انتزعنا الدكتور حاتم عودة رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية من أحاديث “اللحمة” الطاغية طوال أيام عيد الأضحى لينحو بنا فجأة إلى عالم الرومانسية والنجوم و القمر، عالم السماء، ذكرنا بأساطير الأجداد، و بنات الحور اللاتى التففن حول القمر وحجبن نوره، وقد ظل القمر مخنوقا حتى خرجت بنات الفلاحين فى قرى مصر البعيدة تضربن بعيدان البوص فوق علب الصفيح و هن تغنين و تناشدن حور الجنة كى تتركن القمر يدور!! سبحان مغير الأحوال، فى الماضى كانت بنات الحور تخنق القمر، و كانت الحوتة فى بابل و هى زوجة الحوت تهاجم الشمس و تمنع الضوء أن يصل إلى الأرض، و تقوم بنات بابل على الفور بالطرق على الأدوات النحاسية لإخافة الحوتة حتى تترك شمسهم، أما فى الصين فصاحب هذه الفعلة الشنعاء هو التنين الذى أتى ليلتهم الشمس، وكانوا يهربون الى الشوراع كلما بدأ الكسوف ويحدثون ضوضاء ليرهبوا التنين و يعود الضوء إلى النهار. الآن نحن نعلم باليوم والساعة والثانية متى وكيف و أين سيكون كسوف الشمس وخسوف القمر، وتقام المهرجانات لإستقبال والاحتفال بهذه الظواهر الفلكية التى تظهر فى أماكن متغيرة من سطح الأرض، ونشعر بأحاسيس مختلفة تتدرج من الرهبة إلى السعادة بينما تزحف سحابة من الظلام لتكسو وجه الشمس المضىء وتترك لبضع دقائق ظاهرة غاية فى الروعة والجمال وهى تلك المعروفة بالخاتم الماسى. للأسف لن نستطيع رؤية الظاهرتين القادمتين بعد أيام، كسوف الشمس، وخسوف القمر، لأن الشمس سوف تنكسف عندنا ليلا، والقمر سوف ينخسف نهارا، هكذا صرح الدكتور عودة عندما أعلن أن الكسوف الكلي للشمس سيبدأ في الساعة التاسعة و38 دقيقة يوم الثلاثاء الموافق 13 نوفمبر القادم ، وينتهي في الساعة الثانية و45 دقيقة و36 ثانية فجر يوم الأربعاء 14 نوفمبر، ويتفق منتصف هذا التوقيت مع ميلاد هلال شهر المحرم للعام الهجرى الجديد 1434. وأشار الدكتور عودة إلى أن الظاهرة الفلكية الثانية التى سيشهدها شهر نوفمبر هى خسوف شبه ظلي للقمر يحدث يوم الأربعاء 28 نوفمبر، ولا يمكن رؤيته بالعين المجردة، ولن يرى في مصر لأنه سيحدث نهارا في الساعة الثانية ظهرا و12 دقيقة و36 ثانية. هذا الكلام المبسط وراؤه علم كبير وأجهزة معقدة وعلماء، ولكن مازالت بنات الفلاحين يغنين :يا بنات الحور خلوا القمر يدور!!، وتروى إحدى القصص أن الهنود فى الجزيرة التى نزل فيها كرستوفور كولومبوس ورجاله فى مارس عام 1504 لم يكونوا على علاقة طيبة معهم فرغبوا في التخلص من الرجال البيض ورفضوا أن يمدوهم بأي طعام وكان كولومبوس يعرف أن خسوفا للقمر سيحدث خلال الأيام القليلة التالية، وأخبر كولومبوس الهنود يوم الخسوف عما سيصيب القمر إذا لم يساعدوه، وأصيب الهنود بالحيرة، واعتقدوا أنه ربما كان يحاول إرهابهم، ولما بدأ الخسوف هجموا على كولومبوس وتوسلوا إليه أن ينقذهم، ووعدوا أن يحضروا له الطعام طول مدة إقامته فى الجزيرة إذا جعل القمر يضىء مرة أخرى. تنشأ ظاهرة خسوف القمر فى منتصف الشهر القمرى عندما تحجب الأرضُ ضوءَ الشمس أو جزءاً منه عن القمر. بمعدل خسوفين لكل سنة. ويمكن رؤية الخسوف فى المناطق التى يكون فيها القمر فوق الأفق. وتحدث تلك الظاهرة عندما يبدأ القمر بدخول منطقة شبه ظل الأرض فيبدأ ضوؤه بالخفوت