حال أمتنا الإسلامية يسر كل الأعداء.. ويضر الأصدقاء والأحباء بكل تأكيد هؤلاء الأعداء مستمرون فى حربهم الضروس ضد الإسلام على مدار القرون.. منذ بزوغ فجر البعثة المحمدية.. وحتى قيام الساعة.. هذه حقيقة كونية مؤكدة ولكن الجانب الآخر من هذه المشاهد المحزنة والمؤسفة هو أننا ساعدنا الأعداء بصورة تفوق تخطيطهم وتآمرهم ضدنا!! المتابع المدقق لحال الأمة يلاحظ بكل وضوح هذا التمزق والتشرذم الذى أصاب جسدها إجمالاً. وتفصيلاً. فالتشرذم ليس بين الدول؛ ولكن داخل كل دولة واحدة، نلاحظ ذلك فى أغلب البلاد الإسلامية من المحيط إلى المحيط بدرجات مختلفة.. وبأشكال متباينة.. ولكن المحصلة واحدة أمة ضعيفة تتمزق ونحن كثرة ولكنها كغثاء السيل كما تحدث رسولنا الأكرم عليه أزكى الصلوات والتسليمات. هذا التمزق تحول إلى ما يشبه الحروب الأهلية الداخلية فى بعض الدول.. مثل سوريا التى تكاد تجر معها دولاً أخرى فى حرب مذهبية مذمومة ومرفوضة بكل المقاييس، والغزو الأمريكى الغربى للعراق هو الذى زرع بذور الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة وسعى لتصديرها إلى دول المنطقة بخبث وتخطيط يهودى مقيت. فإسرائيل لا تريد الظهور فى هذا المشهد بصورة مباشرة ولكنها بكل تأكيد تقوم بصناعته وإشعاله وتأجيجه من وراء الكواليس. نحن ندعو حكماء المنطقة خاصة فى الدول المجاورة لسوريا -وتحديدًا لبنان - إلى عدم الانجرار وراء هذه المؤامرات الخطيرة التى تريد إعادة الحرب الأهلية اللبنانية إلى بدايتها.. ولكن فى إطار صراع إقليمى أشد فتكًا.. وقد لا يستطيع أحد إيقاف هذا الصراع لو تطور وانتشر لا قدر الله. من مآسى أمتنا المعاصرة.. توارى الربيع العربى؛ فهذه الثورات التى انطلقت وأحيت الأمل فى القلوب تكاد تنحصر وتتراجع.. ونأمل ألا تموت حدث هذا فى اليمن السعيد الذى استبدل قيادة بأخرى.. ولكن ظلت ذات الفعاليات والآليات والتحالفات الداخلية والإقليمية والدولية كما هى بما فى ذلك اختراق الطائرات الأمريكية المنظم للأراضى اليمنية بحجة مهاجمة القاعدة ولكن الأهم أن صوت ثوار اليمن لم يعد قويًا مثلما كان عندما اندلعت الثورة قبل شهور قليلة.. وفى ليبيا تُطل رأس الفتنة بين جماعات قبلية مسلحة تعمد النظام البائد نشر السلاح بينها وفى أيدى الشعب على أوسع نطاق حتى يتطاحن أبناؤه وتأكل نيران الصراع الأخضر واليابس ولكننا على ثقة أنه سيتم احتواء هذه المؤامرات وتعود ليبيا الثورة إلى مسارها الصحيح. وفى تونس ومصر (رائدتا الربيع العربى) مشاهد متشابهة وأحداث متقاربة.. تكاد تتطابق فى بعض الأحيان! ومنها الخلاف بين السلفيين والعلمانيين.. وبين السلفيين وأنصار التيار الإسلامى المعتدل بل بين الإسلاميين عمومًا وتكتل معارض من التيارات الليبرالية واليسارية التى اجتمعت على عداء التوجه الإسلامى رغم أنه نتاج هوية الأمة وتاريخها وحضارتها. ومعركة الإعلام تكاد تتكرر فى مصر وتونس.. بين إعلام الفلول وإعلام الثورة؛ نظام قديم بائد مازالت بعض أبواقه تنعق وتزعق وتستغل قوة المال ورجال الأعمال لاستعادة أرضية ضائعة.. وبين نظام جديد صاعد يريد أن يكون له صوت مسموع ولكنه لايملك الخبرات المالية والاحترافية اللازمة. أمة الإسلام ينتشر فيما بينها تخلف علمى وتعليمى رهيب بكل أسف.. رغم الحالات الفردية أو المؤسساتية التى تقدم نماذج رائعة للتفوق والإبداع ولكنها تظل مجرد اجتهادات بحاجة إلى أطر تنظيمية وقدرات تمويلية وخبرات إدارية رفيعة. ويكفى أن نعلم أن ميزانية التعليم لدينا يذهب أغلبها للمرتبات والمبانى والمنشآت! ولا توجد اعتمادات كافية لإطلاق عملية تعليمية حقيقية تقود الأمة إلى مستقبل مشرق.. فنجاح التعليم يبدأ بتطوير الفكر والعقول وآليات الابتكار والإبداع.. وليس الحفظ والتلقين والحصول على الشهادات كمجرد ديكور فى المنزل أو المكتب.. وإذا لم يقدم التعليم حلولا جذرية وعملية لمشاكلنا.. وإذا لم ينتج لنا خريجًا يحتاج إليه سوق العمل بأحدث المواصفات العالمية فلا قيمة للعملية التعليمية ولا أمل فى نهضة الأمة. واستكمالاً لهذا التخلف العلمى والتعليمى هناك تخلف تقنى وتكنولوجى وعسكرى أيضًا.. فإذا كانت ميزانية البحث العلمى لدينا لاتتجاوز 0.5% فإنها تصل إلى 4 - 7% فى بعض البلاد.. ومنها إسرائيل المجاورة والمتحفزة للعدوان دائمًا والتى تعتبر مصر عدوها الأول. الواقع يقول إن أغلب الدول الإسلامية لاتنتج تقنياتها ولا سلاحها.. ناهيك عن غذائها الذى يحتكره أعداؤنا.. للأسف الشديد، وصحيح إن هناك بعض التجارب المتقدمة تكنولوجيا وعسكريا - على مستوى العالم الإسلامى - مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وإيران وتركيا ولكنها اجتهادات محدودة ومحصورة ومحاصرة سياسيا وعمليا ومما يبشر بالأمل أن هناك علماء مسلمين أفذاذًا فى كل المجالات يستطيعون نقل خبراتهم وتطوير أدائهم بما يخدم مصالح أمتهم، ولكنهم ينتظرون إرادة وقرارًا سياسيًا جريئًا يذكره التاريخ لزعماء هذه الأمة.. ويزيد الحزن والألم عندما نلاحظ أن المجاعات والتخلف والمرض والجهل.. كل هذه المآسى تنتشر فى عالمنا الإسلامى وتكاد تكون حكرًا على بعض البلاد بل إننا نسمع ونشاهد نشرات الأخبار وكل السلبيات تخرج من عالمنا الإسلامى. أضف إلى هذه المشاهد التبعية والاختراق المقيت المميت لكثير من الدول الإسلامية من الأعداء الذين استطاعوا بناء تحالفات تاريخية مع بعض القيادات التى تعمل ضد شعوبها ويكفى أن نشير إلى النماذج الساقطة.. مبارك وبن على وصالح والقذافى وغيرهم كثيرون، هؤلاء كانوا مجرد دُمى فى أيدى الأعداء ويعملون ضد مصالح الأمة وضد شعوبهم؛ هذا الاختراق وصل إلى حد العمالة للقوى الكبرى التى قدمت مخصصات شهرية لهؤلاء العملاء، وارتبط بعضهم بأجهزة مخابرات دولية شهيرة! أيضًا تبدو أمة الإسلام أكثر حرصًا على الطعام.. فنحن سوق استهلاكية.. تأكل ولا تشبع.. تنام ولا تعمل.. تلعب وتلهو بينما الأعداء يعملون بكل همة لتفتيتها