يحاول «أحمد حلمى» فى فيلمه الجديد، الذى افتتح موسم 2013 السينمائى أن يقدم تجربة فانتازية مختلفة، ولكن فيلم «على جثتى»، الذى أخرجه محمد بكير فى أولى تجاربه السينمائية، وكتبه تامر إبراهيم فى أولى تجاربه للشاشة الكبيرة، يفشل فى ضبط خطوطه الواقعية والخيالية المحلقة على حد سواء، تظل التجربة طموحًا للغاية، الفكرة جيدة ولكن مشكلات السيناريو الواضحة والمزعجة جعلتها غير ناضجة، ولم يبق فى الذاكرة سوى بعض الافيهات والمواقف المرحة بين بطلى الفيلم حلمى وحسن حسنى. نقول إنها تجربة طموح لأنها تمثل خطوة جديدة من أحمد حلمى فى تقديم كوميديا إنسانية تمزج الضحك بالدموع، ربما كانت البداية الأكثر نضجاً فى «آسف على الإزعاج»، كما أن فيلم «إكس لارج» الذى ناهزت إيرادته الضخمة الثلاثين مليوناً من الجنيهات، يكاد يمتلك فكرة مأساوية فى ثوب كوميدى، ذلك الشاب الذى يعانى من بدانته الزائدة، والذى يفقد خاله الحبيب بسب بدانة الخال المفرطة، «على جثتى» رغم هذا الطموح، لم يستطع أن يتجاوز فيلمى الفانتازيا اللذين شاهدنا هما فى الموسم الماضى وهما «بابا عزيز» و «الآنسة مامى» حيث ترتبك الخطوط، وتقال الفكرة بشكل واضح ومباشر، الفانتازيا صعبة للغاية، وتحتاج إلى أكثر من الارادة أو النوابا الطبية. يستهل «على جثتى» أحداثه بلقطات سريعة متداخلة لكل أبطال وشخصيات الفليم وهم نائمون على أسرتهم، أما بطل الحكاية المحورية، وهو المهندس رءوف (أحمد حلمى)، فهو نائم فى سيارته إمام إشارة مرور تحتها عسكرى نائم. تمهد هذه اللقطات الظريفة لموضوع الفيلم ومعالجته الخيالية، تمنحنا احساساً بأن شيئاً غريبًا سيقع، ولكن بعد دقائق أخرى، لن تجد مثل هذا التقديم اللامع، سيحاول «تامر إبراهيم» تقديم شخصية بطله بحيث يكون من الطبيعى أن يصبح مكروهاً سواء فى شركته، أووسط أفراد أسرته، رءوف يتملك معرضاً ضخماً لكل ما يحتاج إليه المنزل العصرى، ولكنه ليس شريراً على الاطلاق، ولايستحق هذه الكراهية المطلوبة، هو فقط يريد تحقيق الانضباط فى مؤسسته، ويصر على مشاركة موظفيه فى إعلان عن المؤسسة يقوم بتصويره، يبدو من لقطات الفلاش أن موظفيه غير منضبطين فعلاً، أما فى المنزل فهو يراقب تصرفات زوجته سحر (غادة عادل)، التى تبدو خانعة بدون مبرر معقول، يرفض أن تفتح خطاً فى المؤسسة حتى لايغازلها أحد، بينما يصر على متابعة ابنه الوحيد «رفعت» (مروان وجيه) حتى يصبح مهندسًا مثله، يجعله يواظب فى هذه السن الصغيرة على قراءة شعر البحترى، ومقدمة ابن خلدون! قد لا يكون رءوف مثالياً بالقطع، ولكنه لا يستحق أيضاً هذه الكراهية، قفز فوراً إلى حادث مفتعل، الكلب الذى يحتفظ به رءوف يصاب دون أن نعرف السبب، ينقله بسيارته، ولكن السيارة تسقط فى الماء، يظهر رءوف فى المشاهد التالية وهو شبح يتجول فى المدينة دون أن يراه أحد حتى يلتقى رجلًا آخر هو المستشار نوح (حسن حسنى)، وهو الذى سيخبره أنهما من الموتى الآن، ويقوده فى رحلة لاكتشاف ما لايعرفه عن أسرته وعمله، حيث يحتفل الموظفون بغيابه، وتبتهج زوجته «سحر» وابنه «رفعت» بسبب اختفائه من حياتهما. ولكن السيناريو المتلجلج يقطع هذه الرحلة، لنكتشف أن رءوف لم يمت، إنما هو فقط فى غيبوبة بعد الحادث، وقد أدى هذا الاكتشاف إلى اضطراب واضح على المستوى