الثورة العربية مطلوبة ضد الحاكم المستبد الفاسد الذى أعاق الشعب عن تقرير مصيره وأوقف نموه الحضارى وأتبع قراره للخارج وبدد طاقة الشعب فى طلب الحرية كما بدد ثروته البشرية والطبيعية. وقد هلل الغرب لهذه الثورة وأسماها الربيع العربى، فانتعش الأمل فى أن يتحول شتاء العرب الطويل وانكساراتهم وتبعيتهم إلى ربيع تستقل فيه النظم وتزدهر أشجار الحرية والديمقراطية ويتوزع خير البلاد على أهلها ويصبح العالم العربى واثقاً أنه أمة واحدة جديرة بالوحدة والقوة. ولكن الذى نراه الآن هو أن هذا الربيع العربى الوهمى لم يحقق سوى إطاحة الحاكم، بينما نظامه ورجاله وأمواله فى قبضة الغرب وإسرائيل. وإذا كانت الثورة بشرت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والاستقلال. وبدت وكأنها طوق النجاه للشعب الفلسطينى، إلا أن مسار الثورة وانحرافها صوب طرق خطرة جعل كل هذه الآمال تبدو أوهاما، بل أصبح وجود الدولة العربية «القطرية» فى خطر داهم أمام أشباح التشرذم والتقسيم وكأن هذا الربيع الذى أشاد به أوباما رغم اطاحته بحكام حلفاء له، قد استحدث كبديل أسرع نحو إنفاذ مخطط إضعاف الدولة العربية التى أعاق الاستبداد والفساد والمافيات محاولات تقويتها وتأكيد سلطانهاوإصلاح نظامها السياسى. والطريف أن النظم المستبدة التى قدمت نفسها على أنها من دعاة الوحدة العربية والقومية العربية قد أفرطت فى مؤامراتها على توحيد العالم العربى عندما حاربت فكرة قوة الدولة بتحريرها من الاستبداد والطابع المافياوي الذى صادر مقدرات الدولة العربية وتحول الدولة العربية إلى دول مافياوية يسهل للغرب التعامل مع نخبها الفاسدة الباطشة لشعوبها والقامعة لأشواق الحرية. وكانت ذريعة محاربة قوة الدولة القطرية هى أن هذه القوة تعيق اندماج الدول العربية وارتفاع أسوار السيادة بينها مما يقضى على حلم الوحدة العربية، وهو ما دفع أستاذنا المرحوم د. حامد ربيع المتأثر بتجربة الوحدة الألمانية إلى أن يحلم بأن تقوم مصر بتوحيد العالم العربى كما فعلت بروسيا، وقد اتفق فى دراساته مع المرحوم د. جمال حمدان بأنه لما كانت مصر هى القاطرة، فقد ركز الغرب مؤامراته عليها، وأكبر صور المؤامرة هو زرع إسرائيل فى خاصرة مصر، وعزل مصر واستباحة الساحة العربية بعد استباحة مصر نفسها. وهكذا تسلط على الدول العربية نظم مخترقة، كما تم فصم أواصر العلاقة بين الدول العربية، وفصم الجسد العربى عن القضية الفلسطينية ثم ضرب العمود الفقرى الفلسطينى نفسه، مادامت إسرائيل تحتل فلسطين كلها رغم كل تمثيليات السلام الزائف والتى قام فيها العرب بأدوار أساسية وأحيانا مدروسة. فإذا كان المطلوب غربياً هو استخدام الثورة العربية التى فتحت جوف المجتمعات العربية فانها تعثرت حتي الآن فى أن تعيد صياغة الجسد وفقاً لروحها، مما يسهم في استكمال ضياع فلسطين، وإرهاق الشعوب وتحميلها بأثمان باهظة، حتى أصبح الجميع لاجئين فى العالم العربى أو حتى غرباء فى وطنهم، وحتى يمكن تفتيت الأوطان العربية. فقد تشرد الفلسطينيون على يد إسرائيل وهى تحتل فلسطين كما تشرد العراقيون بمؤامرة الاحتلال الأمريكى والتقسيم وضياع العراق كقوة مؤثرة، وقد تم كل ذلك بمخطط مدروس لعب البطل «القومى» فيه _ربما دون أن يدرى – دورا درامياً واضحاً منذالبداية وحتى إسدال الستار. فالتحالف بين النظام القديم وإسرائيل يحاول إجهاض أحلام الثورة بل الانحدار إلى ضياع وحدة الدولة وقد كشفت إسرائيل عما تحلم به من تفتيت العالم العربى حولها حتى يضمن لها استكمال مخطط تهويد فلسطين دون منازع، وحتى تتخلص من الظهور العربى الذى كان داعماً للمقاومة، ولا يجرؤ اليوم على مجرد استخدام الكلمة فى خطابه السياسى والإعلامى، فإذا ما هزمت آمال الوحدة العربية، والوحدة الوطنية، وأحبطت الآمال المعلقة على الثورة وجهت الشعوب العربية إلى أن الثورة كانت كارثة وأن الأوطان والشعوب تحت الحكم الاستبدادى كانت أفضل من المقامرة بقيام الثورة، فيبدأ العالم العربى دورة جديدة هذه المرة مفتتاً ومحبطاً، وينتهى الصراع العربى الإسرائيلى لعقود قادمة. وقد عبرت إسرائيل بوضوح عن أحلام التقسيم بمناسبة تطور الأوضاع فى سوريا، بحيث تمعن فى مخطط التمزيق الطائفى، وكأن الصراع السنى/ الشيعى حل محل الصراع مع إسرائيل الذي رد العرب إلى حالتهم البدائية، لينصرفوا عنها، ويضرب بعضهم رقاب بعض فيفنى العرب، وتبقى إسرائيل، وتلك سنة الله فى خلقه، فالبقاء للمتحضر بينما الفناء للمتخلفين. تحلم إسرائيل بأن تقوم دولة علوية فى اللاذقية، بينما يتواصل سنة سوريا مع سنة العراق، وتنشأ دولة كردية فى سوريا والعراق، كما تنشأ دولة شيعية لحزب الله فى جنوببيروت صوب جنوب لبنان ويفقد حزب الله البقاع ثم ينزح الفلسطينيون فى سوريا ولبنان إلى الأردن ليقيموا الدولة الفلسطينية البديلة بدلاً من الأسرة الهاشمية. وتحتضن السعودية ومصر وتركيا سنة المنطقة، بينما تحتضن إيران شيعة المنطقة، وتقع حروب طاحنة بين الشيعة والسنة فى لبنان وغيرها، بما يورط إيران والسعودية ، ويختفى نفوذ إيران كما تنهى كل مقاومة لإسرائيل. فماذا فعل العرب فى سوريا حتى يوقفوا حلم إسرائيل؟.