تعانى دول وسط وجنوب القارة الأفريقية من مشكلات متشابهة إلى حد كبير، أكثرها خطورة الجماعات الانفصالية المسلحة، وتعتبر الكونغو الديمقراطية «زائير سابقا» إحدى الدول التى تمتلك تاريخا طويلا من المعاناة من محاولات انفصال وتقسيم أراضيها، وآخرها الجارية حاليا فى شرق البلاد من قبل جماعة «23 مارس» أو ما تعرف ب «إم 23»، وقد تسببت المواجهات العسكرية بين القوات النظامية للجيش الكونغولى ومتمردى إم 23 منذ إبريل الماضى وحتى منتصف ديسمبر الجارى فى نزوح وتشريد ما يقارب المليونى شخص عن قراهم ومنازلهم، كما سيطر المتمردون على معظم مدن إقليم شرق البلاد وعلى رأسها مدينة غوما الاستراتيجية ليصبح الطريق ممهدا أمامهم نحو العاصمة كينشاسا وهو ما اضطر الرئيس جوزيف كابيلا للمرة الأولى للإعلان عن تقديم مبادرة غير مشروطة لحل الأزمة تحت عنوان «حوارات الإنقاذ». تقوم هذه المبادرة على دعوة كافة الأطراف المعنية والمتصارعة من مسئولى الحكومة ورموز المعارضة السياسية وزعماء كبرى الجماعات المتمردة وعلى رأسها جماعة إم 23 للجلوس على مائدة الحوار والمفاوضات دون شروط مسبقة لإعادة توحيد البلاد. وأوضح كابيلا أمام البرلمان أن «الاصطفاف الوطنى يجب ألا يكون مشروطا ويجب أن يكون متاحا للجميع»، مشددا على ألا يكون هناك كونغو للأغلبية وكونغو منفصلة للمعارضة، وكانت هذه من المرات القليلة التى يظهر فيها كابيلا حيث أصبح نادرا ما يخاطب شعبه وقليل المشاركة فى المناسبات العامة منذ فوزه بفترة رئاسية جديدة فى انتخابات نوفمبر 2011 والتى شهدت انتهاكات صارخة وعمليات تزوير واسعة. من جانبها، رحبت جماعة إم 23 بالمبادرة، وكنوع من ابداء الجدية فى المفاوضات أعلنت عن الانسحاب من مدينة غوما مع الاحتفاظ بسيطرتها على مطار المدينة، وسمحت للمرة الأولى بانتشار قوات حفظ السلام التابعة لمجموعة دول الجنوب الإفريقى المعروفة باسم «سادك» فى بعض مناطق إقليم شرق البلاد. وعن إمكانية نجاح هذه المبادرة، يقول خبراء أن الأجواء السياسية داخل الكونغو ملبدة بالغيوم وغير واضحة المعالم ولايمكن توقع نتائجها، ولكن يتحتم على الرئيس كابيلا التوصل إلى حل نهائى يعيد الهدوء لشرق البلاد لكى يتفرغ بعدها لمواجهة انتقادات معارضيه على المستوى السياسى وأهمها اتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وفى إشارة لخطورة الوضع الحالى بالكونغو، أعربت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن قلقها الشديد تجاه ما يدور من أحداث معتبرة إياها كابوسا تعيشه البلاد لا نهاية له، بعد أن أصبحت الاشتباكات مستمرة بصورة يومية مخلفة وراءها ما يزيد على خمسة ملايين من القتلى والجرحى والنازحين فى واحدة من أكثر الصراعات دموية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتعجبت الصحيفة الأمريكية من الوضع الاقتصادى والمعيشى المتدنى للكونغوليين فى ظل ما تتمتع به بلادهم من موارد طبيعية هائلة كالطاقة الكهرومائية الكافية لإضاءة القارة الإفريقية بأكملها والمساحات الشاسعة من الأراضى الزراعية الخصبة فضلا عن مناجم النحاس والألماس والذهب، متهمة فى الوقت نفسه الرئيس كابيلا بأنه سبب ما وصلت له البلاد من تدهور خلال فترة حكمه المستمرة منذ عام 2001 والتى ازدادت سوءا بتجدد محاولات الانفصال وتقسيم البلاد. من جهة أخرى، دعا كابيلا فى وقت سابق الشعب الكونغولى للتعاون مع الجيش فى المقاومة العسكرية ضد ما يعرف بالجماعات المتمردة وهو ما أدانه الكثير من المنظمات الحقوقية. وكانت الاشتباكات بين الجيش الكونغولى والجماعات المتمردة بقيادة جماعة إم 23 قد تجددت فى إبريل الماضى بعد أن نفذ صبر المتمردين من وفاء كابيلا وحكومته باتفاق السلام الموقع عام 2009، والذى يقضى بدمج تلك الجماعات داخل صفوف الجيش وحصول قادتهم على مناصب وعدوا بها، ويذكر أن الجنرال جابريل اميسى قائد الجيش الكونغولى يواجه حاليا تهمة الخيانة العظمى بعد أن كشف تقرير للأمم المتحدة أنه يشرف على شبكة لإمداد الذخيرة والسلاح لمرتكبى الصيد غير القانونى والجماعات المتمردة.