فى اليوم الثالث من الحرب التى بدأت فى السادس من أكتوبر 1973، كان من الواضح دون أدنى شك أن إسرائيل أمام وضع صعب للغاية. فخطتها لعبور القناه فشلت فشلاً ذريعاً وفقدت خلالها 200 من الضباط والجنود وفى الاجتماع الذى عقدته جولدا مئير، رئيسة الوزراء فى ذلك اليوم اقترح الحاضرون التحول لضرب العاصمة السورية دمشق وحددوا أهدافاً بعينها. ووفقاً لمحضر الاجتماع الذى تمكنا من الحصول عليه، سألت جولداه: لماذا تأكدتم كم من أن هذا سوف يكسرهم» فيرد رئيس الأركان دافيد إليعازر المعروف باسم « دادو»: «لأنهم اذا ماهاجموا مقر قيادتنا ورمات جان فسوف نفقد توازننا».. وتخطط جولداه لرحلة سرية لأمريكا تستنجد خلالها بالرئيس نيكسون، أما ديان فقد وقع فى حيرة: هل يذهب إلى التليفزيون ويصارح الشعب بحقيقة الموقف؟! بعد ثلاثة أيام من المعارك ومن وسط الميدان تكشفت تفاصيل أخرى عن فشل الهجوم المضاد الذى شنه الجيش الإسرائيلى على الجبهة المصرية، وهو الهجوم الذى اعتقدت القيادة الأمنية فى إسرائيل أنه سوف يغير وجه المعركة. بدت الجبهة المصرية فى هذه المرحلة ميئوس منها، فالصواريخ المضادة للدبابات تسحق المدرعات الإسرائيلية. وسلاح المشاة والمدرعات المصرية تجتاح سيناء والنقاط الحصينة الإسرائيلية على امتداد الشاطئ الشرقى للقناة تتساقط الواحدة تلو الأخرى. فى هذه اللحظات العصيبة، فى التاسع من أكتوبر 1973، إجتمع الوزراء الإسرائيليون وقادة الأجهزة الأمنية عند رئيسه الوزراء، جولداه مئير، وعندئذ تبلورت الخطة الإسرائيلية: القيام بتركيز الهجوم على الجبهة السورية ومهاجمة دمشق نفسها واقترح وزير الدفاع، موشيه ديان تجنيد يهود من العالم أجمع فى الجيش الإسرائيلى، أما الوزير يجئال آلون فقد إقترح تدريب الشباب من 17 عاماً، حتى يكونوا جاهزين ولا يضطرون للمرور بفترة التدريب التى يمر بها المجندون فى البداية. وفى بداية هذا الاجتماع قال وزير الدفاع ، موشيه ديان : «حسب أفضل تقديراتى لايوجد أمامنا احتمال جيد لعبور القناة والأفضل خلال الفترة القادمة ليس فقط عدم محاولة العبور ولكن أيضاً عدم الإقتراب من المصريين». فى هذه اللحظات أدرك الحاضرون بأن خطة عبور القناة لم تكن سوى سراب خادع، كما أن تقارير المخابرات حول ما يحدث غير واضحة، ومن الصعب فهم ما يحدث على الجبهتين المصرية والسورية، والأمر المؤكد أن كل المواقع الإسرائيلية الحصينة على امتداد قناة السويس محاصرة، ولم يتبق الا موقع حصين واحد غير محاصر هو موقع « بودابست» الموقع الموجود فى أقصى الشمال ويطل على البحر المتوسط ، وهو الموقع الإسرائيلى الوحيد الذى لم يسقط خلال الحرب» والجنود الإسرائيليون فى كل المواقع الحصينة لايمكنهم الصمود فقط ولكن أيضا الدبابات الإسرائيلية لا يمكنها الوصول إلى هذه المواقع وإذا حاولت فسوف تخسر إسرائيل من الدبابات والقتلى ما يفوق أعداد المقاتلين الموجودين داخل هذه المواقع. ومن جانبه كشف رئيس الأركان «دادو» عن النتائج الخطيرة للهجوم المضاد الإسرائيلى الفاشل وقال: «محاولتنا بالأمس لدفع المصريين إلى الوارء باءت بالفشل ولم نملك صورة المعركة الحقيقية وعندما جلست مع الحكومة تلقيت تقريراً يفيد أن بيرن « أبراهام دان» استولى على أحد