لماذا يصر حزب الحرية والعدالة المسيطر على مجلس الشورى على تغيير 55 رئيس تحرير للصحف القومية دفعة واحدة ؟! .. ولماذا الآن وبهذه السرعة المحفوفة بالشكوك والمخاوف من قبل جموع الصحفيين ؟! ولماذا يصر المجلس المشكوك فى صلاحيته دستوريًا أن يضع معايير اختيار رؤساء تحرير جدد .. هذه المعايير أقل ما توصف بأنها مهينة وشائنة وعار على الصحافة والصحفيين والتى لطخت بلاط صاحبة الجلالة بالخزى والعار !! وكيف يصف نقيب الصحفيين لجنة اختيار رؤساء التحرير بأنها مستقلة، رغم أنها معينة من قبل مجلس الشورى الذى يسيطر عليه الحزب الاخوانى .. وهذا دليل كاف على عدم حيادية اللجنة التى تم اختيار أعضائها من قبل حزب الحرية والعدالة، دون أن يستشير أو يأخذ رأى نقابة الصحفيين، سواء من اعضاء مجلس النقابة وعلى رأسهم السيد النقيب أو من قبل الجمعية العمومية للنقابة ..ورغم أن السيد النقيب قد صرح أكثر من مرة بكلام متناقض، مؤداه أن اللجنة قد تمت الموافقة عليها من اعضاء مجلس النقابة بالإجماع ، إلا أنه عاد وقال إن الموافقة تمت بالأغلبية ثم تراجع مرة أخرى وقال إن عدداً من اعضاء مجلس النقابة قد انسحبوا من الاجتماع الذى تم فيه «طبخ» معايير الاختيار لتوافق ارادة حزب الحرية والعدالة وتتيح له تصفية الحسابات والانتقام من بعض رؤساء التحرير، الذين هاجموا الحزب قبل وبعد الانتخابات وكأنهم - أى جماعة الإخوان – يريدون أن يثبتوا للجميع أن ذراعهم الطويلة ستصل إلى كل من تناول الحزب وجماعته بالنقض سواء بالتصريح أو التلميح ، وأن العقاب هذه المرة سيكون حاسمًا رادعًا بضم ملكية الصحف القومية ليس لمجلس الشورى وإنما للحزب الإخوانى.. وأن هذه الملكية ستكون على كل المستويات المادية والفكرية والمعنوية، حتى يكون العقاب «ساحق ماحق» لكل من تسول له نفسه أن يكتب حاضرًا ومستقبلاً كلمة نقد واحدة فى حق الحزب المسيطر وجماعته الاستحواذية السلطوية.. أقول إن ما يحدث الآن تعدى مرحلة جس النبض أو توصيل الرسائل، حيث بدأت المرحلة الجديدة بتنفيذ المخططات الهادفة إلى السيطرة على وسائل الإعلام جميعها وليس فقط الصحف القومية .. حيث هناك مخطط جهنمى آخر للسيطرة على اتحاد الإذاعة والتليفزيون .. ثم يعقب ذلك تنفيذ برنامج ماكر لجذب الصحف المستقلة والفضائيات بالترغيب والترهيب.. ولا مانع من استخدام سلاح المال لشراء بعض الذمم الخربة من كُتاب وإعلامى النفاق السلطوى سواء من الصحفيين أو من عرابى الفضائيات الذين تعودوا ممالقة السلطة فى أى زمان ومكان. وحتى تكتمل الصورة فإن السيطرة الإعلامية على المسرح السياسى من قبل جماعة الإخوان وهو هدف منشود يسير فى اتجاه متواز مع الهدف الاساسى فى السيطرة والاستحواذ على الشارع السياسى فى مصر ، حتى لا يكون هناك معارضون للجماعة وحزبها السياسى، بل إن الأمر أخذ بعدًا أكثر خطورة وهو ألا يكون لهم حتى مجرد شركاء فى الحكم ولا فى السيطرة على الإعلام بكافة وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية . *** وأقول لأعضاء حزب الجشع السياسى المسيطر على مجلس الشورى إنه حتى لو تم تغيير كل رؤساء التحرير من قبل الحزب السلطوى .. وحتى لو كانوا جميعًا أعضاء فى الحزب نفسه . أقول وأكرر إن ذلك لن يؤثر فى جموع الصحفيين الرافضين لمشروع الهيمنة السياسية والاستحواذ الإعلامى وتصفية الحسابات والعقاب الجماعى . أما مقولة أن لجنة المعايير والاختيار المزعومة لها أهداف نبيلة نحو اتاحة الفرصة أمام أى صحفى يرغب فى أن يكون رئيسًا للتحرير، فإن هذا الكلام مردود عليه، وببساطة شديدة هى أن مجمل الشروط التى وضعتها اللجنة مطاطة ومبهمة وقابلة للتشكيل حسب الرغبات والأهواء وهذا ما يريده الحزب المسيطر على مجلس الشورى، وهو ما يعنى تكريس للتبعية فى اتجاه محدد ومعروف، بحيث تفرز اللجنة اختيارات تتفق مع اهواء وأغراض الجماعة المسيطرة وذراعها السياسى وببساطة شديدة هذه اللجنة عبارة عن كتيبة اعدام لكرامة ونزاهة وحرية مهنة الصحافة. أما عن الفساد فى المؤسسات الصحفية، فلا يمكن إلصاقه برئيس التحرير بأى حال من الأحوال، لأن صلاحياته محدودة ومسئولياته لا تخرج عن التحرير فقط وليس له سلطات مالية أو ادارية .. وهو ما يضع الكثير من