رشوة الجميع والفيلم مقتبس عن مسرحية بنفس الاسم للأديب الروسى جو جول. وسنلاحظ أن الأبطال الثلاثة هم أشهر كوميديانات هذه الفترة، وأن بقية أدوارهم تختلف كثيرا عن دور اللص الظريف أو الشريف. وربما إذا استخدمنا التحليل الاجتماعى والسياسى نجد تشابها بينهم وبين الشعب المصرى فى هذه الفترة التى سبقت الاستقلال، فهم لا حول لهم ولا قوة فى أغلب الأحيان. لم يكن فريد شوقى قد أصبح «وحش الشاشة» بعد وبعد الثورة تقريبا تحول من لعب دور الشرير إلى دور الطيب أو اللص الظريف المحبوب، وأحيانا اللص الصغير الذى يحارب كبار اللصوص. وانظر إلى تواريخ هذه الأفلام: «الفتوة» إخراج صلاح أبو سيف عام 1957 عن صراع الحيتان والأسماك التى تتحول إلى حيتان فى مجتمع السوق. «سوق السلاح» عام 1960 عن نفس الصراع داخل مجتمع المجرمين. «جعلونى مجرما» عام 1958 عن الطفل الذى يدفعه عمه الشرير إلى السجن ثم يدفعه المجتمع القاسى بعد خروجه إلى الإجرام. «سلطان» عام 1958 يدور حول نفس الفكرة، وهناك ثلاثة أفلام أخرى فى نفس العالم لعب فيها فريد شوقى دور اللص والنصاب.. «مجرم فى إجازة» «ساحر النساء» و«الأخ الكبير»، وفى عام 1960 لعب نفس دور الأخ المجرم الذى يتعاطف معه المشاهد أكثر مما يتعاطف مع بقية إخوانه فى الفيلم الرائع «بداية ونهاية» لصلاح أبو سيف. ولا نحتاج إلى أن نؤكد نجاح الراحل فريد شوقى فى هذه الأفلام حتى أصبح نجم نجوم السينما والشباك بلا منازع، بينما تراجع إلى الوراء نجوم الرومانسية والطيبة البلهاء التى تميز بها أبطال العصر السابق. وفى عام 1962 وقع الجمهور- ولا يزال - فى حب لص آخر هو سعيد مهران بطل «اللص والكلاب» التى كتبها نجيب محفوظ وأخرجها كمال الشناوى. هذا «اللص الصغير» الذى يواجه كبار اللصوص، ويحاول الانتقام منهم، ولكن قانون المجتمع الذى يقف بجوار الكبار فقط يطبق عليه وحده كانياب الكلب. وكان الجمهور قد عرف شكرى سرحان مجرما يتعاطف معه قبل ذلك بثلاث سنوات فى فيلم «الجريمة والعقاب» المقتبس عن دسيتوفسكى، ولعب فيه دور الشاب الثائر على الفقر وحماقة توزيع الثروة فيقرر أن يقتل مرابية عجوز لا قيمة لحياتها، ولكنه لا يتحمل تأنيب الضمير. وفى بداية السبعينات انخفضت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ ثم عادت للارتفاع بشكل جنونى خلال سنوات الانفتاح. أما عادل إمام الذى أثبت خفة دمه -ويده - فى فيلم «لصوص لكن ظرفاء» تألق فى أداء شخصية اللص الصغير الظريف فى «حرامى الحب» عام 1977 لعب دور شاب طيب ولكنه مصابا بداء السرقة. ومنذ الثمانينيات أصبح عادل إمام ملك هذه النوعية، «عصابة حمادة وتوتو» المقتبس عن الفيلم الأمريكى (مرح مع ديك وجين) للمخرج ليتد كوتشيف عرض عام 1982 بتوقيع المخرج محمد عبدالعزيز وقصة الفيلمين تدور حول موظف بسيط يسرق صاحب الشركة أفكاره ويفصله وتحت ضغط الحاجة يضطر إلى تشكيل عصابة مع زوجته، ويسعى للانتقام من اللص الكبير. وفى «الأفوكاتو» الذى أخرجه رأفت الميهى عام 1984 يلعب شخصية العصر، «حسن سبانخ» المحامى الذى يكسب قضاياه بالطرق الملتوية والضحك على (قفا) القانون. والفيلم أثار ضجة كبيرة حينها عندما اعترض بعض المحامين لتصويرهم بهذا الشكل. وفى نفس العام لعب عادل إمام شخصية «فارس» فى فيلم «الحريف» للمخرج محمد خان وهو شاب يعشق لعب كرة القدم، ولكن ظروفه وأحوال المجتمع المتغير تدفع به إلى ترك الكرة والانضمام إلى مشاريع التهريب «الانفتاحية». أحمد زكى أيضا كان له نصيب كبير فى لعب شخصية اللص الشريف.. الفتوة فى «سعد اليتيم» المقاول النصاب فى «البيه البواب» اللص فى «أحلام هند وكاميليا» ومهرب مخدرات «الامبراطور». الدجال فى «البيضة والحجر» واللص الظريف فى «الراعى والنساء» بالإضافة إلى دوره فى فيلمى «الهروب» و«ضد الحكومة».