الجسور ويطلب السماح له بالعبور والصورة لم تكن هكذا إذا لم يتم تنفيذ الخطة، ولذلك فشلنا» وعندئذ، اقترح دادو الخطة من ثلاثة أجزاء: - احتلال منطقة بورسعيد - تجهيز فرقتى ألبرت مندلر وأبراهام أدان للدفاع - الاستعداد لعبور القناة ويتحدث ديان من جانبه عن وضع القوات الإسرائيلية المأساوى على الجبهة المصرية ويقول: « لايبدو أمامى أى حل لتغيير الوضع، فلا توجد إمكانية للوصول إلى النقاط الحصينة» واستمراراً لماسبق أن قاله منذ يومين بخصوص ضرورة ترك الجرحى والمصابين قال ديان «لأن من غير الممكن الوصول إليهم». وأضاف: الصورة مثلما تأتى من قادة الفرق هى كالتالى: لا توجد لديهم أية إمكانية للوصول إلى خط المياه فى قناة السويس وهم يخسرون دبابات ويطالبون بالانسحاب، عندنا فى القناة حوالى 200 قتيل. والمصريون مصممون على تكبيدنا خسائر فادحة عند أية محاولة للتقدم بالدبابات فى اتجاه القناة». ومن يوم لآخر ، بدا ديان غير واثق فى نفسه ولافى الجيش الإسرائيلى وأخذ يقول: كل البديهيات لدينا تبخرت. الافتراض أننا سوف نخرج سوريا من الجو خلال نصف يوم وتقدير المخابرات هل يدخلون الحرب أم لا وكيف سيحاربون.. إلخ، وافتراض أنهم اذا ما أقدموا على اقامة الجسور فسوف تقوم بدباباتنا بضربهم وهناك واقع جديد ويجب أن نعمل بمقتضى هذا الواقع. ويسانده دافيد اليعازر، رئيس الأركان ويقول: على العكس من كل الخطط، لو كنا هاجمنا سوريا قبل الحرب بست ساعات فقط ودمرنا سلاح الطيران السورى لوفرنا الكثير من الوقت والجهد فى ضرب المطارات السورية والحقيقة أننا لم نستطع تطبيق العقيدة القتالية. وأخذ ديان يفكر بصصوت عال أمام الوزراء ويقول: يلزم تجنيد شباب أكثر وشراء سلاح، فالحرب لن تستمر لفترة قصيرة بل ستطول أريد تجنيد يهود من العالم كله وشراء أسلحه مضادة للدبابات، وإجراء دورات قصيرة على المدرعات، والدخول فى فترة حرب طويلة مع أعلى معدل لتعبئة الاحتياط» اما الوزير يجئال آلون فقد اقترح دراسة مسألة تجنيد الشباب من 17 إلى 18 من الناحية القانونية وذلك وفقاً لحاجة الجيش وقال: «هؤلاء عندما يصلون إلى سن التجنيد لن نضطر إلى تدريبهم بصورة جدية وبما أن هذا الموضوع سرى وخطير، أرجو الحفاظ على سريته». وتحدث وزير الدفاع عن حرب الجنرالات التى دارت على الجبهة المصرية تحت قيادة اللواء شموئيل جونين « جوروديش» وقال : «أنا لست واثقاً من قدرة قائد المنطقة الجنوبية على السيطرة فى الوقت الذى يعمل فيه أريك تحت قيادته وعلى استعداد لسحب القادة المتميزين للغاية.. نحن نواجه الكثير من الصعوبات. قصف دمشق وأوصى ديان الحاضرين بأن يركز الجيش الإسرائيلى على الجبهة السورية فى محاولة لإخراج سوريا من الحرب وحل مشكلة أخرى وهى الخوف من أن تضطر الأردن إلى الدخول فى الحرب وكذلك القوات العراقية المتجهة إلى الجبهة عن طريق سوريا. وقال ديان: هناك أوامر بعدم الانسحاب من الجولان والقتال حتى الموت. كان من الواضح أمام الحاضرين داخل الغرفة أن الجبهة السورية هى المفتاح لتغيير الوضع ففى،سيناء عمق استراتيجى يتيح لإسرائيل حرية الحركة بين الانسحاب والهجوم. لكن السوريين يقتربون الآن من التجمعات السكانية فى الشمال والتى تعانى من صواريخ « فروج» السورية وأشار رئيس المخابرات العسكرية إلى أحد الأهداف التى طالتها هذه الصواريخ وإقتراح ديان مهاجمة أهداف حساسة داخل دمشق نفسها بهدف كسر روح الأسد وتساءلت جولداه: «داخل المدينة؟