الواقعى أو الفانتازى، حيث سيفيق رءوف حسب الطلب، ثم يدخل فى الغيبوبة عند اللزوم، وفى كل الحالات ستختلط الهلاوس، بالحقائق، ولن تعرف أبداً هل مارأيناه من انقلاب أسرته وموظفيه أقرب إلى الواقع أم الهلوسة، هناك من المشاهد ما يؤيد الاتجاهين، الأكثر غرابة أن يقوم رءوف فى إحدى إفاقاته المتعددة، بعمل توكيل لزوجة لايثق فيها، ويشك فى وجود علاقة لها بشخص وسيم يلعب دوره «خالد أبو النجا» وسنكتشف فيما بعد أنه أحد منافسى «رءوف» على إحدى الصفقات وامتداداً للاضطراب فإن «رءوف» يستجيب لنصيحة رفيقه الشبحّ نوح بأن يكون عادلاً، وينفذ القانون وروح القانون معاً، وكأن «رءوف» ارتكب جريمة قتل المتظاهرين فى ثورة يناير مثلاً؟!. المهم أنه سيفيق من الغيبوبة، ليصالح موظفيه، ويسمح لابنه بأن يعيش طفولته، ويتيح لزوجته أن تحقق طموحاتها فى عمل خط مبيعات فى المؤسسة، وفجأة أيضاً يعود رءوف من جديد إلى الغيبوبة التى أصبحت التجسيد الجديد لمقولة «ساعة تروح وساعة تيجى» بل إن حالته تستدعى فصل الأجهزة عنه بعد أن أصاب الأطباء اليأس (!!)، ولكن شبح رءوف ينجح فى انقاذ رءوف من فصل الأجهزة بالاستعانة بالكلب، الذى يفترض أيضاً أنه شبح، وهذا المشهد بالتحديد أحد أكثر مشاهد الفيلم سذاجه وركاكة واستخفافاً بعقل المتفرج. بعد أن يستفيق رءوف للمرة الأخيرة، يتوجه إلى المستشفى حيث يرقد «نوح» فى غيبوبة، نفهم أن شبح المستشار الذى لم نعرف أى شئ عن ظروفه كان يترجم أيضاً عن حالته الصحية الصعبة، وأن الرفيقين يعبّران عن رجلين فى غيبوبة، يترك السيناريو مساحة لكى يتخيل المتفرج أن المستشار أيضاً عاد من الغيبوبة، نراه فى مشهد النهاية مع صديقه «رءؤف»، ويحاول الأخير تذكيره بمغامراتهما المشتركة وهما شبحان، ولكن المستشار لا يتذكر شيئاً. لا بأس أبداً من الفكرة حتى لو كانت تستلهم أفلاماً أجنبية، المشكلة كما ذكرت فى المعالجة، فى لحظات الصعود والهبوط التى اثرت بشكل واضح على إيقاع الفيلم، وفى حالة اللخبطة التى يمكن أن تصيب المشاهد وهو لا يستطيع الفرز بين الفاتنازيا والأحلام وهلوسة مريض الغيبوبة ، المشكلة فى غياب صناعة السيناريو، وفى عدم قدرة محمد بكير، مخرج مسلسلى «المواطن إيكس» وطرف ثالث، على ضبط مشاهده، بعضها مّر بسرعة، والبعض طال اكثر من اللازم، فضاع تأثيره الكوميدى. رسُمت الشخصيات من الخارج، وبلمسات سريعة جعلت سلوك بعضها فى منتهى الغرابة، الزوجة متقّلبة بدرجة غير مفهومة وكأنها مريضة نفسية، خائنه وجريئة، تبدو احياناً عاشقة لزوجها وأحياناً تبدو كارهه له، كل موظفى الشركة الذين لعب أدوارهم ممثلون كسامى مغاورى وإدوارد وأيتن عامر وعلا رشدى تائهون وأقرب إلى ضيوف الشرف، تماماً مثل ضيوف الشرف الأصليين مثل أحمد السقا وخالد أبو النجا فى مشاهدهما القليلة، هناك اجتهاد من حلمى وحسنى وتميز واضح فى ديكورات رامى دراج الذى يتألق فى تقديم ديكورات فخمة وعصرية، ولكن موسيقى «أمير هداية» بدت حائرة مثل الفيلم بين الواقع والفانتازيا، وبين الخفة ومحاولة ادعاء العمق، التجربة بأكملها كانت تحّلق بأجنحة تهشمت نتيجة قلة الخبرة فى الكتابة، لذلك كان طبيعياً أن ننتهى إلى مواعظ مباشرة عن ذلك الإنسان الذى يظل يجرى ويجرى حتى يموت، أو حتى يصنع فيلماً متواضعاً.