قالوا قديما إن المصائب تجمعن المصابين وأرى أن هذا القول هو الأنسب لتوصيف الحالة السياسية الراهنة على الساحة المصرية حيث توحدت كل الأطياف المتناقضة لدرجة التنافر والمتعارضة لدرجة الشقاق لا لوحدة فى الهدف. ولا لرغبة فى الإصلاح. إنما البادى بوضوح أن سر هذا التوحد الطارئ والغريب هو تلاقى المصالح وقبلها الأطماع فى الانقضاض على مائدة الوليمة السياسية التى تعد حاليا وتزدحم بما لذ وطاب من المقاعد النيابية على اختلاف مواقعها وخاصة بعد أن توالت الأحكام القضائية من سائر المحاكم رفيعة المستوى، كالدستورية والإدارية والإدارية العليا وكلها تؤكد بطلان مجلس الشعب الحالى.. وقد صرح كثير من المصادر القضائية بأن مجلس الشورى قياسا بهذه الأحكام سوف يلحق بشقيقه الذى أجهزت عليه الأحكام سالفة الذكر. ومما يثير كثيرا من التساؤلات الحائرة ويطرح الأكثر منها من الحقائق الدامغة هو ذلك الهلع من التيار الإسلامى الذى يصل لدرجة الذعر لمختلف القوى السياسية والذى انعكست آثاره بصورة ملحوظة على الساحة السياسية المصرية حيث فوجئنا جميعا بتدشين تيارات سياسية ائتلافية لبعض هذه القوى رغم تحفظنا على كلمة «ائتلافية» لأنه باستعراض المشارب السياسية والمذاهب العقائدية لهذه القوى ينفى نفيا مطلقا وجود ما يسمى بالتآلف حيث إنه المستحيل بعينه أن تتلاقى أحزاب ليبرالية مع أخرى اشتراكية، مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن النتيجة النهائية سوف تصدم الشارع السياسى وخاصة النخب السياسية منه حول مصداقية هذه الائتلافات بما ينذر بفشل ذريع ينتظرها وفى المقابل سوف يكون النجاح حليفا للقوى المنافسة وهى التيار الإسلامى على اختلاف توجهاته وتباين أطيافه. qqq هذه الائتلافات التى دشنت مؤخراً فى مواجهة ما نطلق عليها «فوبيا الإسلاميين» التى أصابت كل القوى السياسية بكل هذا التوجس بما يشى باضطرارية تكوين هذه الائتلافات وابتعاد معظمها عن المنطقية والمصداقية فى آن واحد ومنها التيار المسمى «الأمة المصرية» ويقوده القطب الدبلوماسى والمرشح الرئاسى السابق عمرو موسى ويتصدره حزب الوفد بتاريخه العريق قبل ثورة يوليو ومحاولاته المستميتة فى استعادة مكانته السابقة فى مرحلته الجديدة والتى بدأت فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى ويشارك الوفد فى تيار الأمة المصرية مجموعة من الأحزاب الهامشية والتى تفتقر إلى الوجود السياسى فى الشارع المصرى والتى أطلق عليها المحللون السياسيون وصف «الأحزاب الورقية» وهنا نرى تساؤلا مهما يفرض نفسه.. هل كانت هذه الأحزاب الوليدة سوف تشارك فى مثل هذا الائتلاف لو كانت تشعر بأن لها وجوداً حقيقياً فى الشارع أو تقف على أرضية جماهيرية صلبة - إن صح التعبير - أو كان لها دور يمكن أن تؤديه سياسيا بعيدا عن هذا التيار الجديد؟!.. أعتقد أن الإجابة تأتى قاطعة بالنفى المبين دون الحاجة إلى سرد أسباب أراها واضحة للعيان.. وهنا أيضاً يجدر التساؤل موجها إلى السيد عمرو موسى شخصيا وهو الدبلوماسى المخضرم صاحب الخبرة الطويلة.. هل هذه الأحزاب الورقية تمثل بحق وصدق الأمة المصرية؟ وإن كانت كذلك فما الذى يدعوها للعمل السياسى فى إطار تآلف يثير كثيرا من التحفظات المنطقية حول شكل وتصنيف هذا التآلف؟! وإذا كانت الممارسة الديمقراطية الحقيقية لا تحظر وجود أى ائتلافات يمكن أن يرى أعضاؤها أن هذا هو الطريق الأمثل لتحقيق أهدافهم السياسية والتى يستعصى عليهم تحقيقها منفردين ولكن مع ذلك فلابد من تحكيم العقل والمنطق الذى يضمن الوصول لهذه الأهداف بشكل واقعى مقبول.. qqq أما التيار الثانى فهو «التيار الشعبى» الذى يتزعمه المرشح الرئاسى السابق ومؤسس حزب الكرامة حمدين صباحى.. ويغلب على هذا التيار الطابع الناصرى رغم أن هناك أحزاباً سياسية مشاركة لها طابع ليبرالى بما يؤكد انفصام الوازع السياسى لدى أعضاء هذا الائتلاف الذى تم تدشينه فى الأسبوع الماضى وكان اختيار موقع انطلاقه له من الدلالات السياسية ما يؤكد توجهه الثورى ولا عيب فى ذلك حيث كانت الساحة المقابلة لقصر عابدين هى الموقع المختار والذى يعيدنا بالذاكرة إلى أبرز مشاهد الثورة العرابية حين وقف عرابى موجها مقولته الشهيرة إلى الخديو توفيق.. «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا ولن نورث بعد اليوم».. ورغم الفوارق الجوهرية بين موقف تدشين التيار الشعبى واندلاع شرارة الثورة العرابية فإننا لا نستطيع ولا نرجو أن نبخث حق هذا التيار فى أن يستخدم كل العوامل النفسية والإنسانية والتاريخية التى يراها مؤسسوه داعمة لنقطة انطلاقه ومحققة لأهدافه. وإن كنا على يقين أن هذين التيارين الجديدين سوف يخرجان من حلبة الانتخابات البرلمانية المقبلة والتى كانت سببا مباشرا ووحيدا فى تدشينهما بخفى حنين وهذه ليست أمنية لدينا - لا سمح الله - بقدر ما هى استخلاص منطقى واستقراء واقعى للخريطة السياسية التى تثبت بالدلائل القاطعة أن التيارين مجتمعين يفتقدان مقومات البناء السياسى المحكم ومن أهمها الحضور والجماهيرية لدى جموع الشعب المصرى الذى هو فى البداية والنهاية الحكم الأول والأخير فى حسم هذا المعترك السياسى الفارق فى هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ المصرى. qqq وبعيدا عن التقييم لمثل هذه التجربة المستحدثة فى التاريخ السياسى المصرى بهذا التكتل الحزبى الذى يصل فى كلا التيارين إلى قرابة الأربعين حزبا من شتى الأطياف السياسية والتى اجتمعت فى مشهد عجيب وغريب لما ينقصه من التوافق السياسى الذى يعتبر ضرورة حتمية لنجاح مثل هذه التحالفات.. إلا أن ما يحمله من دلالات إنما تؤكد قوة التيار الإسلامى الذى دعا هؤلاء جميعا إلى التكتل فى مواجهة الإسلاميين بما لهم من تعاطف شعبى مازال يمثل قوة لا يستهان بها رغم الحملات الإعلامية المنظمة ضد الأحزاب الدينية والتى قد تكون لها بعض الآثار السلبية على جماهيرية هذه الأحزاب ولكنها فى ذات الوقت لم تفقدها فعالياتها فى الشارع السياسى المصرى.. إن هذه التجارب السياسية الوليدة رغم ما لدينا عليها من تحفظات إلا أنها قد تثرى الحياة السياسية المأمولة بعد ثورة 25 يناير والتى استطاعت عن جدارة واستحقاق أن تغير خريطة الواقع السياسى المصرى بما يحقق ترسيخ ما نأمله لمصر من ديمقراطية حقيقية بعد ثلاثين عاما من الديمقراطية الزائفة.