، فقال ديان: داخل المدينة وضاحيها ضربنا ما يكفى من الأهداف العسكرية، والهدف الأكثر حساسية هو العاصمة دمشق. وفى الوقت الذى تزايدت فيه الاصوات المنادية بقصف دمشق لكى يرتدع النظام السورى، أبدت جولداه مخاوفها من جراء ذلك فهى تعلم الآثار السياسية للقصف الذى من الممكن أن يصيب المدنيين، وهو ما سيكون له ردود أفعال غاضبة فى العالم ضد إسرائيل ويعمّق الخلاف بين الولاياتالمتحدة وروسيا، المدافعة عن سوريا، كما أنها أظهرت تشككها فى تصريحات القيادة العسكرية بخصوص قدرة سلاح الطيران الإسرائيلى فى الدفاع عن أهداف داخل اسرائيل، فى حال قيام سوريا بقصف مضاد بالطيران وسألت جولداه رئيس الأركان: لماذا تعتقد بأن عملاً كهذا سوف يكسرهم، وهل القصف هنا يكسرنا؟ فيرد بقوله: القصف المركز هنا لمقر القيادة ورمات أفيف يفقدنا توازننا. وتواصل جولدا حديثها وتسأل : وإذا قصفنا دمشق، هل سيقفون صامتين؟ ألن يحاولوا؟ « ويرد كل من ديان ودادو معا فليحاولوا سلاح طيراننا مسيطر على الأجواء، وهو بصفة عامة يمكنه التعامل معهم هناك مشكلة صواريخ السكود والمفترض أنهم لا يملكون الطواقم الخاصة بها، لديهم من 10 إلى 12 رأساً، وهذا لايرتبط بقدراتهم الجوية ولكن إذا أقدموا على ذلك، فليقدموا». وتفضل جولداه مئير البدء بضرب أهداف فى محيط دمش وتقول « دمشق تكون نتيجة لاستمرار شىء ما، اذا كان هذا ممكناً تحدثنا فى حال الحرب، يمكن ضرب الكهرباء.. الخ» ويعلق الحاضرون آمالهم على مجىء فصل الشتاء لكى يصد السوريين. ويرد رئيس الأركان دادو: أنا أريد ذلك ولكن دمشق فى المقدمة فأنا أبحث عن اختراق break-through عن دراماتيكية التحول والتحول يتحقق بالضغط سواء على مقر القيادة أو القصر الرئاسى أو الأسد». ويحذر دادو الحاضرين من أن الوقت الحالى يشهد تقدم طابور مدرعات عراقى نحو الجبهة ولذلك يلزم أتخاذ قرار حول الموضوع بأسرع ما يمكن ،هناك أهداف كثيرة فى وسط دمشق: رئاسة الأركان، وزارة الدفاع، قيادة سلاح الطيران ويوضح رئيس المخابرات العسكرية «دمشق هى مركز الحكم، والمنطقة لاتوجد بها مساكن كثيرة رغم أنها وسط المدينة» ويبدى ديان ملا حظته ويقول:» اذا ماقام رجال سلاح الطيران بتوجيه ضرباتهم بكل دقة وبقدر الإمكان يبتعدون عن المناطق السكنية فسوف أوافق لكن جولداه تعلق بتردد « كنت أفضل البدء بأهداف أخرى. الاستنجاد بالأمريكان أبدت جولداه مخاوفها من زيادة التوتر بين الولايات والأتحاد السوفيتى والذى يمكن أن يضر بالمساعدات العسكرية التى طلبتها من الأمريكيين،وقالت: المتلونون المنافقون سوف يقولون بإننا قصفنا مدينة ، بدأنا بقصف مدينة وسوف يقول بريجنيف لكسينجر ما الذى يفعله أصدقاؤك ظ يقصفون مدينة!