يبدو أن صنّاع فيلم «على جثتى»، تامر إبراهيم مؤلفاً ومحمد بكير مخرجاً وأحمد حلمى نجماً أرادوا تحية فنان السينما الكبير الراحل يوسف شاهين بمناسبة عيد ميلاده السابع والثمانين (25 يناير 1926) باستنساخ فيلمه الروائى الأول «بابا أمين» الذى عُرض عام 1950، مع بعض عمليات الإحلال والإبدال فى المواقف والشخصيات لتتلاءم مع الواقع المعاصر، وشتَّان بين الأصل والصورة، فالأخيرة عادة ما تأتى باهتة، مفتقدة الروح التى تسرى فى جنبات الأصل. أنجز «شاهين» فيلمه عن قصة له كتب لها السيناريو حسين حلمى المهندس والحوار على الزرقانى، تدور أحداثها حول الموظف البسيط أمين أفندى «حسين رياض» الذى يغريه صديقه «مبروك» بمشاركته فى مشروع تجارى يوفر له مكسباً سريعاً فيعطيه كل مدخراته دون إيصال أو ضمانات، لكنه يتوجس خيفة وتراوده الشكوك من أن تتبدد ثروته الصغيرة، تتوتر أعصابه لتهاجمه ما يشبه الأزمه القلبية ليوهمنا الفيلم أنه مات، ليلتقى فى السماء والده الراحل الذى ينهره على سوء تصرفه.. تتوالى الأحداث والكوارث على أسرته.. فى النهاية نعرف أنها أضغاث أحلام! فى «على جثتى» يستبدل الأب الطيب العطوف، بزوج صارم مستبد، مهندس الديكور رءوف «أحمد حلمى» الذى تتملكه الشكوك - أيضاً- تجاه الآخرين، والابنة الشابة «فاتن حمامة» بزوجة مُطيعة مُذعنة سحر «غادة عادل» والطفل اللطيف نبيل «عصام» بطفل آخر مذعور، رفعت «مروان وجيه»، كما يحل المستشار نوح «حسن حسنى» محل والد أمين اللذان يتابعان مع أمين ورءوف ما يحدث فى الواقع.. فى الفيلمين تلعب الشخصيات الأربع دور المتفرج فى قاعة العرض، يرى أبطاله ويسمعهم وربما يحادثهم وهم لا يسمعونه بالطبع، يُعلق ويُحذر ويَغضب ويُنذر وينزعج من سلوكهم لكنه يظل بعيداً عنهم. يُسْتبدل الحلم فى «بابا أمين» بالغيبوبة فى «على جثتى» وتتقارب الأحداث بل وتتشابه أحياناً، فيُصدم «رءوف» حين يرى زوجته ترقص فرحاً بموته والخلاص من قسوته وتجهمه، مثلما يبتئس أمين أفندى حين يرى ابنته تضطر للرقص فى أحد الكباريهات لتعول الأسرة.. كما يستبدل تغير سلوك جيران أمين أفندى بسوء سلوك موظفى مكتب رءوف واكتشافه رأيهم الحقيقى فيه.. ويأتى دور الصديق رجل الأعمال «خالد أبوالنجا» فى علاقته المُتَوَهَّمة بالزوجة سحر، بديلاً عن علاقة هدى «فاتن حمامة» بجارهم على «كمال الشناوى» مع تطابق موقفيهما المتَّسم بالشهامة تجاه أسرتى أمين ورءوف. إذا كان «شاهين» قد اقتحم فى أول خمسينات القرن الماضى عالم الفانتازيا غير المألوف فى السينما المصرية وحلَّق بعيداً بخيال خصب خلَّاق، غير أن «حلمى» ومن معه افتقدوا ذلك إلى حدٍّ كبير، وإن تحاشى الفيلمان الإسفاف والابتذال واعتمدا على الموقف لتخليق اللحظة الكوميدية من خلال المفارقات التى يحفلان بها. «على جثتى» الذى نَسِىَ أصحابه -أو تناسَوا- إهداءه إلى اسم يوسف شاهين، هو كولاج خاص جداً بأحمد حلمى ترددت فيه أصداء، ليست بالقليلة من «طريد الفردوس» ل«فطين عبدالوهاب»، وشذرات من «حدوتة مصرية» ل«شاهين» والعديد من الأعمال الأجنبية المشابهة، نجح حلمى، من خلالها، فى انتزاع الضحكات من جمهور تدافع للبحث عن بَسْمة عند نجمه المفضل، علّها تُخفف من وطأة الاكتئاب الذى يعانى منه الوطن والمواطن فى مصر الآن!