قام رئيس الوزراء د. هشام قنديل بافتتاح قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون فى مدينة طابا بجنوب سيناء وذلك بعد انتهاء مشروع التطوير والترميم الذى شمل القلعة والجزيرة كلها بتكلفة بلغت عشرين مليون جنيه لتستقبل الجزيرة زوارها نهارا وليلا بعد أن تمت إضاءتها لتتلألأ وسط المياه وتحكى بتحصيناتها بطولات السلطان صلاح الدين الأيوبى فى حماية الشواطئ العربية واسترداد مدينة القدس. فقد تم مؤخرا الاحتفال بافتتاح قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون أمام الزيارتين الدولية والمحلية وذلك بعد انتهاء مشروع التطوير والترميم والذى تضمن البنية التحتية للجزيرة كلها من كهرباء وشبكة مياه وعمل مارينا لنقل الزائرين بالمراكب السياحية ووضع اللوحات الارشادية مزوده بالمادة العلمية. وقد صرح د. محمد إبراهيم وزير الآثار بأن المشروع شمل تنفيذ أكبر مشروع إضاءة بالجزيرة للسماح بالزيارة السياحية ليلا لتبدو وكأنها لؤلؤة وسط المياه، كما تضمن المشروع ترميم السور الخارجى للقلعة وإظهار المناطق المكتشفة به وحمايته من عوامل النحر والانهيار بواسطة أمواج البحر الشديدة فى فصل الشتاء والتى تصل إلى داخل الجزيرة نفسها بالإضافة إلى تأمين الصعود للقلعة وعمل برجولات خشبية لراحة الزائرين وسوف يتم قريبا إنشاء مركز غوص للبحث والتنقيب عن الآثار الغارقة بالمنطقة. وعن تاريخ القلعة وتخطيطها الداخلى والدور الذى لعبته فى حماية الشواطئ العربية يقول د. عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بسيناء ووجه بحرى إن اسم الجزيرة يرجع إلى الفنار الذى أنشأه الامبراطور «جستنيان» بالتل الجنوبى بالجزيرة لإرشاد السفن لخدمة تجارة البيزنطيين حيث تم تحريف كلمة فنار باللغة الانجليزية إلى «فارعون»لتصبح جزيرة فرعون وإن كان من الأفضل أن يُطلق عليها اسم جزيرة صلاح الدين الأيوبى الذىأنشأ القلعة عليها فى عام 567 ه/1171 م لصد غارات الصليبيين وحماية طريق الحج المصرى عبر سيناء. وتبعد قلعة صلاح الدين عشرة كيلو مترات من مدينة العقبة و250 مترا عن شاطئ سيناء وقد لعبت دور الحارس الأمين للشواطئ العربية وأسهمت فى درء الأخطار العسكرية أثناء الصراع الصليبى العربى حيث كانت مصر هى الدرع الواقية للعالم العربى والإسلامى فعندما حاصر القلعة الأمير «أرناط» صاحب حصن الكرك عام 1182م بقصد إغلاق البحر الأحمر فى وجه المسلمين واحتكار تجارة الشرق الأقصى والمحيط الهندى بالاستيلاء على «أيلة» شمالا (العقبة حاليا) وعدن جنوبا ظلت القلعة صامدة أمام هذا الحصار وأرسلت الحامية الموجودة بها رسالة إلى القيادة المركزية بالقاهرة عبر الحمام الزاجل فقام الملك «العادل أبو بكر أيوب» نائبا عن أخيه صلاح الدين الذى كان بالشام بإعداد أسطول حربى قوى بقيادة حسام الدين لؤلؤ قائد الاساطيل المصرية الذى قام بمحاصرة مراكب الفرنج وأحرقها وأسر من فيها وتعقبها إلى شواطئ الحجاز.وتتميز قلعة صلاح الدين بموقعها الاستراتيجى فهى محاطة بالمياه من كل جانب وقريبة من مصادر المياه الصالحة للشرب ومرتفعة نسبيا عن سطح المياه ومن السهل إمدادها بالذخائر والمؤن ويمكن منها كشف الطرق على أرض سيناء كما أنها موجودة على تل مرتفع شديد الانحدار يصعب تسلقه. ويضيف د. عبد الرحيم ريحان أن القلعة تحتوى على منشآت دفاعية من أسوار وأبراج وفرن لتصنيع الأسلحة وقاعة اجتماعات حربية وعناصر إعاشة من غرف الجنود وفرن للخبز ومخازن غلال وحمام بخار وخزانات مياه ومسجد. وقد تمت الاستفادة من تضاريس الجزيرة فأنشأت التحصينات فوق تلين بينهما سهل أوسط يحيط بهما سور خارجى كخط دفاع أول للقلعة ويعتبر التحصين الشمالى أكبر حجما وأكثر تفصيلا من التحصين الجنوبى وكل تل هو تحصين قائم بذاته قادر على الدفاع فى حالة حصار التل الآخر فكل تحصين له سور دفاعى به مجموعة من الأبراج بها مزاغل لرمى السهام صممت بحيث تسمح بالمراقبة من كل الجهات بعض هذه الأبراج يتكون من طابق واحد وبعضها من طابقين ويوجد بالتحصين الشمالى برج للحمام الزاجل عثر بداخله على بيوت الحمام وبها بقايا حبوب من الشعير والفول حيث كان يتم استخدام الحمام فى نقل الرسائل. وتضم القلعة حجرات للجنود هى أشبه بغرف إعاشة وحراسة أيضا جدرانها بها حنيات صغيرة لوضع مسارج الزيت للإضاءة.. كما يوجد خزان للمياه قرب السور الشرقى للتحصين وهو محفور فى الصخر وكان يعتمد على مياه الأمطار التى تتساقط عليه من خلال فتحات بالاقبية التى تغطى الخزان وفى حالة ندرة الأمطار كان يُملأ من بئر طابا حيث ينقل الماء بالمراكب. أما الصهريج فهو أصغر حجما ويقع مجاورا لمنطقة حمام البخار والمطعم وفرن القلعة وهو مبنى من الحجر الجيرى وتنقل إليه المياه بواسطة حوض خارجى يتصل بالصهريج عن طريق قنوات فخارية.. وقد عثر داخل حواصل الغلال على بقايا قمح وشعير وعدس اما الفرن فقد تم اكتشاف البلاطه الخاصة به بجوارها موقد بلدى «كانون». ولأن صلاح الدين كان حريصا على صحة الجنود ونظافتهم فقد أنشأ بالقلعة حمام بخار يتكون من ثلاث غرف الأولى لتغيير الملابس وبها مصاطب للجلوس عليها تمهيدا للدخول إلى ممر يؤدى إلى حجرتين ساخنتين حيث تتدرج السخونة من الحجرة الثانية إلى الثالثة الأكثر سخونة والهدف من هذا التدرج هو منع إصابة الجنود بنزلات البرد وقد تم العثور على المواسير الفخارية بالجدران التى كان يمر بها الماء الساخن الناتج من الخزان الخلفى للحمام. وتضم القلعة مسجدا صغيرا عُثر على لوحته التأسيسية متساقطة عند مدخله فتمت إعادتها إلى موقعها الأصلى فوق المدخل وهى من الحجر الجيرى مكتوب عليها بخط النسخ «أعمر هذا المسجد المبارك الأمير حسام الدين باجل بن حمدان». هكذا كانت القلعة التى أنشأها القائد صلاح الدين الأيوبى منذ أكثر من ثمانية قرون للدفاع عن مصر والأراضى العربية.. رحم الله السلطان البطل.