مع سقوط أولى قذائف الغارات الجوية التى تشنها فرنسا على الجماعات المسلحة فى مالى، انطلقت التكهنات حول مصير تنظيم القاعدة فى مالى بصفة خاصة، وفى القارة السمراء بشكل عام وبالتحديد فى منطقة الشمال الأفريقى حيث الصحراء الكبرى. واعتبر خبراء أمنيون وعسكريون فى حلف شمال الأطلسى «ناتو»، أن دعم السلطة الشرعية فى جمهورية مالى وإنهاء أزمة الحكم الحالية فيها وبسط نفوذ سلطتها الشرعية على مناطق الشمال سيكون بداية حقيقية لمواجهة أنشطة القاعدة فى شمال أفريقيا كما يرونه بمثابة مواجهة للأفعى من رأسها وليس من ذيولها المتمثلة فى المنظمات المتعاونة معها فى بقية مناطق القارة الأفريقية. ويعود ظهور تنظيم القاعدة فى القارة الأفريقية إلى الفترة بين عامى1991 إلى 1996 أثناء إقامة أسامة بن لادن فى السودان، والتى تعرف خلالها على أيمن الظواهرى لتكون الولادة الحقيقية لتنظيم القاعدة فى إفريقيا، وقد انبثقت عدة تنظيمات إرهابية بعد ذلك بمسميات عدة، وإن كان جميعها يسير على نفس نهج القاعدة، حيث تشير الدراسات الصادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن الحركات المتطرفة فى وسط وشمال القارة الأفريقية قد تبنت فكرا أصوليا سلفيا متطرفا بدعم من المؤسس والزعيم السابق لتنظيم القاعدة اسامة بن لادن، كما غيرت اسمها ليصبح «الجماعة السلفية المقاتلة للدعوة والجهاد»، معلنة فى الوقت نفسه عن أنها تعمل تحت مظلة القاعدة. وفى يناير 2007 غيرت الجماعة مسماها إلى منظمة القاعدة فى المغرب الإسلامى، والذى يشمل كلا من الجزائر وليبيا ومالى وموريتانيا والمغرب وتونس، ووفقا لمركز سياسات الشرق الأدنى فى واشنطن فإن تعداد تنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامى لا يقل عن 28 ألف شخص ما بين داعية وممول ومسلح، ومعظمهم تلقى تدريبا فى أفغانستان. ويبدى البعض تفاؤلا حيال التدخل العسكرى الفرنسى فى مالى، معتبرين أن الأمر لن يستغرق أكثر من أسابيع قليلة وتنتهى تلك الحرب بانتصار كاسح سيشكل خطوة رئيسية للقضاء على الجماعات الإرهابية فى وسط وشمال القارة الأفريقية، وذلك استنادا إلى نجاح التدخل العسكرى الفرنسى فى ساحل العاج حين وضعت فرنسا نهاية لعهد الرئيس لوران جباجبو منتصف العام قبل الماضى بعد أسبوعين فقط من مساندة القوات الموالية للرئيس «الحسن وتارا» فى مواجهاتها الدامية ضد القوات الموالية للرئيس السابق جباجبو. وفى الوقت نفسه، لم يخف بعض الخبراء والمراقبين تخوفهم من غرق باريس ومن سيتحالف معها فى حرب طويلة بلا نتيجة حقيقية أشبه بما وصلت إليه الولاياتالمتحدةالأمريكية فى حربها على القاعدة بأفغانستان، وهم يرون أن المهمة الفرنسية ستزداد صعوبة إذا نجحت الجماعات الإرهابية فى توسيع رقعة الصراع ليس داخل مالى فقط بل إلى داخل دول الجوار وخاصة الجزائر وموريتانيا والنيجر، كما يكمن الخطر الأكبر فى انزلاق القوات المتصارعة إلى حرب شوارع وعصابات تكون نتيجتها معروفة مسبقا لصالح الجماعات الإرهابية. وترى سارة فولجار الباحثة فى مركز دراسات الناتو الاستراتيجية أن الجدول الزمنى للنجاح فى القضاء على تنظيم القاعدة داخل القارة السمراء غير محدد المدة وغير واضح المعالم فى ظل تدهور الأوضاع الأمنية والحدودية بدول الشمال والوسط الأفريقى، بما يسمح لمقاتلى الجماعات الإرهابية فى التحرك بحرية تامة والحصول على كميات ضخمة من السلاح المهرب وغير ذلك من الإمدادات عبر الإقليم الصحراوى الشاسع، والذى قد يلجأون إليه فى حال تضييق الخناق عليهم شمال مالى.