أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة العليا يوم الأربعاء الموافق 28/11/2012حكماً بإعدام ستة من المتهمين فى قضية الفيلم المسيئ للرسول الكريم والذى تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعى المتعددة على شبكة الإنترنت. وقد انتشرت مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت ومنها المنتديات وموقع الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وقد تعددت الجرائم التى تقع على هذه المواقع الاجتماعية وثارت التساؤلات حول كيفية محاسبة مرتكبى هذه الجرائم والمعايير والأخلاقيات والآداب التى يجب الالتزام بها فى الكتابة فى تلك المواقع أو التدوين أو التعليق، كما ثارت التساؤلات حول كيفية مكافحة الجرائم التى يمكن أن تُرتَكب فى تلك المواقع وكيفية الإبلاغ عنها وضبطها قانوناً وسوف نتناول ذلك فيما يلى: أولا: المقصود بالتواصل الاجتماعى والمواقع التى تقوم بهذا الغرض. إن مصطلح التواصل الاجتماعى باللغة العربية هو المصطلح الأدق فى إعطاء مدلول الكلمة الكامل عنه فى اللغة الإنجليزية، حيث يطلق عليه باللغة الإنجليزية (Social Media) والتى لو ترجمت حرفياً لعَنت الوسائط الاجتماعية، مع العلم أن الوسائط ليست الكلمة الدقيقة لوصف نوعية التفاعل (لا بالعربية ولا بالإنجليزية) ويبقى أن نعرّف معنى التواصل الاجتماعى بأنه:«عملية التواصل مع عدد من الناس (أقارب، زملاء، أصدقاء، أو كل ما سبق) عن طريق مواقع وخدمات الكترونية توفر سرعة توصيل المعلومات على نطاق واسع. فهى مواقع لا تعطى المستخدمين معلومات فقط، بل تتزامن وتتفاعل مع المستخدمين أثناء إمدادهم بتلك المعلومات فى نطاق الشبكة التى يستخدمونها. وبذلك نشأ أسلوب تبادل المعلومات بشكل فورى عن طريق شبكة الإنترنت. ويوجد الكثير من المواقع التى تقوم بهمة تسهيل عملية التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت وفى كل يوم يظهر المزيد منها ومن أمثلة هذه المواقع: المدونات Blogs، فيس بوك facebook، تويتر twitter، ماى سبيس MySpace وررد بريس word press، يوتيوب youtube هاى فايف hi5، لينكدإن linkedin، برايت كايت BrightKite، هالول hallol، إكس بوكس Xbox، ديليشيوس delicious، فرندستر .friendster، كوتش سيرفنج.couchsurfing، ريسرش جايت ResearchGate وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعى الأخرى، ويعتبر مُصطلح المدونة أو المُعلّقة هو التعريب الأقرب فى اللغة العربية لكلمة blog الإنجليزية المشتقة من كلمتى Web - log بمعنى سجل الشبكة وقد افترضنا تسميتها باللغة العربية مُعَلقة لوجود أصول تاريخية عربية لها لدينا وذلك فى كتابنا «شرح الأصول العلمية والعملية للمدونات»، ويمكننا تعريف المدونة أو المُعلقة علمياً بأنها تطبيق من تطبيقات الإنترنت، يعمل من خلال نظام لإدارة المحتوى الإلكترونى وهو فى أبسط صوره عبارة عن صفحة على الإنترنت تحوى على مجموعة من المقالات القصيرة التى يتم تحديثها باستمرار كما فى الصحيفة اليومية. وهى مؤرخة ومرتبة ترتيبا زمنيا تنازلياً من الأحدث تاريخياً إلى الأقدم، تصاحبها آلية لأرشفة المُدخلات القديمة وحفظها، ويكون لكل مُدخل منها عنوان دائم لا يتغير منذ لحظة نشره ويتمكن بذلك القارئ من الرجوع إلى إحدى التدوينات القديمة فى وقت لاحق عندما لا تكون متاحة فى الصفحة الأولى