«البعد عن السياسة، وإعادة الكنيسة للمربع الروحى، وتعديل لائحة 57، والنظر بعين الرحمة فى حل مشكلة أقباط 38، والعمل على إصدار قانونى الأحوال الشخصية وبناء الكنائس، والتنسيق مع الكنائس الأخرى وتدعيم المواطنة والوحدة الوطنية».. كانت هذه هى أهم مطالب الشارع القبطى من البابا تواضروس الثانى الذى وقعت عليه القرعة الهيكلية الأسبوع الماضى ليكون البابا ال 118 من باباوات الكنيسة الأرثوذكسية الوطنية العريقة، فى مهمة وصفها أغلب المراقبين بأنها صعبة خاصة أنه يأتى خلفاً للبابا شنودة الثالث بكاريزميته المعروفة، ولكنها ليست مستحيلة بالقياس مع قدرات وخبرات الرجل الذى احتفل بعيد ميلاده الستين فى نفس يوم القرعة الهيكلية..فى البداية أكد المفكر كمال زاخر المنسق العام للتيار العلمانى المعارض فى الكنيسة أن العملية الانتخابية نفسها منذ اللحظة الاولى وحتى اعلان القرعة الهيكلية كانت تمثل منظومة حضارية تؤكد القيم المسيحية الكنسية، وتعد بمثابة نموذج يمكن أن يحتذى به فى الحياة العامة، واضاف لقد جاءت النتيجة مرضية لكافة الاتجاهات فى الكنيسة والشارع القبطى، لما يمثله الأنبا تواضروس من مدرسة هى نموذج للإدارة الحديثة والانضباط والمحبة، وهى القيم التى تحتاجها الكنيسة والوطن فى هذه المرحلة.. وأضاف زاخر أن البابا يأتى فى هذه اللحظة فى ظرف مرتبك ومختلف عن الماضى خاصة فى ظل تصاعد تيار الإسلام السياسى وفى ضوء خروج الشباب القبطى عقب ثورة 25 يناير من اسوار الكنيسة – سياسياً – وهذا قد يخفف العبء السياسى عن كاهل الكنيسة وبالتالى تعود مجدداً إلى المربع الروحى والتكليفات الرعوية والروحية المحملة بها، وهو الأمر الذى أكده نيافة القائم مقام البطريركى الأنبا باخوميوس فى كل بياناته وتصريحاته. ترتيب البيت الكنسى وأكد زاخر أنه تبعاً لما سبق فإن الملفات التى تنتظر البابا تتعلق فى جملتها بترتيب البيت من الداخل وإعادة هيكلة المنظومات الرئيسية فى الكنيسة، وعلى رأسها التعليم والرهبنة والإدارة ومشاركة المدنيين العلمانيين فى تدبير الكنيسة حسب التسليم الرسولى، فضلاً عن ملف الاحوال الشخصية الذى يحتاج إلى قراءة معاصرة فى ضوء التسليم الكنسى، وكذلك اعداد منظومة القوانين بشكل يجمع بين الاصالة والمعاصرة وخاصة فيما يتعلق بلائحة انتخاب البابا البطريرك. وفى ضوء ذلك – والكلام مازال على لسان زاخر – أتصور أن مهمة البابا تواضروس ممكنة فى ظل ايمانه بدور الإدارة الحديثة والانتقال بها من الفرد إلى المؤسسة. وأكد زاخر أن إدارة الأنبا باخوميوس للمرحلة الانتقالية كانت محل تقدير وانبهار كل من تابعها خاصة نجاحه فى العبور بالكنيسة إلى بر الأمان، رغم انها كانت مرحلة غاية فى الدقة والحساسية والارتباك، وقد أرسى خلالها رغم قصر المدة قواعد مهمة فى تفعيل القيادة الجماعية والتقريب بين وجهات النظر المختلفة، ولعل أبرز مظاهر حكمته فى إدارة المرحلة ما تم بشأن العملية الانتخابية رغم العواصف التى