رأت مجلة "فورين بوليسى" الامريكية أن الاتحاد الأوروبى يستحق جائزة نوبل للسلام التى تم منحها إياه منذ أيام قليلة ، ولكن والسؤال الحقيقي ليس ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يستحق نوبل أم لا ، بينما ماذا سيفعل الاتحاد الأوروبي حيال ذلك وهل كان ذلك هو التوقيت السليم لمنحه هذه الجائزة ؟ . وأوضحت المجلة أن الاتحاد الأوروبي هو واحد من الانجازات العظيمة في تاريخ البشرية، ومساهماته في السلام في أوروبا وأماكن أخرى لا تقبل الشك. ولكن المشكلة الوحيدة هي أن منح الجائزة جاء في الوقت الخطأ تماما. فقد أرجع هذا القرار الجميع بالذاكرة إلى 20 عاما مضت ، عندما انتهت الحرب الباردة وكانت أوروبا كلها تنعم بالحرية والسلام للمرة الاولى في تاريخها ، فى ذلك الوقت كان الاتحاد الاوروبى يستحق منحه جائزة نوبل للسلام ، ولكن الآن تغرق القارة في أخطر أزمة اجتماعية واقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضى ومشروع الاتحاد الأوروبي يواجه خطر الانهيار، وهو ما يجعل البعض يشعرون بأن الجائزة تم منحها كترضية - مثل جائزة الإنجاز مدى الحياة في حفل توزيع جوائز الأوسكار أو هدية التقاعد لمن أدوا سنوات عديدة فى الخدمة بإخلاص. وفي إعلانه عام 1950 الذى كان بمثابة الميلاد الحقيقى لما أصبح في نهاية المطاف "الاتحاد" في الوقت الحاضر، دعا وزير الخارجية الفرنسي "روبرت شومان" لتجميع الفحم والصلب بعيدا، لجعل الحرب بين فرنسا وألمانيا ، ليس فقط غير واردة، ولكن مستحيلة"، واليوم، نشوب نزاع عسكري في قلب أوروبا هو في الواقع لا يمكن تصوره - كما هو الحال فى الدول الصناعية الديمقراطية الكبرى مثل الولاياتالمتحدة وكندا أو أستراليا ونيوزيلندا. ورغم تهكنات الساخرين، فإن الاتحاد الأوروبي يستحق الكثير ، لأنه تمكن من وضع نظام لحل النزاعات الاوروبية في مقر المفوضية الاوروبية فى بروكسل وليس في ميادين القتال، لكنه لم يفعل ذلك بمفرده ، وهو ما أكده الرئيس الامريكي "باراك أوباما" عند تسلمه جائزة نوبل للسلام في عام 2009، عندما قال: "يجب على العالم أن يتذكر أنه لا يمكن القول ببساطة أن المؤسسات الدولية – وليس مجرد المعاهدات والاتفاقيات - هى التي حققت الاستقرار في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل ساعدت عوامل اخرى مثل وجود مئات الآلاف من القوات الامريكية لحفظ السلام في أوروبا وغيرها ، وكذلك حلف "الناتو" الذى يوفر المظلة الأمنية لمعظم الدول الأوروبية، إضافة إلى العولمة التى زادت من علاقات الدول أكثر فأكثر من خلال التجارة والعلاقات التجارية. والحقيقة أن الاتحاد الاوروبى تمكن من تحويل قارة اوروبا من قارة حرب الى قارة سلام ، فقد شهدت القارة الاوروبية العديد من النزاعات المسلحة خصوصا مع تفكك الاتحاد السوفيتى ويوغسلافيا واندلاع العديد من الصراعات الاقليمية فى الشيشان وجورجيا وناجورنو كارباخ والصراعات في سلوفينيا، والبوسنة وكرواتيا وكوسوفو . إلا أن إعلان فوز الاتحاد بالجائزة تناسب مع أعمق ازمة يمر بها الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، حتى إن وسائل الاعلام الاوروبية سخرت وتهكمت من إعلان فوز الاتحاد بالجائزة بينما كانت المظاهرات تعم اليونان يوم الجمعة احتجاجا على زيارة المستشارة الامانية "انجيلا ميركل" لأثينا وخطط التقشف التى تضر باليونايين ، كما تزامنت مع طلب اسبانيا مزيد من الدعم لمواجهة الازمة المالية. وفى ظل الانقسامات العنيفة بين دول الاتحاد ومطالبة البعض بالخروج من الوحدة الاوروبية ، أصبح الحلم الأوروبي في حالة يرثى لها، نتيجة لمشاكل أوروبا الاقتصادية وتهديد الهوية الوطنية التي يطرحها الاتحاد الأوروبي، والدعوات العنصرية التى تطلقها الأحزاب المتطرفة والقومية في جميع أنحاء القارة - وهذه حقيقة معترف بها من قبل رئيس لجنة جائزة نوبل للسلام "ياجلاند ثوربيورن" الذى قال يوم الجمعة: " نحن نرى بالفعل الآن زيادة التطرف والمواقف القومية وهناك خطر حقيقي من أن أوروبا سوف تبدأ فى التفكك." ورأت المجلة أن الفلسفة وراء منح الاتحاد الاوروبى الجائزة ربما تكون بهدف التحذير من مخاطر التفكك والتذكير بالماضى وخطر عودة الحرب إذا فشل اليورو. ومن هنا فأن منح الجائزة يحمل الاتحاد الاوروبى مسئولية كبيرة ، وعليه ان يتجاوز أزمته وينهض من جديد .