دون أن يخسف وهوخسوف شبه الظل بالمصطلح الفلكى، ومنطقة شبه الظل التي ينحجب فيها بعض ضوء الشمس عن القمر بسبب الأرض. عند بداية أو نهاية الشهر القمري فإن القمر يتوسط بين الأرض والشمس ولوكان القمر يدور فى نفس مستوى دوران الأرض حول الشمس لكان الخسوف والكسوف يحدثان كل شهر، ولكن لأن مستوى دوران القمر حول الشمس يميل بزاوية مقدارها خمس درجات تقريباً. لذلك السبب لا يحدث الكسوف أو الخسوف إلا عندما تمر الشمس (بسبب دوران الأرض حول الشمس) فى نقطة التقاء المستويين أو ما تسميان بالعقدتين. وتمر الشمس مرتين كل سنة فيهما. لذلك تحدث تلك الظاهرة بمعدل مرتين كل سنة مثل ظاهرة خسوف القمر. وقد استمر أطول خسوف كلى للقمر ساعة و40 دقيقة، بينما لم يستمر أطول كسوف كلي للشمس أكثر من 7 دقائق و40 ثانية. ويمكن أن يحدث الخسوف القمري ثلاث مرات كل سنة. أما كسوف الشمس فيمكن أن يحدث 5مرات فى سنة واحدة. أما أغرب صورة للكسوف فجاءت لتجيب عن هذ السؤال: لوأنك خرجت كل يوم فى نفس التوقيت وقمت بالتقاط صورة للشمس، كيف ستبدو لك يا ترى حركة هذا الجرم؟ إن التقاط هذه السلسلة من الصور ممكن، وسوف تكتشف أن الشمس تتحرك على مدار العام في مسار على شكل رقم 8 يعرف باسُدّ، المصورون الأتراك تابعوا حركة الشمس وتم التقاط الصورة المركبة المرفقة ابتداء من سنة 2005، الصورة الأصلية التى تم تركيب بقية اللقطات عليها تمثل صورة الكسوف من مدينة سايد التركية يوم 29 مارس 2009، ويظهر كوكب الزهرة فى أسفل يمين الصورة، الصورة فى النهاية صنعت مايشبه عقدا من الماس معلقا فى الفضاء، سبحان الله. حلقة النار يقسم الكسوف إلى أربعة أنواع، الكسوف الكلى: وعندها يحجب القمر جميع قرص الشمس وهو يمثل 28 فى المائة من الكسوفات، وفى هذه الحالة تشهد بعض المناطق كسوفاً كلياً وأخرى جزئياً، ومناطق أخرى لا تشهد الكسوف، والكسوف الجزئى حيث يحجب القمر جزءاً من قرص الشمس، وهويمثل ما نسبته 35 فى المائة من الكسوفات، وفى هذه الحالة تشهد جميع المناطق - التى ستشهد الكسوف- كسوفاً جزئياً، ومناطق أخرى لا تشهد الكسوف، والكسوف الحلقى وهو يحدث لأن بعد القمر عن الأرض غير ثابت، وبعد الأرض عن الشمس غير ثابت، فإذا ما وقع القمر فى الأوج وقت الكسوف فسيكون قطره أصغر من أن يغطي جميع قرص الشمس خاصة إذا حدث ذلك وقت حضيض الأرض حيث يكون قرص الشمس أكبر ما يمكن، وعندما يكون القمر في الأوج فإن قرصه يكون أصغر من قرص الشمس ب 10 فى المائة، وتمثل الكسوفات الحلقية ما نسبته 32 فى المائة من الكسوفات، وفى هذه الحالة تشهد بعض المناطق كسوفاً حلقياً وأخرى جزئياً، ومناطق أخرى لا تشهد الكسوف. أما الكسوف ''الكلى - الحلقى'' فيمثل ما نسبته 5 فى المائة من إجمالي حالات الكسوف، وخلاله تشهد بعض المناطق كسوفاً كلياً وأخرى حلقياً وأخرى جزئياً، ومناطق أخرى لا تشهد الكسوف. وقد شهدت الكرة الأرضية فى شهر مايو الماضى كسوفاً حلقياً للشمس وهوما يعرف ب''حلقة النار'' وتمت مشاهدته فى أجزاء من الولاياتالمتحدة وآسيا، أما أطول كسوف للشمس خلال ألف عام فقد حدث يوم الجمعة 15 يناير 2010، وشهدت الخرطوم وطرابلس الليبية وتونس أطول كسوف كلى، فى حين شاهدت الدول العربية المتبقية الكسوف ككسوف جزئى، أما المناطق التي شاهدت الكسوف ككسوف