للمدونة. كما يمكننا تعريف المُعَلقات لغوياً بأنها جمع مُعَلَّقة، يقال علّق الشىء تعليقا: جعله معلقّا وعُلّقَها وعُلِّقَ بها تعلّيقا: أحبها وهو معلّق القلب بها والعِلْقُ (بالكسر) النفيسُ من كل شىء. واصطلاحا: هى السبع أو العشر الطوال من أشهر القصائد لفحول الشعر العربى فى العصر الجاهلى والتى كانت سجلاً تاريخياً للعرب وأخبارهم وحروبهم وهجائهم وفخرهم. ويمكننا تعريف المدونة أو المعلقة من الناحية التكنولوجية بأنها آلية للنشر الإلكترونى على الإنترنت بأسلوب سهل ينأى بالمستخدم عن التعقيدات التقنية المرتبطة بالنشر على الانترنت، وتتيح لكل شخص أن ينشر كتاباته بسهولة بالغة، وتتم المدونة وفقاً لتعاون بين موفرى خدمة استضافة المدونات على مواقعهم وبين المدونين أنفسهم وذلك بأن يقوم مقدم الخدمة بتوفير آليات خاصة مثل واجهات البريد الإلكتروني على الإنترنت وتتيح لأى شخص أن يحتفظ بمدونة ينشر ويُعلق (Upload) من خلالها ما يريد بمجرد ملء نماذج وضغط بعض الأزرار على الموقع. كما توجد خدمات أخرى على المواقع المذكورة للربط بين المدونات وتقديم التفاعل بين المدونين والقراء من خلال التعليق على مُدخلات المدونة المختلفة. ثانياً - تاريخ ظهور مواقع التواصل الاجتماعى: ظهرت المُعلقات أو المدونات كنتيجة غير مباشرة لوقوع الحرب على العراق فكانت وقائع تلك الحرب سببا من أسباب ذيوع صيت المدونات وانتشارها فظهرت فى عام 2002 حيث استخدمها المراسلون الحربيون والصحفيون والحقوقيون فى تداول أخبار الحرب على العراق ونشأت مدونات مؤيدة للحرب وأخرى معارضة للحرب وفى عام 2003 ظهرت المدونات كوسيلة للعديد من الأشخاص المعارضين للحرب على العراق فى الغرب للتعبير عن مواقفهم السياسية. وفى عام 2004 أصبحت المدونات ظاهرة اجتماعية عامة على الإنترنت وأصبحت واقعاً فعلياً يُعلق فيه الملايين من البشر من جميع الجنسيات رؤيتهم على شبكة الإنترنت. كما أصبحت المدونات نوعا من أنواع الإبداع الأدبى المتعارف عليه تنظم له دور النشر والصحف - فى إصداراتها الرقمية - المسابقات لاختيار أفضلها من حيث الأسلوب، والتصميم، واختيار الموضوعات، مثل المسابقة التى نظمتها صحيفة جارديان البريطانية، كما تم نشر بعض المدونات على هيئة كتب. ونحن نرى أن العرب كانوا سباقين تاريخياً فى صناعة المعلقات الشعرية وتعليقها أو تحميلها (Upload) على أستار الكعبة الشريفة فى الجاهلية وكذلك المعلقات المعمارية العراقية على أعالى جبال مدينة بابل العراقية وذلك لعرض فنونهم الشعرية وتاريخهم وفنونهم المعمارية فى مكان يراه الكافة مثل الإنترنت تماماً. ثم ظهر موقع الفيس بوك فى عام 2004 وذلك بدايةً بين طلبة جامعة هارفرد الأمريكية على يد أحد الطلبة يُدعى مارك جوكر بيرج كان هدف جوكر بيرج من إنشاء هذا الموقع هو سهولة التواصل مع أصدقائه من طلبة هارفرد وأطلق على اسم موقعه فيسبوك وما أن تم إطلاق هذا الموقع حتى لاقى استحسان جميع الطلبة وانضم له الكثير ثم انضم له الكثير من خارج الجامعة ثم أصبح موقع فيسبوك الشهير الذى أصبح عملاق مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت ثم توالت بعد ذلك مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى الظهور مثل يوتيوب وتويتر وغيرهما. ثالثاً: الأسانيد التى تستند إليها الدول فى رقابتها على مواقع التواصل الاجتماعى: استغل