اقترب يوم 25 يناير.. فإذا حاولت أن ترصد رؤى وتوقعات القوى السياسية المختلفة لما يمكن أن يحدث.. فأنت فى النهاية أمام ثلاث فرق تحاول كل منها أن تفوز بهذا اليوم.. كل على طريقته!. الفريق الأول هو فريق الليبراليين أو القوى المعارضة عموما.. وهؤلاء يتصورون أنهم قادرون عن طريق الحشد والمسيرات.. إسقاط النظام وإقصاء الإخوان عن الحكم!. الفريق الثانى هو فريق الإخوان أو الإسلاميين عموما.. وهؤلاء يتصورون أنهم قادرون على الإطاحة بالمعارضة عن طريق الحشد والمسيرات أيضا واستخدام القوة إذا لزم الأمر!. أما الفريق الثالث الذى ينتمى أيضاً للإخوان والإسلاميين فهؤلاء يتصورون أن قوى المعارضة غير قادرة على الحشد ومن ثم فإن الطريقة المثلى للتعامل معها هو تجاهلها.. حتى تأكل نفسها! والحقيقة أن الفرق الثلاث لا تختلف بعضها عن بعض.. فكلها يجرى وراء السراب والأوهام! وعلى الرغم من أن قيادات القوى الليبرالية والمعارضة تحاول التركيز على أن الحشد الذى تسعى إليه يوم 25 يناير القادم.. ليس هدفه إسقاط النظام ولا إقصاء الإخوان.. إنما الهدف الوحيد له هو إسقاط الدستور والوقوف أمام سيطرة الإسلاميين على الحكم.. على الرغم من ذلك إلا أن كل الشواهد تؤكد أن المعارضة تسعى لإسقاط النظام.. وتتصور أنها قادرة على ذلك! ولم تكن المظاهرات الحاشدة التى سبقت الاستفتاء على الدستور إلا تأكيدا لهذا المعنى.. فعندما اتجهت المظاهرات من ميدان التحرير إلى قصر الاتحادية وأحاطته بأعداد غفيرة.. كان واضحا أنها تستهدف إسقاط النظام! وفى كل الأحوال يطرح السؤال نفسه: هل تتصور المعارضة أنها قادرة على الإطاحة بالنظام والإخوان بالمظاهرات والحشد والمسيرات؟! إذا تصورت قوى المعارضة أنها قادرة على ذلك فالحقيقة أنها تعانى من مراهقة سياسية واضحة ذلك أن التاريخ الحديث لمصر على الأقل المائة سنة الأخيرة أكدت أن النظم القمعية مهما بلغت قوتها لم تستطع القضاء على الإسلاميين.. فهل سيقدر على ذلك حشود ومسيرات ومظاهرات؟! فى نفس الوقت فإنه من السذاجة أن نتصور أنه فى الإمكان إسقاط النظام الحالى كما تم إسقاط نظام مبارك.. فالثورات لا تتكرر كل يوم أو كل شهر أو كل عام إنما هى تحتاج إلى ظروف ومناخ يصعب توافرهما إلا فيما ندر.. ثم إن الاعتماد على الحشد والمظاهرات لإسقاط النظام يدخل مصر فى دوامة لا نهائية من الاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار وإذا افترضنا جدلا أن المعارضة استطاعت إسقاط النظام الحالى بالحشد والمظاهرات فما المانع من أن يجىء الدور على الذين سقطوا لكى يسقطوا الذين أسقطوهم بنفس الطريقة.. الحشد والمظاهرات! فهل تنعم أى دولة تعتمد هذا الأسلوب.. بالاستقرار؟! إسقاط النظام وإقصاء الإخوان بالمظاهرات والحشد والمسيرات.. وهم وسراب وخطأ فادح تقع فيه القوى الليبرالية والمعارضة.. نفس الحال بالنسبة للإسلاميين الذين يجرون هم الآخرون وراء الوهم والسراب ويقعون فى الأخطاء الفادحة! *** يتصور فريق الإخوان أو الإسلاميين عموما أنهم قادرون على الإطاحة بالمعارضة عن طريق الحشد والمظاهرات والمسيرات.. واستخدام القوة إذا لزم الأمر! فى الآونة الأخيرة ظهرت على شبكة الإنترنت