احاطت بها. ووجه زاخر برقية سريعة للبابا تواضروس أكد فيها ان اختيار الله له فى هذه المرحلة يصادف شخصية مرتبة وكتابية ومدركة لأهمية الاعتناء بالنشء باعتبارهم مستقبل الكنيسة، وإيمانه بحتميه الاندماج الوطنى للأقباط وأيضًا بنسق “الإدارة بالآخرين” واتاحة الفرصة لتنوع الآراء من خلال اقامة الحوارات الموضوعية لصالح الكنيسة. رجل حكيم من جهته أكد القمص صليب متى ساويرس عضو المجلس الملى العام ان البابا تواضروس الثانى رجل حكيم له خلفية دينية من خلال نشأته فى أسرة بعض أفرادها من رجال الكهنوت المقدس، وبالتالى فقد تعلق بالكنيسة على الرغم من اسفاره المتعددة فى طفولته وشبابه، ورغم تفوقه الدراسى فى كلية الصيدلة، ونبوغه الذى أهله بعد ذلك ليتولى إدارة احد مصانع الادوية إلا انه فضل حياة الوحدة والرهبنة فى الدير، وبالتالى فهو اختيار موفق للعناية الإلهية ويكفى أنه تلميذ وابن روحى لنيافة القائم مقام الأنبا باخوميوس الرجل الحكيم الذى قاد الكنيسة بكل حكمة واقتدار فى الفترة الانتقالية حتى وصلنا إلى هذه النتيجة الرائعة. وأضاف صليب ان أول مهمة للبابا تواضروس ستكون تعديل لائحة 57، وكذلك ملف الاحوال الشخصية، وقانون دور العبادة الموحد، والتحديث الادارى للكنيسة بحيث تقوم على النظام المؤسسى، وتدعيم المواطنة والعلاقات مع الكنائس الأخرى، بالإضافة بالطبع لدوره المصرى الاصيل الذى يعمل على ترسيخ المحبة فى قلوب كل المصريين مسلمين ومسيحيين، وهذا استمراراً للبناء الذى وضع اساسه قداسة البابا شنودة الثالث، خاصة ان الانبا تواضروس له العمق الروحى مثل قداسة البابا كيرلس السادس، والقدرة على التعليم والتنظيم مثل قداسة البابا شنودة، وبالتالى فنحن نعتبره مزيجًا من اريج هذين القامتين الكبيرتين التى تمتعت بهما الكنيسة طوال نصف قرن، ولتكون هذه انطلاقة جديدة للكنيسة فى الداخل والخارج. من جانبها أعربت جورجيت قلينى عضو مجلس الشعب السابقة وعضو لجنة الانتخابات الباباوية عن عميق سعادتها باختيار الله للأنبا تواضروس، مشيرة إلى أن القرعة الهيكلية اقيمت بعد صوم وصلاة للشعب كله، وبعد صلاة القداس الذى أقيم قبل القرعة التى تمت من خلال طفل صغير، ووصفت الأنبا تواضروس بأنه شخصية محترمة وهادئة وحكيمة لم تقدم ضده شكوى واحدة او طعن خلال العملية الانتخابية، واضافت فى النهاية فهذا اختيار الله ونحن واثقون ان الله سوف يعينه لأن الكرسى البابوى على الرغم من قداسته إلا انه حمل كبير لمن يجلس عليه، ولكننا على ثقة مطلقة بأن الله عندما يسمح بتحميل شخص هذه المسئولية الكبيرة فهو دائماً يقدم له المساعدة والعون. وأكدت قلينى أن المهمة الاساسية للبابا تواضروس يجب ان تتركز فى الصلاة والتعليم والعمل الرعوى مشددة على ان الشعب يحتاج فى هذه الفترة لمزيد من الدور الرعوى حتى يتفادى الوقوع فى مشاكل كثيرة، وأضافت أن المشاكل يجب أن يتم علاجها فى البداية وقبل أن تتفاقم، ومن خلال الدور الرعوى يمكن حل