البعض التقدم العلمى والتكنولوجى استغلالا سيئا وبدأ فى ارتكاب بعض الأفعال التى قد تصل إلى جرائم جنائية، هى جرائم الانترنت حيث قام البعض بنشر مواقع تسىء لأشخاص آخرين أو تسىء لشكل ومظهر الدول وقد شكلت بعض الدول مجموعات عمل لمتابعة مشكلات الانترنت والمعلقات لمراقبتها وفحص التعاملات والمعاملات التى تتم عليها من وإلى الخارج، وإذا ما ظهر أية مخالفات أو أعمال تمثل خروجا على القانون والشرعية أو تهديد أمن واستقرار الدول يتم التدخل فورا بالتنسيق مع الأجهزة النوعية الأخرى، وتكوين آلية لمراقبة مواقع الانترنت المشبوهة التى تُبث من داخل الدولة ويتم تقنين الإجراءات بعد عملية التتبع الفنى وضبط القائم بها، ويتم التكييف القانونى للوقائع التى تحدث من خلال قوانين العقوبات والإجراءات والتشريعات الجنائية الخاصة المكملة لها وقد شرحنا ذلك تفصيلاً فى كتابنا «شرح جرائم الكمبيوتر والإنترنت». رابعاً: أشهر جرائم مواقع التواصل الاجتماعى فى العالم العربى: من أهم الجرائم التى ظهرت حديثا وشغلت الرأى العام العالمى والعربى والإسلامى بسبب ما نجم عنها من اضطرابات اكتسحت العديد من العواصم العالمية جريمة الفيلم المسيئ للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام والتى بصددها أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة العليا يوم الأربعاء الموافق 28/11/2012حكماً بإعدام ستة من المتهمين فى قضية الفيلم المسيئ للرسول الكريم والذى تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعى المتعددة على شبكة الإنترنت، وهناك العديد من الجرائم الأخرى المتعددة التى ترتكب على مواقع التواصل الاجتماعى نذكر منها جرائم التحريض الطائفى والمذهبى وازدراء الأديان السماوية والسب والقذف والتشهير وعرض صور إباحية للسيدات والأطفال وتشويه السمعة. ومن ذلك قيام أحد الأشخاص بعمل صور إباحية ومعلومات خاصة عن إحدى الفتيات باسمه المستعار على معلقته على شبكة الانترنت وتم ضبط المتهم وتمت إدانته جنائياً. كما تم اقتحام الموقع الالكترونى لإحدى المجلات المصرية عام 2005 وتم ضبط المتهم وأدين جنائياً. كما أصدرت محكمة جنح الزيتون حكما عام 2006 ببراءة شاب من تهمة اختراق موقع إحدى المنظمات الدولية العربية وقد كان سبب البراءة هو بطلان إجراءات الضبط والتفتيش، وكذلك أحد الشباب المصرى السكندرى الذى اعتقلته السلطات المصرية أول مرة فى أكتوبر عام 2005 على خلفية مقال كتبه على الانترنت عن أحداث الفتنة الطائفية فى منطقة محرم بك بالإسكندرية ثم أطلق سراحه بعد ثمانية عشر يوما، تم فصل من جامعة الأزهر نتيجة لمقالات كتبها ينتقد فيها الأزهر وشيخ الأزهر، وتم القبض عليه مرة أخرى فى أواخر عام 2006 بتهمة الإساءة للإسلام والإساءة للرسول الكريم واتهامات أخرى منها إثارة الفتنة وإهانة رئيس الجمهورية السابق وتم الحكم عليه فى 22 فبراير 2007 بعقوبة الحبس 4 سنوات. وأخيراً تم نشر صور لفتاة مصرية عارية على موقع الفيسبوك وأيضاً نشر شاب مسيحى على موقعه الشخصى على فيسبوك ما يسئ للدين الإسلامى وغيرها من جرائم السب والقذف وإثارة الفتن وجرائم الآداب والدعارة والاستغلال الجنسى للأطفال وجرائم بث الشائعات وخاصة فى الأوضاع الحالية التى تمر بها مصر. وسوف نتناول فى مقال آخر كيفية مواجهة المشكلات الجنائية لجرائم مواقع التواصل الاجتماعى.