فى الوقت الذى تترقب فيه الأوساط الإعلامية الانتهاء من مشروع القانون الخاص بالمجلس الوطنى للإعلام، والذى سيتولى الإشراف على البث المرئى والإذاعى والإلكترونى والصحف والمؤسسات القومية، يؤكد خبراء ورجال إعلام أن مساحة الحرية فى القانون الجديد سوف تضع مصر على أبواب مرحلة جديدة من الانفتاح الإعلامى المنضبط. ورغم التحفظات التى أبداها الصحفيون وأساتذة الإعلام فيما يتعلق بإمكانية غلق الصحف وحبس الصحفيين طبقًا للدستور الجديد، يرى آخرون أن المؤسسات الصحفية والإعلامية سوف تشهد نقلة نوعية بعد إقرار القوانين الجديدة، وأن غلق الصحف سيكون بشروط مشددة قد تصل لحد الاستحالة. «أكتوبر» استبقت مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وطرحت هذه القضية المثيرة للجدل على عدد من خبراء الإعلام والأكاديميين.. لنصل معًا إلى الإجابة عن سؤال محدد.. هل يكون المجلس الوطنى للإعلام محللًا لسيطرة النظام على الإعلام خاصة القومى منه أم يكون بمثابة الزوج الشرعى صاحب القرار الأصيل واليد العليا فى قيادة منظومة إعلامية مستقلة عن النظام الحاكم ومصالحه؟! فى البداية يؤكد فتحى شهاب الدين رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى أن النظام الجديد سوف يضع الأمر كله فى يد المجلس الوطنى للإعلام وهى هيئة مستقلة تشكل طبقا للقانون الذى سيتم وضعه وستنتقل تبعية كل المؤسسات الصحفية ماليا أو مهنيا للمجلس الجديد، كما ستكون تبعية الوسائل الحديثة مثل الإنترنت والمدونات تحت سيطرة المجلس الذى سينظم مواثيق الشرف والشكاوى فى هذا الشأن. وأضاف شهاب الدين أن قوانين البث المرئى والمسموع سوف تعيد تشكيل تلك المؤسسات مرة أخرى وشدد على أن كل القوانين الحالية سوف تسير كما هى حتى يتم إصدار القوانين الجديدة بمعنى أن مجلس الشورى هو المسئول حتى يتم انتخاب الهيئة الوطنية للإعلام وإصدار القوانين التى سوف تنظم العمل. وأكد أن القوانين التى سيتم إصدارها ستفتح الباب للحرية الإعلامية من أوسع الأبواب وفيما يتعلق بالنص الدستورى الذى يقضى بعدم غلق صحيفة إلا بحكم قضائى قال إن القضاء المصرى الذى يحترمه الجميع سينحاز دائما لحرية الإعلام والقانون وسيضع شروطا صارمة لإغلاق الصحف تصل إلى حد الاستحالة، وشدد شهاب الدين على عدم إصدار أو اقتراح قانون إلا بعد فتح باب المناقشات والحوار الوطنى الجاد مع الجماعة الصحفية والجهات الإعلامية. وأوضح عماد المهدى وكيل لجنة الإعلام بمجلس الشورى أن اللجنة تعكف حاليًا على جمع الرؤى للخروج بمنطوق صحيح للعمل الإعلامى فى مصر وإيجاد حالة من التوافق الوطنى ما بين الجماعة الصحفية فى الصحف القومية ودمج الصحافة مع الإعلام فى جسد واحد. وقال إنه لم يتم حتى الآن التوافق على وضع خطوط عريضة لترجمة النص الدستورى وتحويله إلى نص قانونى ونفى أن تكون هناك نية لتكميم الأفواه كما يدعى البعض، مشيرًا إلى عدم وجود صحف تتحدث بلسان الرئيس أو الانحياز لأى حزب سياسى فلم يعد لمجلس الشورى سلطان على أى جريدة أو مؤسسة صحفية أو إعلامية. أما