وتدميرها.. يكفى أن نعلم أن الميزان التجارى المصرى الصينى فيه خلل هائل.. لصالح التنين الأصفر بالطبع، فإجمالى التبادل بين البلدين يصل إلى 8.5 مليار دولار سنويا.. منها أقل من مليار دولار صادرات مصرية للصين!! هذه الجيوش الصينية تحولت إلى الإنتاج ببراعة وسرعة فائقة وأصبح كل بيت بل كل قرية صينية خلية عمل منتجة.. تضيف لأفرادها كما تؤكد تفوق بلدها. ولعل أخطر مشاهد الآلام فى بلاد الإسلام هذه الطوابير الخامسة التى ارتبطت بالغرب وتعمل بيننا وتعيش فى وسطنا.. دون أن ندرى أنهم يحملون فكر الأعداء وهويتهم وروح حضارتهم للأسف الشديد.. هؤلاء يحملون أسماء إسلامية ويتكلمون بلغة الضاد.. أو لغات بلادهم الإسلامية.. ولكنهم فى الحقيقة يعملون ضدها.. عمدًا أو عرضًا! ??? هذه بعض مآسى أمتنا وليست حصرًا لها ولكننا يجب أن نقدم رؤية متواضعة للخروج من هذا الوضع الكارثى التاريخى والخطير.. وأول سبل الإنقاذ هى استعادة هوية الأمة وروحها وتاريخها وحضارتها نعم نحن نعانى ضياع الهوية؛ أو تضييعها عمدًا على موائد اللئام وصنّاع الآثام!! نحن نريد أن تعود للأمة روحها التاريخية العظيمة التى قدمت للعالم أعظم الحضارات ووهبت البشرية أكبر الإنجازات لذا ندعو علماء الأمة لتنظيم مؤتمر عالمى يعالج مشاكلنا ويضع استراتيجية موحدة ومتكاملة لإنقاذها وإخراجها من عثراتها ولعل اليوم -يوم عرفة- الذى تخرج فيه «أكتوبر» مبكرًا عن موعدها لأول مرة مناسبة كبرى لهذا التجمع الإسلامى الحافل.. على صعيد واحد فى رحاب الرحمن.. وهذه فرصة ذهبية لنبذ الخلافات والصراعات بين الدول الإسلامية.. وداخل كل دولة على حدة ولكن هذا التجمع الربانى الشعبى فى عرفات يجب أن يتبعه تجمع رسمى منظم لعلماء وقادة الأمة كى يضعوا خريطة متكاملة لنهضتها وانطلاقتها. وربما يطالب البعض بتفعيل المنظمات الإسلامية القائمة ولكنها مجرد خطوة على طريق طويل للخروج من هذا المأزق التاريخى، وإذا كانت بعض الدول الإسلامية تتعرض للظلم والحصار والعقوبات على مدار نظم وفترات مختلفة.. فإن واقع الأمة وحجمها وقدرها ونفوذها يؤكد أنها تحاصر ولا تُحاصر. فنحن نقترب من 1.6 مليار نسمة ونحو 60 دولة.. بل إن المسلمين ينتشرون فى كافة دول العالم فلا تستطيع قوة أو حتى مجموعة دول حصارنا أو عقابنا.. بل إننا قادرون على أن نعاقب ونحاصر لو اتحدنا وتوحدنا.. ومن أهم الخطوات للخروج من هذه المصيدة التاريخية إنشاء عدة مجالس إسلامية تنفيذية متخصصة فى: العلوم والتكنولوجيا، والصناعات الثقيلة، والصناعات العسكرية والطاقة النووية السلمية؛ نريدها مجالس حقيقية تحظى بقدرات مالية وتنظيمية رفيعة.. تقدم للعالم أحدث التكنولوجيات الإسلامية.. وننتج أحدث الأسلحة. والأهم من ذلك أن نقدم للعالم نموذجًا إسلاميًا رائدًا يعيد أمجادًا خلت وعمالقة مازالوا فى ذاكرة التاريخ. نعم نحن قادرون على تحقيق هذه المعجزات بفضل الله أولاً ثم بإرادة الشعوب والقادة المخلصين معًا..