سيطر علىّ إحساس وشعور شديدان بالخوف على قضائنا ومحاكمنا صباح الأحد الماضى حينما نقلت الكاميرات التليفزيونية والفضائية مشهد المعتصمين أمام وداخل ردهات وطرقات وقاعات المحكمة الدستورية العليا وعلى أسوارها وأرصفتها. وهذا الإحساس بالخوف على مستقبل القضاء المصرى وقضائنا الذى يستحوذ على المرتبة الثالثة على العالم بعد ألمانيا وأمريكا.. فدولة تركيا ومحكمتها الدستورية - وتركيا هى الدولة التى نتغنى بها وبتقدمها - تفصلنا عنها فى ترتيب المحاكم الدستورية 23 دولة فهى المحكمة رقم 26 ونحن رقم 3 وهذا يرجع لتاريخ قضائنا الدستورى الذى أصبح له زخر من الدراسات والأبحاث والقوانين الدستورية على مستوى العالم حيث يستعين بها اتحاد المحاكم الدستورية العليا فى العالم العربى والذى تسلمت مصر ورئيس محكمتها الدستورية رئاسة اتحاد المحاكم العليا والدستورية العربية ولمدة 4 سنوات بدأت منذ عام 2010 وهذا يدل على التاريخ الدستورى العريق للمحكمة الدستورية العليا فى مصر والذى بدأ منذ عام 1969 وحتى الآن وهى تراكمات وخبرات غالية القيمة وصلت إلى المستوى العالمى الذى يستفيد بخبرات قضائها. فالدكتور المستشار عادل شريف وأنا أعرفه منذ ما يقرب من20 عاماً تم اختياره كقاض دستورى عالمى فى الأممالمتحدة وتسلم جائزة دولية منذ 3 سنوات فى نيويورك من منظمة المحاكم العليا فى العالم. أعود فأقول انتابنى خوف شديد أيضاً حينما قرأت جزءا بالصفحة الأولى من جريدة الشروق منذ أيام تحت عنوان «الإخوا تدعو المحكمة للعودة إلى رشدها»، حيث قال كارم رضوان عضو حزب الحرية والعدالة إن المحكمة أقحمت نفسها فى صراع بعد أن زيفت الأمور مضيفاً ونحن نبرأ من إقحام القضاء فى السياسة وأن المحكمة هى التى تتحمل مسئولية ما يجرى أمامها لأنها تحدت إرادة الشعب وجعلت نفسها خصما، وأضاف اننى أتمنى أن يعود ويرجع قضاة المحكمة لرشدهم ويعلموا أن القضايا التى يعتزمون نظرها هى قرارات تتعلق بالسيادة ولا يحق للقضاء النظر فيها، بل ما زاد الطين بلة أن د. الفقيه ثروت بدوى كشف حقيقة - مرة - كما جاء فى الأهرام يوم الخميس 29 نوفمبر الماضى - والتى تحاك ضد الشعب المصرى والثورة ونظام الحكم الشرعى فى مصر- أن هناك معلومات أكيدة تجمعت لديهم بأن المحكمة الدستورية كانت تخطط للقضاء على النظام وإعادة النظام السابق فكان لابد أن يصدر الرئيس مرسى الإعلان الدستورى واتهم قضاتها بأنهم يجهلون القانون الدستورى، وذلك خلال ندوة عن «حاضر ومستقبل الدستور بأكاديمية السادات». ياسادة كيف لأستاذ قانون دستورى أن يصدر مثل هذا الاتهامات فى حق المحكمة الدستورية وقضاتها ويغير مبادئه وآراءه بعد هذه السنوات الطويلة فى تدريس مادة القانون الدستورى والتى تغيرت فقد كانت آراؤه قبل ذلك مختلفة تماماً؟! وكيف لعضو حزب أن يطلب من قضاة المحكمة الدستورية العليا العودة لرشدهم؟، بما يعنى أن يصدروا أحكاماً تتوافق مع رأيه ولا تتفق مع ضمائرهم. ياسادة إن يوم الأحد الماضى كان يوماً صادما يستحق التوقف طويلا وأيا كان الهدف من هذا الاعتصام الذى لم ينته حتى الآن ولا أتوقع ذلك يتطلب التعمق منا والتفكير فيما وصلنا إليه من تعد على استقلال القضاء وقضاته فلا يصح أبدًا فرض الأحكام على المحاكم بالقوة وتحت التهديد والضغط والاعتصام.. وهنا أتساءل: هل الرشد فى عرف المسئول الحزبى يعنى إصدار حكم كما يطلب هو أو حزبه؟ فالأحكام لاتصدر عنوة ولاتصدر تحت تهديد القوة والضغط من أى تيار يا سادة.. اتركوا القضاة يصدرون أحكامهم حسب ضمائرهم والقانون والدستور.. ولاتهدموا قلعة المصريين فى الحرية وتحقيق العدالة والعدل وإنصاف المظلومين. وأقول هنا إن التاريخ سيحاسب من يشارك فى هذه الهجمة على القضاء المصرى محاسبة شديدة وأقول للمسئولين عن الأمن والتأمين: أوقفوا هذا الرعب أمام المحاكم.. وسوف تعيش مصر وقضاؤها وقضاتها ومحاكمها ثابتة ومستقرة، لاتخضع لضغط أو تهديد أى طرف.