يترقب العالم فى شهر أكتوبر من كل عام الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز نوبل التى تعد من أرفع الجوائز التى تمنح فى العالم.. وربما ترجع أهميتها إلى قصة صاحبها العالم السويدى ألفريد نوبل الذى اخترع الديناميت بهدف تحقيق النفع للبشرية، فإذا به يفاجأ باستخدام البشر لاختراعه فى القتل والتدمير، وبعدما تملكه الندم أوصى فى عام 1895- قبل وفاته بعام واحد- بمنح كل ثروته بعد مماته لمن يقدمون أعمالا مفيدة للبشرية فى مجالات السلام والأدب والطب والفيزياء والكيمياء. وبحلول شهر ديسمبر، تحل ذكرى رحيل «نوبل» وتسلم جوائزه للفائزين فى احتفال ضخم تنقله كل شاشات التليفزيون فى العالم، دون أن يتأمل هذا العالم مغزى الجوائز أو الهدف منها.. فمازالت الدول تتفنن فى ابتكار أكثر الوسائل فتكا بالإنسان وتدميرا للكوكب الذى يعيش فيه. وكانت المفاجأة هذا العام حين أعلن عن حصول الاتحاد الأوروبى على جائزة «نوبل للسلام» رغم الأزمات التى يمر بها، الأمر الذى أثار المزيد من الجدل حول «شفافية» الجائزة، بينما حصدت أمريكا نصف الجوائز تقريبا وكان لبريطانيا واليابان وفرنسا والصين نصيبها فى النصف الآخر. جاء اختيار الاتحاد الأوروبى لنيل جائزة نوبل للسلام هذا العام تتويجاً لجهوده التى استمرت لستة عقود ولإعطاء الاتحاد دفعة معنوية كى يمضى قدماً لحل كافة الأزمات ومن بينها أزمة الديون التى تهدده حالياً وهنا يقول رئيس لجنة الاختيار «ثوربيورن جاجلاند» إن هذه الجائزة هى رسالة تشجيع لأوروبا كى تفعل كل ما بوسعها لتحافظ على ما حققته من أجل أن يعم السلام والديمقراطية فى أوروبا والعالم أجمع». وتأتى كلمات جاجلاند رداً على الهجوم الذى صاحب اختيار مرشح هذا العام للسلام والذى أثار عاصفة من الاحتجاجات والرفض بين الأمريكان والأوروبيين أنفسهم فيرى الكاتب (أليكس ماسى) بمجلة فورين بوليسى الأمريكية أن الاتحاد الأوروبى لم ينجح فى إرساء السلام العالمى أو منع الحروب، بالإضافة لإخفاقه فى مواجهة أزمة الديون وإيجاد حل جذرى لأزمته الاقتصادية التى باتت تهدد وحدته ويتوقع الكاتب فشل الاتحاد فى إنهاء التعصب بين دول أوروبا الشمالية والجنوبية وبين الشرقية والغربية مدللاً على ذلك باتساع رقعة المظاهرات والاحتجاجات الرافضة لسياسة التقشف وخفض الإنفاق الذى أقرته كل من ألمانيا وفرنسا. وأضاف الكاتب أيضاً أن منح الاتحاد الأوروبى هذه الجائزة هو تكرار لمنحها فى سنوات سابقة لمنظمات الأممالمتحدة والصليب الأحمر وأطباء بلا حدود وكلها منظمات فشلت فى أن يكون لها دور فاعل فى إنهاء أية حرب. وانضم إلى الكاتب الأمريكى أليكس الرئيس التشيكى فاتسلاف كلاوس الذى وصف حصول الاتحاد على الجائزة بأنه «خطأ مأساوى» وأضاف قائلاً: «إن جائزة نوبل للسلام كانت ذات مغزى عندما كان يتم منحها لأفراد تقديراً لأعمالهم المتميزة ولكنها تحولت لجائزة عديمة الجدوى بعد منحها للاتحاد باعتباره «مؤسسة بيروقراطية». فى حين يرى المؤيدون لقرار الجائزة أن الاتحاد نجح فى أن يحول أوروبا من قارة حرب إلى قارة سلام، وعن ذلك قال رئيس الاتحاد الأوروبى خوسيه مانويل: «إن هذه الجائزة هى أقوى اعتراف بالجهود والدوافع وراء اتحادنا وتأتى كى تمنحنا تشجيعا للتغلب على الانقسامات ومواجهة الأزمات لتحقيق السلام والازدهار ل500 مليون مواطن يعيشون فى هذا الاتحاد». ويضيف جاجلاند رئيس لجنة الاختيار «إن سعى الاتحاد لضم دول شرق أوروبا عقب سقوط سور برلين عام 1989 أسهم فى منع العديد من النزاعات والاضطرابات، كما يسهم الاتحاد فى اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالسلام فى الشرق الأوسط مع روسيا والولايات المتحدةوالأممالمتحدة، ويشارك أيضاً فى تمويل مشروعات توفر فرص عمل للشباب فى المناطق التى تعانى من التوترات والصراعات». وتنضم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لقافلة المؤيدين قائلة: «إن هذه الجائزة هى قرار رائع ومشجع ومحفز يدفع للالتزام بالنسبة لها شخصياً». وتلك الجائزة الشهيرة التى أسسها صاحبها تكفيراً سنوياً عن اختراعه لأداة عنف ودمار ارتبطت فى العرف الدولى بمعنى السلام وهذا يكون مثالاً حياً لغرابة تفسيرات الغرب دائماً للمصطلحات من وجهة نظرهم غير مبالين بالتفسير التاريخى والإنسانى لما يفعلون ! ولعل مثلث التعثر الاقتصادى الأوروبى الأخير بزواياه إسبانيا..اليونان.. والبرتغال يفصح بدلالة قاطعة أنه ليس بالجوائز- فقط - تحل الأزمات.