كثير من المشاكل مثل مشكلة البطالة التى يمكن حلها من خلال عمل تنمية بشرية للشباب تمكنهم من الالتحاق بعمل أو عمل مشروعات صغيرة. وأضافت قلينى أن الأولويات أمام الانبا تواضروس يجب ان تتركز فى ترتيب البيت من الداخل خاصة انه بنفسه قد ذكر هذا فى أول تصريح له، وكذلك تعديل لائحة انتخاب البابا التى كانت هناك صعوبة كبيرة فى تطبيقها، وكذا الاهتمام بملف قانون دور العبادة وقانون الاحوال الشخصية الموحد وتوثيق العلاقات مع الطوائف المسيحية الاخرى. من جهته أعرب الكاتب يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة وطنى عن ارتياحه وترحيبه بارتقاء الانبا تواضروس الكرسى البابوى متمنياً له كل التوفيق فى قيادة الكنيسة وربطها بالوطن مصر. وأكد سيدهم ان مجىء البابا تواضروس يصاحبه العديد من الملفات المفتوحة، وأضاف يسعدنى انه صرح بأن اولوياته هى ترتيب البيت الكنسى من الداخل، وهذا الكلام ينطبق على التحديث الادارى والاعلامى لمؤسسة الكنيسة، بالاضافة إلى التزامه الذى قطعه على نفسه بتحديث لائحة انتخاب البطريرك التى ترجع إلى عام 1957. واضاف سيدهم ان الأقباط يتطلعون إلى حكمة البابا ورؤيته فى كيفية التعامل مع ملف اقباط 38 والخاص بالطلاق والزواج الثانى، ويأتى بعد ذلك ملفان مفتوحان مع الدولة، الأول ملف مشروع قانون الأحوال الشخصية وهو القانون الذى سيحل محل لائحة 38 والذى قامت الكنيسة بتقديم الملف الخاص به بالفعل إلى وزارة العدل، والثانى السعى لإصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة. علم “إدارة الكنائس” من جانبه وصف المهندس والناشط القبطى مايكل منير رئيس منظمة اقباط الولاياتالمتحدة اختيار تواضروس للكرسى البابوى بأنه اختيار إلهى موفق جداً يتناسب مع الوقت الحالى، فهو شخصية توافقية تؤمن بالحوار مع الآخر، ويجمع بين الروحانية العالية وحسن الإدارة ويتفهم مشاكل المجتمع والكنيسة وسيكون له دور مؤثر فى مصر سواء داخلياً أو خارجياً. ووصف منير مهمة البابا الجديد بأنها مهمة صعبة خاصة انه يخلف قداسة البابا شنودة الذى كان لديه شخصية كاريزمية نشأ عليها غالبية المصريين الذين لم تتجاوز أعمارهم ال 45 عاماً، وبالتالى فإن المجتمع سوف يحاول قياس اداء البابا الجديد ويقارن بينه وبين قداسة البابا الراحل، مع ان هذه المقارنة لن تكون مناسبة بأى حال من الاحوال لأن لكل شخصية امكانياتها ومواهبها الخاصة. ورفض منير التفريق بين مطالب الاقباط فى الخارج ومثيلتها فى الداخل مشدداً على ان مطالب الاقباط واحدة سواء فى الداخل أو الخارج، وتتلخص فى العناية الروحية والاهتمام بالكنيسة ونموها خاصة بعد أن اتسعت لتشمل كل بلاد العالم وبالتالى فهى تحتاج إلى ادارة واعية وشابة ممثلة فى شخص البابا تواضروس الذى درس “علم ادارة الكنائس”، وبالتالى فهو مؤهل جداً للتعامل مع هذه المهمة، وأضاف أن هناك مطالبة جماعية من الاقباط فى الاتجاه قدماً فى تحويل الكنيسة إلى إدارة المؤسسات