د. فاروق أبو زيد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فيرى أن النص الدستورى الجديد لم يأت بجديد فالإعلام والصحافة مازالا تابعين للدولة فالمجلس الوطنى للإعلام سيحل محل مجلس الشورى لتوفيق الأوضاع لا لتغيير النظام، فالتغيير يعنى تغيير نمط الملكية وضمان الاستقلال فما يتم الآن هو نوع من الإجراءات الشكلية فالملكية كانت للاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى ثم مجلس الشورى وجميعها نظم سلطوية، أما فى النظم الديمقراطية فنمط الملكية يكون على سبيل المثال جمعيات تعاونية أو شركات مساهمة أو أى نظام يضمن استقلالًا حقيقيًا فظاهرة الصحف القومية غير موجودة فى العالم كله إلا صحف العلاقات العامة أو ما يطلق عليها صحافة النشرة الإخبارية. وأشار د. أبو زيد إلى وجود إيجابيات فى الدستور الجديد أبرزها البند الذى سمح وأعطى الحق لكل مواطن فى إصدار صحيفة بإخطار ولم يعد رهنًا بموافقة الحكومة أو وزارة الداخلية إلا أن هناك المادة التى تسمح بغلق الصحف بحكم قضائى وهو ما يعد تراجعًا عن حق أصيل للإنسان فدستور 71 كان يمنع غلق الصحف سواء عن طريق السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية على اعتبار أنه حق طبيعى كالماء والهواء، فعلى سبيل المثال سيارة تصدم إنسانًا فهل يتم سجن السيارة أم سجن السائق أو صاحبها فبالمثل عندما يرتكب الصحفى جريمة فلا أحد يحاكم الجريدة؟. وقال إن هناك تراجعًا آخر فيما يخص حبس الصحفيين فى قضايا السب والقذف بعد كفاح الصحفيين لإلغاء تلك البنود عادت إلينا مرة أخرى أما فيما يخص التليفزيون والإذاعة كان ينبغى إنهاء احتكار الدولة. نقلة نوعية ويرى د. سامى الشريف أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن هناك نقلة نوعية ستحدث فى المؤسسات الصحفية والإعلامية بعد إقرار مواد الإعلام فى الدستور الجديد والتى فضت الاشتباك بين وزارة الاستثمار والقنوات الفضائية من خلال إنشاء مجلس وطنى للإعلام ورغم أنه لن يكون بعيدًا عن سلطة الحكومة من حيث الإشراف عليه إلا أن دوره سيعمل على وضع ضوابط لحماية القيم والثوابت المجتمعية وعدم التجاوز الأخلاقى الذى يراه المصريون جميعًا على القنوات الفضائية، وقال: على المؤسسات الصحفية والإعلامية أن تستعد قبل إصدار القوانين التى سوف تنظم العمل وفقا للنظام الجديد، موضحًا أن مراقبة مجلس الشورى ليست تقييدًا للأداء الإعلامى والذى أصبح ضرورة فى ظل الانفلات الإعلامى، كما أن خبراء الإعلام نادوا كثيرًا بإبعاد وزارة الاستثمار كمراقب وتشكيل مجلس إعلام يكون هو المشرف والمراقب ويتحمل المسئولية أمام الدولة والمجتمع على أن يضم إعلاميين من النخبة ورموز المجتمع المدنى لوضع ميثاق شرف إعلامى تُحاسب على أساسه القنوات المخالفة. وقال ممدوح الولى نقيب الصحفيين: إن مواد الصحافة فى الدستور الجديد أنهت وصاية مجلس الشورى على المؤسسات الصحفية الحكومية وسيتم تشكيل مجلس وطنى للإعلام وتوسع الدستور فى ملكية الصحف ليشمل الشخص الطبيعى وكذلك الشخص الاعتبارى