التساؤلات حول التغيير فى هذا الوقت بالذات .. وهناك أمر آخر وهو كيف يقدم رئيس تحرير مصوغات تعيينه على منصب هو يشغله بالفعل.. أما مسألة أن رؤساء التحرير الذين تم تعيينهم من قبل النظام السابق قد انتهت فترة ولايتهم فى مارس الماضى، فإننى أقول إن هناك رؤساء تحرير قد تم تعيينهم بعد الثورة وباختيار حر من زملائهم .. فكيف تحتسب مدة ولايتهم على اعتبار أنهم يكملون مدة من سبقوهم فى رئاسة التحرير .. هل هذا معيار صحيح أم معيار فاسد ومعيب ؟! أما المعايير التى وضعت لاختيار رؤساء تحرير ل (55) إصدارا صحفيا تابعة ل?8 مؤسسات كبرى يعمل بها أربعة آلاف صحفى وعشرون ألف عامل وموظف.. هذه المعايير لا يمكن أن تطبخ وتعد بهذه السرعة إلا إذا كان هناك نية إلى الدخول فى صدام مبكر مع الصحفيين ونقابتهم العريقة .. وإذا كان القدر قد جعل بلاط صاحبة الجلالة مكبلاً ورهيناً من قبل مجلس استشارى منزوع السلطات الفعلية إلا على الصحافة والصحفيين فإنه يمارس ابشع أنواع التحكم والديكتاتورية.. وإننا أمام هذا التعنت لا يبقى لنا إلا أن ندعو الله أن يزيح عنا وعن القراء والسامعين والمشاهدين المصائب التى تنتظرنا من سيطرة وغزو مجلس تتغير أهدافه بتغير الاتجاهات الحزبية .. فبعد أن كان الحزب الوطنى البائد مسيطرًا على هذا المجلس أصبح الآن حزب جماعة الإخوان المسلمين يمارس نفس السيطرة مع اختلاف الأهداف والنوايا .. فهل هذا معقول ؟!.. هل من المعقول أن تظل أكبر المؤسسات الصحفية فى الدولة أسيرة أهواء وتطلعات وأغراض كل من يسيطر على هذا المجلس، منذ أن كانت الصحف القومية تابعة للاتحاد الاشتراكى مرورًا بالمنابر السياسية الثلاث التى اخترعها الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أراد أن يقضى ويقوض سلطة الاتحاد الاشتراكى.. انتهاء بتأسيس الحزب الوطنى البائد واختراع مجلس الشورى، حيث أن هناك مادة فى قانون تأسيس هذا المجلس وهى المادة « 55» والتى تقول إن مجلس الشورى يمارس الملكية الخاصة على الصحف القومية وشركات التوزيع التى تنبثق عنها – الشركة القومية للتوزيع – وكذلك وكالة انباء الشرق الأوسط. وعن هذا الأمر يقول الكاتب الكبير الأستاذ صلاح عيسى: إن المشروع الأساسى الذى نهدف من ورائه إلى تحرير الصحف القومية هو فى تأسيس «مجلس وطنى للإعلام» يقوم على تحرير الصحف القومية من أى سيطرة أو تبعية خاصة مجلسى الشورى والشعب، لأن مثل هذه المجالس عرضة للسيطرة السياسية من قبل احزاب بعينها، كما أنه لا يصح أن يكون الإعلام الوطنى تابعًا لأى منها حفاظًا على حيادية وحرية ونزاهة الصحافة القومية. *** إن ما يروج له البعض من أن مجلس الشورى واللجنة المنبثقة عنه لاختيار رؤساء التحرير تسعى إلى تغيير قيادات صحفية أتى بها صفوت الشريف.. أقول إن هذه الأقوال مردود عليها، لأن أكبر أعضاء لجنة الاختيار المزعومة هو رجل تم تصنيعه وإنتاجه فى معية النظام الفاسد وهو بكل جدارة أحد أكبر معاونى صفوت الشريف منذ أن كان وزيرًا للإعلام وحتى زوال النظام الفاسد كما أنه لا تنطبق عليه معايير وشروط الاختيار الموكلة إليه كعضو فى اللجنة حيث عمل بالإعلانات وخلط بين الإعلان والتحرير وترأس حملات إعلانية لبعض رجال الأعمال الفاسدين والمثار حولهم الشكوك ، كما أنه عمل معدًا لأكثر من برنامج فى الإذاعة والتليفزيون وسافر إلى إسرائيل .. وكلها ممارسات تخالف كل الشروط التى وضعتها اللجنة لاختيار رؤساء التحرير . إضافة إلى أن هناك من أعضاء اللجنة المزعومة من كان عضوًا فى الحزب الوطنى البائد – ليس هذا فحسب – بل تقلد العديد من المناصب كان آخرها تعيينه من قبل الرئيس المخلوع عضوًا بمجلس الشورى قبل ثورة 25 يناير والغريب أن هذا الرجل لا يزال يشغل منصبًا مهماً فى المجلس الأعلى للصحافة .. كيف حدث ذلك ولماذا؟! .. الله أعلم . إننى ومعظم زملائى الصحفيين لا نبحث عن صدام مع أى قوى سياسية وإنما نبحث عن حل يحفظ للمهنة كرامتها واستقلالها وحريتها وكل هذا لا يتفق أبدًا مع الشروط التى وضعت من قبل اللجنة الموكل بها اختيار رؤساء التحرير .. فهى مرفوضة ومردود عليها من قبل غالبية الصحفيين الشرفاء . فهل نحن مقبلون على صراع من نوع جديد للسيطرة وتصفية الحسابات ؟ !