أصوات غير قليلة تدعو إلى التعامل بمنتهى العنف مع مظاهرات المعارضة التى ستخرج يوم 25 يناير القادم. سواء كانت هذه الأصوات معبرة عن نفسها أو عن التيار الإسلامى فإنه من الواضح أن التيار الإسلامى عموما يؤمن بنظرية الحشد المضاد والتعامل بقوة وعنف مع مظاهرات المعارضة التى تسعى - من وجهة نظر التيار الإسلامى - إلى إغراق البلاد فى الفوضى. كلنا يذكر أنه كانت هناك دعوات من قيادات التيار الإسلامى لعمل حشد مضاد لحشد المعارضة فى نفس الأماكن التى تتواجد بها حشود المعارضة.. وإن تم التراجع عن تلك الدعوات فى اللحظات الأخيرة.. باستثناء قصر الاتحادية الذى شهد صداما بين حشود المعارضة وحشود التيار الإسلامى. هل استطاع أى فريق من الفريقين أن يحسم المواجهة لصالحه؟!.. ليس صحيحا. الحقيقة أن هذه المواجهة تكررت مرة أخرى حول مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.. ولم يتمكن أيضا أى فريق من الفريقين أن يحسم المواجهة لصالحه. فى المواجهات القليلة بين الفريقين.. سقط الشهداء والمصابون من الجانبين.. فى هذه المواجهات القليلة اختلطت دماء الفريقين.. والأمر المؤكد أن دماء الفريقين.. فريق المعارضة وفريق التيار الإسلامى ستختلط إذا استمرت المواجهات والصدامات.. الأمر المؤكد أن المواجهات والصدامات القادمة - إذا وقعت - لن يكون فيها غالب ومغلوب.. إنما الجميع خسران!. إذا تصور التيار الإسلامى أنه قادر على الإطاحة بالمعارضة بالحشد والمظاهرات والقوة إذا لزم الأمر.. فهو أيضاً يجرى وراء السراب والأوهام ويرتكب أخطاءً فادحة. ويتبقى الفريق الثالث! *** يؤمن الفريق الثالث الذى ينتمى هو الآخر للتيارات الإسلامية بأن المعارضة أضعف بكثير من قدرتها على التأثير بحشودها.. ومن ثم فإن الطريقة المثلى للتعامل معها هو تجاهلها.. حتى تأكل نفسها! ويدلل أصحاب هذا الرأى على صحة نظريتهم بفشل الحشود التى نظمتها المعارضة قبل الاستفتاء لإسقاط النظام.. ويؤكدون أنها بدأت قوية لكنها راحت تتناقص يوما بعد يوم حتى تحولت من مظاهرات بمئات الآلاف إلى تجمعات ببضعة عشرات! ويراهن أصحاب هذا الفريق على أن التناقضات الموجودة بين قيادات المعارضة الحالية.. قادرة على إضعاف المعارضة وتلاشى قوتها وتأثيرها. وفى كل الأحوال يؤمن أصحاب هذا الفريق بتجاهل المعارضة وإقصائها. هل يمكن تجاهل المعارضة فى مصر؟.. هل يمكن إقصاؤها؟! المعارضة الحالية فى مصر هى التى قامت بالثورة وهى التى سبقت التيار الإسلامى لميدان التحرير.. فهل يمكن تجاهلها؟!.. هل ينجح إقصاؤها؟! ثم إن استمرار هذه المعارضة فى الشارع ليس له إلا نتيجة واحدة.. عدم الاستقرار.. فهل يستطيع التيار الإسلامى الذى يمثل النظام الآن أن يتحمل تبعات عدم الاستقرار؟ تجاهل المعارضة وإقصائها.. سراب وأوهام!. *** الفرصة لم تضع بعد بشرط أن تؤمن القوى الليبرالية بأن إسقاط النظام لا يكون بالحشود والمظاهرات إنما بالسياسة والصناديق والديمقراطية وأن تؤمن القوى الإسلامية بأن مواجهة المعارضة والتغلب عليها لا يكون بتجاهلها أو إقصائها أو التعامل معها بقوة وعنف إنما بالسياسة والصناديق والديمقراطية. والأهم أن يدرك الجميع أنها مصر وأننا مصريون!