واصفًا حذف جملة «السلطة الرابعة» بأنها كانت عبارة رمزية والواقع المجتمعى يقول إن الصحافة لديها قوة وحصانة تضاهى وتفوق السلطات الثلاث للدولة نظرًا لتأثيرها القوى على الرأى العام، موضحًا أن الدستور الجديد أتاح للصحفى حق الحصول على المعلومات ومعرفة البيانات والإحصاءات والوثائق أيًا كان مصدرها ومكانها وتلتزم الدولة بتسهيل هذا الحق دون معوقات بما لا يتعارض مع الأمن العسكرى للدولة. وأكد إسماعيل الششتاوى رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون أن مبنى ماسبيرو يعد الآن مشروع القانون الخاص بالمجلس الوطنى للإعلام والذى سيلغى وزارة الإعلام ويكون الإعلام الرسمى والخاص تابعين للمجلس. وأضاف: نحاول العمل على تشكيل مجلس قوى يحكم العملية الإعلامية تكون لديه آلية فى تنفيذ كل قوانين المجلس على الإعلاميين، مشيرًا إلى أن من أهم مميزات المشروع أنه يعمل على حرية الإعلام وإتاحة وحرية المعلومات وتداولها والتى ينظمها القانون، فضلاً عن تعديل قانون البث الفضائى وإنشاء نقابة للإعلاميين. أكثر من مشروع وأضاف الششتاوى أن هناك أكثر من مشروع مقدم من بعض الزملاء نحاول الاستفادة منه، مشيرًا إلى أن مشروع القانون سيطرح على مجلس النواب بعد تشكيله وعلى الإعلاميين كافة بحيث تكون هناك رقابة ذاتية على الإعلاميين أنفسهم. ويقول إبراهيم الصياد رئيس قطاع الأخبار باتحاد الإذاعة والتليفزيون إن ما نلمسه حاليًّا من المناقشات حول إنشاء مجلس وطنى للإعلام هو محاولات لخلق استقلال حقيقى للإعلام والإعلاميين وكلها مساعٍ لتطوير العمل الإعلامى والنهوض به، مشيرًا إلى أن إنشاء مجلس وطنى للإعلام هو خطوة حقيقية تجاه تطوير صناعة الإعلام حتى وإن لم يتحقق هذا التطوير بين يوم وليلة ولكنه مثله مثل أى شىء فى الحياة يتطور مع الوقت وبجهود العاملين بالحقل الإعلامى ولكن أهم شىء هو الانطلاقة الأولى لهذا التطوير. ومن جانبه أشار د. ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامى إلى أن المجلس الوطنى للإعلام من الممكن أن يكون سببا فى حل مشكلات الإعلام فى مصر ومن الممكن أيضا أن يكون سببا فى تقييده والفيصل هنا الطريقة التى سيتم تشكيل المجلس بها والقواعد المهنية التى سيطورها وتكون الفضائيات ملزمة بها وهى مجرد قواعد مهنية لا دخل لها بالسياسات التحريرية. وأشار عبد العزيز إلى أن المجلس سيمثل ضمانة للحرية وازدهار الإعلام إذا كانت القواعد التى سيضعها المجلس متقدمة وغير مقيدة، وأضاف أنه إذا كان التشكيل سلطويا وقواعده رجعية سيكون هذا المجلس بمثابة القيد على الإعلام وأن المجلس ليس حلا فى حد ذاته ولكن الحل يكمن فى تشكيله بشكل متوازن ووضع آليات عملية ومهنية له. وأضاف: رغم أن مجلس الشورى سيكون هو المنوط به تبنى إصدار مشروع قانون للمجلس الوطنى للإعلام ولكنى مع تأجيله لحين انتخاب مجلس شعب فوزارة الإعلام لم تعد مناسبة أن تشرف على الإعلام. وأكد عبد العزيز أن من بين مهام المجلس الذى سيتم تشكليه الإفصاح عن الملكيات الحقيقية للقنوات الخاصة