حلقي فهي مناطق صغيرة محصورة في شريط عرضه 300 كم يمتد من وسط أفريقيا مرورا بالمحيط الهندي وانتهاء فى شرق آسيا، وهذا يشمل كلا من تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغووأوغندا وكينيا والصومال وجزر المالديف والهند وسريلانكا وبنغلادش وبورما والصين. ويبدأ الكسوف الحلقي من لحظة دخول كامل قرص القمر داخل قرص الشمس وينتهي فور بداية خروج حافة القمر من قرص الشمس، وهذه الفترة تسمى بمدة الكسوف الحلقى، وهى تختلف من منطقة لأخرى. ويرى القمر بحجم الشمس على الرغم من أنه اصغر منها ب 400 مرة لأنه أقرب من الشمس ب 400 مرة، ولو كان قطره أقل ب 225 كم لما أمكننا رؤية أى كسوف كلى، ولوكان بعده نصف المسافة الحالية لأصبح الكسوف شهريا، ولرؤية الكسوف لا بد من توفر شرطين، أولهما هووجود الشمس فوق الأفق وقت الكسوف، وثانيهما هو أن يكون موقعنا على الأرض مناسبا لرؤية الكسوف، فقد تكون الشمس مشرقة على منطقة وهي مكسوفة وتكون في نفس اللحظة مشرقة فوق منطقة أخرى إلا أنها غير مكسوفة على الإطلاق ! هذا ما نراه نحن، أما رواد المحطة الفضائية الدولية فيمكنهم مشاهدة الكسوف ولكنه يكون مختلفا تماما عن المشهد الذى يراه سكان الأرض، فرواد الفضاء يرون ظلال القمر، وهى بقعة كبيرة سوداء تظلل كوكبنا أو جزا منه، وطبعا يسجلون لقطات فريدة لهذه الظواهر ومن بينها ظاهرة فلكية نادرة أخرى حدثت فى السماء فى شهر يونية من هذا العام، فقد ظهر كوكب الزهرة وهو يعبر أمام قرص الشمس على هيئة نقطة سوداء صغيرة، ويطلق على هذه الظاهرة اسم «عبور الزهرة»، وهى تشبه ظاهرة كسوف الشمس التى تنتج عن مرور القمر بين الشمس والأرض. ظلال فى الفضاء إن ظاهرة الكسوف الكلي للشمس تضع الراصد فى حالة نفسية خاصة جدا، عندما تقترب اللحظة التى يغطى فيها القمر قرص الشمس المتوهج فيخيم الظلام سريعا على الأرض ويمكن للراصد الواقف على مكان مرتفع أن يشاهد شريط الظلام الزاحف نحوه من جهة الغرب ويستطيع أن يشاهد إن كان واقفا في أرض تشتمل على مجموعة من التلال كيف يغمر الظلام الوديان أولا ثم يرتفع سريعا ليغمر القمم حتى وكأنه طوفان عام صار يملأ الأمكنة، وعند لحظة الاحتجاب الكلى يرى الناظر إلى قرص الشمس «باستخدام مرشحات بصرية خاصة» حلقة ماسية تلمع في أحد أطرافها لفترة قصيرة جدا وحين يخيم الظلام على الأرض يرى ظلال الأشياء حادة بصورة غير اعتيادية وتصبح أشكال تلك الظلال غريبة ذات رهبة خاصة. وتظهر على الأرض خطوط متعرجة سببها مرور ضوء الشمس بين ثنايا تضاريس القمر ولوكان القمر كرة ملساء لما ظهرت هذه الخطوط وبعد احتجاب الشمس كليا تظهر «الهالة الشمسية» كبقعة رمادية بنفسجية غير منتظمة تحيط بقرص الشمس. والآن لماذا كل هذا الاهتمام بالكسوف والخسوف؟ يقول الدكتور حاتم عودة رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية: الكسوفات الشمسية والخسوفات القمرية تتم الاستفادة منها للتأكد من بدايات ونهايات الأشهر الهجرية حيث تعكس بوضوح حركة القمر حول الأرض وحركة الأرض حول الشمس، ويكون الكسوف الشمسى بشيرا بقرب ولادة الهلال الجديد فيما يحدث الخسوف القمرى فى منتصف الشهر الهجرى عندما يكون القمر بدرا، أو عندما تغار بنات الحور من القمر عندما يكتمل نوره كما تعتقد بنات قريتى.