يواجه رئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» انتقادات عنيفة بعد تلويحه بخروج بلاده من الاتحاد الأوروبى، وهو ما لم يتوقعه حتى أبرز حلفائه الذين حذروه من الإقدام على إجراء استفتاء حول البقاء فى الاتحاد أو الخروج منه. اللورد هيسيلتين، وهو أحد أبرز أعضاء حزب المحافظين الذى يتزعمه رئيس الوزراء البريطانى ومستشار كاميرون للنمو الاقتصادى، شن هجوما لاذعا على رئيس الوزراء محذرا من مخاطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. ولم تتوان ألمانيا عن تحذير بريطانيا من مغبة اللعب بالنار مؤكدة أن نار انسحاب لندن قد تلهب بلدان الاتحاد الأوروبى جميعا وفى مقدمتها ألمانيا بل إنها قد تحرق بريطانيا نفسها ، وحتى الخصوم السياسيين فى الداخل وجدوا فى قرار كاميرون فرصة للهجوم عليه. وفى سابقة من نوعها، عبرت واشنطن عن استيائها من احتمال لجوء الحكومة البريطانية إلى إجراء استفتاء، حيث أدلى مسئول أمريكى بتصريحات نصح فيها حكومة كاميرون بصرف النظر عن فكرة إجراء الاستفتاء الذى قد يؤدى لخروج بريطانيا من الاتحاد محذرا من أن لندن تخاطر بتدمير علاقتها بالولاياتالمتحدة والتهميش من المجتمع الدولى فى حال تركها الاتحاد. وهى المرة الأولى التى تتدخل فيها الولاياتالمتحدة فى الشأن الأوروبى بهذا الوضوح وهو ما أرجعه البعض إلى تراجع التأثير الأمريكى على بلدان الاتحاد فى السياسات الاقتصادية إذا خرجت بريطانيا مما سيسبب لواشنطن الكثير من المتاعب. ومن جانبه، واجه رئيس الوزراء البريطانى كاميرون كل هذا اللغط الذى أثاره مؤخرا بقوله إنه لا يعتقد أن بلاده ستنهار إذا انسحبت من الاتحاد، ومع ذلك فإنه من مصلحتها البقاء داخله وإنه يعتزم إعادة التفاوض بشأن علاقة بريطانيا مع الاتحاد والسعى إلى الحصول على موافقة شعبية جديدة على الاتفاق الذى يريد أن يتضمن إجراء ينص على عدم المساهمة فى بعض المشاكل الأساسية، وهو ما رد عليه رئيس المجلس الأوروبى «هرمان فان رامبوى» بأنه إذا كان لكل دولة عضو إمكانية الفرز فى السياسات الحالية لتأخذ منها ما تفضله وترفض التى لا تعجبها فإن الاتحاد سيتفكك سريعا. وفيما يسعى كاميرون إلى هذا الاستفتاء ليتسلح به فى مطالبة الأوروبيين بفتح معاهدة لشبونة لإجراء تعديلات عليها، استبق الشركاء خطوته بإبلاغه أن إعادة النظر فى المعاهدة ستغرق الاتحاد فى نقاشات لا نهاية لها، لذا فإن طلبه مردود سلفا، ومن المتوقع أن يطلب كاميرون إعادة التفاوض على شروط عضوية المملكة المتحدة بحيث تتضمن إعادة بعض الصلاحيات التى ذهبت إلى بروكسل وسيعد بعرض النتائج على استفتاء يكون فيه المصوتون مدعوين إما لقبول الصفقة الجديدة وإما للخروج من الاتحاد الأوروبى. وفى المقابل، لن يجعل الأعضاء الآخرون فى الاتحاد من عملية إعادة المفاوضات البريطانية أمرا سهلا حيث إنهم على الأرجح سيلقون بالقليل من التنازلات الرمزية باتجاه كاميرون بدلا من إجبار بريطانيا على الخروج من الاتحاد، كما أنه فى حال إجراء استفتاء من شبه المؤكد أن يختار البريطانيون الوضع الراهن والبقاء فى الاتحاد الأوروبى. ويرى المحلل السياسى «تيم هانس» أن كاميرون يقوم بمناورة يضغط بها على ألمانيا حيث إن حزبه المحافظ لديه قناعة أنه برحيل ساركوزى فإن الاتحاد الألمانى الفرنسى الذى كان يقود قاطرة الاتحاد الأوروبى قد انفرط عقده، وأصبحت ألمانيا الآن بمفردها، وسيكون من الصعب أن توفر ألمانيا وحدها كل متطلبات القيادة، ويبدو أن كاميرون يريد أن يستغل هذا الوضع بزيادة الضغط والتهديد باللجوء إلى الاستفتاء والانسحاب من الاتحاد ليحصل على المزيد من المكاسب.