وآخر اقتراح لتشكيل المجلس الوطنى للإعلام أن يتم التشكيل من المجتمع المدنى ونقابة الصحفيين وكذلك من مجلس النواب وآخرين يتم تعيينهم من قبل رئاسة الجمهورية. أما الكاتب الصحفى صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة فيقول إن العمل مازال جارياً لوضع الخطوط الرئيسية لمسودة القانون الخاص بإنشاء هيئة مستقلة لإدارة شئون الصحافة والإعلام كبديل للمجلس الوطنى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام، مشيراً إلى أن المجلس المقرر إنشاؤه سيكون مستقلاً عن جميع السلطات السياسية والتشريعية والتنفيذية. وأكد أنه من المقرر إنشاء ثلاثة مجالس مستقلة تحت مظلة الهيئة الرئيسية حيث سيتم تخصيص مجلس لإدارة شئون البث التلفزيونى ومجلس آخر لإدارة الصحف والمؤسسات القومية حتى لا تكون تابعة للسلطة السياسية تتحكم فيها كيفما تشاء بالإضافة إلى إنشاء مجلس آخر لإدارة الإعلام الإلكترونى حتى لا يتعلل البعض بعدم وجود رقابة على المواقع الإلكترونية فيتم فرض قيود عليها. وأضاف أن تلك المجالس سيتم وضع قوانين ولوائح منظمة لعملها مع التأكيد على حرية الرأى والتعبير و ضمان الحماية القانونية للصحفيين والإعلاميين أثناء تأديتهم لعملهم مع إلزام نقابة الصحفيين بالالتزام بالتقاليد المهنية وتطبيق ميثاق الشرف الصحفى على كل من يتجاوز من أبناء المهنة، مشدداً على أن تلك القوانين لن تكون ملزمة للحكومة ولكنها ستكون مجرد اقتراحات تعبر عن مطالب ورؤية الصحفيين المستقبلية لمهنتهم ومن حق الحكومة أن تأخذ به و تعرضه على مجلس الشعب لإقراره فى صورة قانون أو لا تأخذ به. ومن جانبه أكد عبد المحسن سلامة مدير تحرير جريدة الأهرام على أن ما سينظم العلاقة بين مواد الدستور الجديد والمؤسسات الصحفية والإعلامية هو قانون ينقل الملكية بشكل عملى من مجلس الشورى إلى المجلس الوطنى للإعلام ويؤسس لعهد جديد للصحافة والإعلام تفسيرا لنص المادة 216 من الدستور وإن كنت أتمنى تقسيم تلك الهيئة لتشمل هيئة مستقلة للصحف وهيئة أخرى مستقلة للإعلام ونأمل ألا يتم سلق هذا القانون حتى يحقق المأمول منه ونطمع أن تؤدى نقابة الصحفيين دورها بشكل كبير. وأضاف أنه ينبغى على مجالس الإدارات والجمعيات العمومية بالمؤسسات الصحفية والإعلامية استطلاع رأى أعضائها قبل طرح مثل هذا القانون المهم جدا الذى أرجو طرحه على مجلس النواب لا مجلس الشورى، وأكد أن طموح الجماعة الصحفية أن يكون هناك صحافة مستقلة تمارس عملها بعيدا عن الدولة والنظام الحاكم فمن المعروف أن هناك حزبًا يصل إلى السلطة كل أربع سنوات فهل يصح أن تكون المؤسسات القومية تابعة لكل من يصل إلى السلطة الإجابة لا، فمن الطبيعى أن يمارس الصحفى عمله بمهنية بعيدا عن الصراعات السياسية والنظام الحاكم. وأكد عبد المحسن أن لديه بعض التحفظات على مواد الدستور خاصة المادة 216 فلن ترضى أبدًا الجماعة الصحفية عن غلق الصحف حتى ولو بحكم قضائى فمؤسسة الأهرام على سبيل المثال يعمل بها 14 ألف شخص فهل يمكن غلقها إذا أخطأ صحفى فى كتابة موضوع؟!