يجب أن نبدأ بالمحيط وفى النهاية نصل إلى ذلك بالأمس حسم الرئيس نيكسون مسألة طائرات الفانتوم، ولم أكن أريد أن تتوقف هذه العملية». وهاجمت جولداه خلال الجلسة الروس الذين قاموابتسليح الجيوش العربية حتىرؤوسها وقالت» قاتلنا جنوداً مصريين وسوريين لكن هذه الحرب فى واقع الأمر كانت بتدخل سوفيتى لأن السلاح كله كان سوفيتياً لقد أعدوهم للحرب، ونحن ندخل فى مناقشات مع الأمريكيين حول كل شرايك»وتقصد الصاروخ شرايك جو أرض» وعلى الجانب الآخر وفرة من السلاح. ومرة أخرى تتعالى الأصوات المنادية بضرب أهداف عسكرية وسط دمشق ويقول اللواء أهارون بارليف، الذى عمل مساعداً خاصاً لرئيس الأركان أثناء الحرب: إذا ما قمنا بقصف وزارة الدفاع فى دمشق وليس قيادة سلاح الطيران فهذا أيضاً جيد» يقول يجئال آلون: خسارة، خسارة، وترد جولداه: اذا كنا قد وصلنا إلى هذا فمن الأفضل أيضا قصف مقر رئاسة الأركان نحن فى نظر العالم مجرمون بطبيعة الحال. يقوم رئيس المخابرات العسكرية بإطلاع الحاضرين على أن السوريين أطلقوا صواريخ فروج، واقترح أن تقوم إسرائيل بحملة دعائية تشرح فيها للعالم كيف أنها اضطرت لضرب دمشق بعدما أطلق السوريون صواريخهم على مراكز مدنية فردت رئيسة الوزراء وقال: لماذا لاندعو العالم هاهى ذى الصحف أين صواريخ فروج؟ أعط تعليمات بدعوة الصحفيين الأجانب، وليجلس شخص ما ويصيغ وثيقة لسمحاه « تقصد سيمحاه دينتس، سفير إسرائيل فى واشنطن» ويشرح لماذا قررنا العمل هكذا. واختتمت جولده هذه الجلسة بطرح فكرة مجنونة على حد قولها: ماذا لو سافرت مع أحد العسكريين المتمييزين لو شنطن لمدة 24 ساعة؟ ما أقصدة هو أن أطرح على نيكسون خطورة الوضع هذا ما فعله الروس فلم يعد لدينا عتاد وهذه حياة بشر أمام نظام سوفيتى متكامل سوف أقول له: عليك أن تذهب معنا وتعمل من أجلنا ولكن بالعتاد فقط ربما يظهر بعض التعاطف وربما تستيقظ فى دخله روح التحدى ويقول من هم هؤلاء الروسى وأنا لا أعد بنجاح المهمة ولكن هذه هى الورقة التى يمكن أن تستخدمها مع الأمريكان ويبدى يسرائيل جاليلى ملاحظته: هم لايرون الوضع جيداً فوفقاً لتقارير الأمس فإنهم يرون أننا سوف ننهى هذه الحرب خلال يومين أو ثلاثة ويقوم ديان بتحميس جولداه ويقول: ست سنوات والروس يكدسونهم بالعتاد» فترد جولداه: هذا ما أريد أن أطرحه على نيكسون أريد أن أسألكم هل هذه الفكرة مجنونة تماماً؟ فيرد ديان نعم ولكن لابد من القيام بها» فتوضح جولداه أنها سوف تسافر إلى الولاياتالمتحدة « بصورة متخفية حتى بدون علم الحكومة، وأن السرية هنا عامل حاسم». وتشغل مسألة الرأى كافة الحاضرين مع جولداه فى ذلك الاجتماع كيف سيشرحون الأمر للشعب الإسرائيلى، ويقول ديان: « عندما قلتم سوف نهزم المصريين لم تعرفوا بمالديهم» ويواصل حديثه ويقول: عندى فى المساء لقاء فى التليفزيون، بإمكانى أن ألغيه ويمكننى أن أجريه باستخدام صيغ ملائمة الصحافة تصور الوضع بصورة مشوهة، فترد جولداه: يجب أن تدرس الأمر إما التليفزيون أما الكينست» فيرد ديان : «دعوة الكنيست للانعقاد هو عامل دراماتيكى لا أجنده فى التليفزيون سوف أحرص على أن يكون الأنطباع هادئاً ويقول دادو: لا توجد لدى تجربة مما يجب أن نقوله لليهود الحرب فى الحوادث نحن نقول الحقيقة أما فى الحرب فمن المحظور قول الحقيقة إننى أريدهم فى الجنوب أن يؤمنوا بأن كل شىئ يسير على ما يرام فى الجولان والعكس صحيح» وتنهى جوالده الجلسة بقولها: المهم والحقيقة أنهم لن يمكنهم تدميرنا، وأن الشعب لايعتقد بأننا انهزمنا ولا يفكر أنه يموت ببطء.