وهو ما سوف يترتب عليه أن يكون هناك عمل مؤسسى من خلال عدد من المؤسسات الكنسية التى تعمل على المستوى الروحى والخدمى والتعليمى والاهتمام بإعداد الخدام والكوادر الكنسية. من جهته قال الكاتب الصحفى أيمن جورج مؤسس حركة الحق فى الحياة للأحوال الشخصية إنه يتمنى أن يقوم البابا تواضروس الثانى بالتركيز على الناحية الروحية للكنيسة والابتعاد التام عن تدخل الكنيسة فى السياسة. وطالب جورج البابا تواضروس باعادة النظر من قبل الكنيسة فى التعديلات التى تمت على لائحة 38 وهى التعديلات التى بدأ العمل بها منذ سنة 2008 والتى قصرت حق الطلاق بالنسبة للاقباط على علة الزنا أو تغيير الدين فقط، وأضاف أنه يمكن لحل هذه الاشكالية إما أن يتم إعادة العمل بلائحة 38 والتى استمر العمل بها سنوات طوال منذ وضعها فى عام 1938 وحتى سنة 2008 وكانت تحتوى على 9 أسباب للطلاق خاصة انه مر على هذه اللائحة العديد من الأباء البطاركة الذين قبلوا بها، أو أن يتم وضع قانون مدنى للأحوال الشخصية للأقباط. وشدد جورج على ان مطالبهم بإعادة النظر فى هذا الموضوع تأتى فى إطار الكتاب المقدس ودون المساس بالعقيدة المسيحية التى نحترمها تماماً، وأضاف نتمنى فقط من الكنيسة أن تنظر بعين الرحمة لأبنائها فى هذا الموضوع. التنسيق بين الكنائس أما بالنسبة للكنائس الأخرى فى مصر فقد وصف القس أندرية زكى اسطفانوس المدير العام للهيئة القبطية الانجيلية ونائب رئيس الطائفة الانجيلية فى مصر اختيار البابا تواضروس للكرسى البابوى بأنه مزيج ما بين العملية الديمقراطية والاختيار الإلهى، موضحاً ان الديمقراطية كانت عبر الانتخابات حيث تم اختيار ثلاثة مرشحين، ثم جاء الدور عبر القرعة الهيكلية لاختيار أحدهم للمنصب الرفيع وطبقاً للعقيدة الارثوذكسية فإن الاختيار الالهى يكون من خلال هذه القرعة. وأعرب اسطفانوس عن اعتقاده ان قداسة الانبا تواضروس الثانى سيقدم اسهامات كبيرة فى تقدم الكنيسة فى مصر وفى دفع التلاحم بين المسلمين والمسيحيين. وشدد اسطفانوس على أهمية التنسيق بين الكنائس فى مصر والعمل مع الكنائس والدولة فى إصدار قانونى بناء دور العبادة الموحد وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين. من جانبه أعرب الأب رفيق جريش المسئول الاعلامى بالكنيسة الكاثوليكية عن سعادته بالمشاركة فى قداس القرعة الهيكلية، وأضاف لقد صليت من قلبى مع الشعب خلال القداس لأننا نعتبر البابا ليس فقط رئيس الكنيسة الارثوذكسية ولكن بابا لكل المصريين مسيحيين ومسلمين لأنه رمز مسيحى وهو نقطة الالتقاء مع الجميع. وأشار جريش إلى أن البابا بنديكت السادس عشر قد ارسل خطاب تهنئة رقيقًا للبابا تواضروس جاء فى طياته “ انا واثق بأنكم مثل سلفكم العظيم مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث ستكون اباً روحياً لشعبكم وشريكاً فعالاً مع كل المواطنين فى بناء مصر الجديدة بسلام وانسجام خادماً للخير العام وخير كل الشرق الاوسط.